اراء و مقالات

غزة تشيع ابن معان و«المتغير» الأردني يزحف… والعشائر تعلن «نحترم الملك والجيش ولكن…»

استغراب نفي عزام الأحمد أي دور للأردن في مساعدة الفلسطينيين في التصدي لصفقة القرن

عمان- «القدس العربي» : مشهدان في غاية الأهمية يلخصان الكثير في مستجد التأكيد على عمق العلاقة الفلسطينية – الأردنية، ولا يمكن إسقاطهما من الحسابات السياسية وحتى الأمنية بعدما رصدا وحصلا بالتزامن في إحدى ضواحي عمان العاصمة ثم في شوارع غزة المدمرة.
بينما حفلت مواقع التواصل بقرار أهل مدينة غزة تشييع الشهيد الأردني جمعة طلحة، ابن مدينة معان، الذي استهدفه الجيش الإسرائيلي باعتباره ابن القطاع المحاصر، كان الشيخ خالد العدوان، أحد قيادات قبيلة العدوان المتمركزة في واجهات الأغوار عموماً، يقولها ومن الآخر في اجتماع أهلي: «من يريد الحفاظ على أرضه وعرضه يقف مع فلسطين».
مشهدان يرويان الكثير في الواقع الاجتماعي والسياسي والجغرافي اليوم.
أهل مدينة غزة وهم تحت القصف يقررون إقامة مظاهر تشييع الشهيد الأردني الكبير الذي يقيم في القطاع وحيداً ومتسللاً من مصر منذ عشر سنوات، وباعتباره ابنهم، حيث حضر الشهيد إلى غزة وبقي فيها وحيداً دون أهله أو عشيرته، لكي يقدم مساهمته الأكبر لصالح المقاومة في إدارة «العمليات السيبرانية».

قسم عشائري: سندخل فلسطين

طمأن المشيعون أهل وأقارب الشهيد طلحة بأنه سيدفن في تراب غزة وبين أهله وباعتباره قائداً كبيراً له فضل على الشعب الفلسطيني.
كانت تلك مشاهد مؤثرة جداً، حيث مئات من أهل غزة يشيعون ابن مدينة معان جنوبي الأردن، مخاطرين بحياتهم وتحت القصف.

استغراب نفي عزام الأحمد أي دور للأردن في مساعدة الفلسطينيين في التصدي لصفقة القرن

في المقابل، اختصر الشيخ خالد العدوان في الاجتماع الأهلي مسافة كبيرة نحو إعلان ليس فقط التضامن بل اعتبار العشائر الأردنية في صلب الصراع، قائلاً بأن أبناء العشائر لديهم كرامة وسلاح ووطنهم الفلسطيني محتل، وهم مؤهلون لتحطيم «خشم» المدعو (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو.
شرح العدوان ما هو مسكوت عنه في المعادلة السياسية، قائلاً بأن احترامنا كعشائر أردنية لقيادتنا ولقواعد الاشتباك التي يحددها جيشنا هو الذي يمنعنا من الاقتحام والدخول إلى فلسطين الطاهرة. مؤكداً بأن المعادلات واضحة، ومقسماً بأن العشائر الأردنية ستدخل، وهي جزء من المعركة، وفلسطين وأهلها ليسوا وحدهم.
مشهدان من هذا النوع يبرزان في مستوى الاهتمام الشعبي الأردني على هامش التطورات اللافتة التي شهدتها القضية الفلسطينية في الأيام الأخيرة، وعلى هامش إعلان نشطاء في أكثر من قبيلة أردنية، اليوم الجمعة، وفي أكثر من مكان ومحافظة فيما يخصص زحف العشائر الأردنية في اتجاهين.
العشائر المحيطة بالعاصمة ستزحف نحو مقر سفارة إسرائيل، والعشائر المحيطة بالأغوار وبالواجهة مع فلسطين ستزحف احتجاجاً وغضباً وتضامناً مع فلسطين إلى نقاط التماس الحدودي في الأغوار مع دولة الاحتلال، فيما واحدة من أكثر الشخصيات السياسية اعتدالاً وخبرة، وهو رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، يعلن وعلى إحدى الشاشات المحلية معادلة التنميط الجديدة والتي كان يقول بها الإسلاميون مبكراً ومنذ عقود وعلى أساس «الصراع وجودي وليس حدودياً».
ينضم المصري هنا إلى نادي كبار الساسة الذين يواصلون الإعلان عن عبثية السلام وبرفقة سجل سياسي تاريخي بدأه الرجل نفسه منذ لحظة مظلة مدريد للمفاوضات، وبأوامر الملك الراحل حسين بن طلال.
وهو وضع يؤكد المصري مباشرة لـ»القدس العربي» بأن إيقاعات المتغير الإقليمي والفلسطيني فرضته على أساس السعي المهووس عند اليمين الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية وبصيغة تهدد بالتأكيد المصالح الحيوية للأردن والأردنيين.
على واجهة العشائر يزيد منسوب التعبير عن الغضب، وتظهر مساحات إضافية من الوحدة الوطنية الداخلية، وترتفع الأصوات الداعية لاختراق الحدود مع فلسطين المحتلة، وبعض مستويات القرار تقف حائرة لأن المؤسسات البيروقراطية بالعادة لديها خبرة في التعاطي مع دعوات التجمع والاحتجاج من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وليس من عمق المعادلة العشائرية.
ذلك مستجد في غاية الأهمية، خصوصاً أن العشائر والمكونات الاجتماعية الأردنية بدأت تترصد ملامح شهدائها في غزة في الحرب الأخيرة. فبالرغم من القطيعة السياسية والأمنية مع المقاومة، تكشف وقائع ما بعد القصف اليوم عن أردنيين في مواقع قيادية مهمة في المقاومة سقط بعضهم شهداء فعلاً، حيث لا يقتصر الأمر على الشهيد طلحة، مما يعني بأن العلاقة بين المقاومة والبنية الاجتماعية الآن دخلت في سياق وحدة الدم.
ذلك أيضاً متغير مستجد لا تملك حكومة الأردن الخبرة الكافية في التعاطي معه، ومأزق دعاة التطبيع والعلاقات مع العمق الإسرائيلي هنا أن تسويق البضاعة القديمة لم يعد ممكناً، وأن إظهار العشائر الأردنية لموقف صارم وجازم لا يقبل الحسابات الصغيرة هو في حقيقته ونتائجه اندفاعة لصالح الوصاية الهاشمية في ملف القدس، مما يجعل التلاعب والاحتواء بصيغة كلاسيكية في هذه المساحة الضيقة غير منتج أو مكلف.

هل نرى هنية في عمان؟

يحصل كل ذلك في بنية المجتمع الأردني، فيما تجد المؤسسة الرسمية وبسبب الإيقاعات السياسية الجديدة التي فرضتها المقاومة، نفسها في اتجاه ممر وحيد لا بديل له إذا تقرر جلوس الأردن على طاولة التأثير، وهو ممر المقاومة وحركة حماس دون شك، الأمر الذي يبرر اتصالات المنظومة الأمنية الأردنية في الساعات الأخيرة وعبر الجنرال أحمد حسني وطاقمه بالهرم القياسي السياسي لحركة حماس ولأول مرة، وعلى رأسه الشيخ إسماعيل هنية الذي كان قد وجه وفي إسطنبول وعبر «القدس العربي» علناً قبل عدة أسابيع، رسالة قال فيها بأنه طامح بزيارة الأهل والأحبة في عمان.
هل نرى الشيخ إسماعيل هنية أو أقرانه في قيادة حماس في عمان قريباً؟
سؤال سابق لأوانه، ويتغذى على الإحباط الناتج أردنياً عن مداخلة غريبة للقيادي الفتحاوي عزام الأحمد في اجتماعات البرلمانيين العرب في القاهرة، نفى خلالها أي دور للأردن في مساعدة الفلسطينيين في التصدي لصفقة القرن.
تلك طبعاً مداخلة رد عليها فوراً وبلغة حاسمة ممثل الأردن في الاجتماع النائب المخضرم خليل عطية، وبعتاب رقيق رفض فيه ما يقوله الأحمد، مستذكراً موقف القيادة الأردنية في التصدي لصفقة القرن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى