اراء و مقالات

المبادرة الأردنية نحو سوريا سبقت الجميع والدوافع اقتصادية

عمان ـ «القدس العربي»: سرعان ما يمكن اعتبار الحراك الدبلوماسي الأردني النشط ضمن مبادرة إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية خطوة أو محطة باتجاه تحسين الشروط الاقتصادية للأردن ضمن خريطة الإقليم بعدما ثبت بالوجه القاطع بان الالتزام الأردني التفصيلي والشامل والكامل بالانخراط في الترتيبات الأمريكية الإقليمية في المنطقة نتجت عنه خسائر فادحة ليس على مستوى الدور والسياسة فقط، ولكن على المستوى الاقتصادي أيضا.

طوال الوقت يحاجج سياسيون كبار من بينهم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري والبرلماني والوزير السابق المسيس الدكتور ممدوح العبادي بان الالتزام الحرفي بالانخراط في المخططات الأمريكية في المنطقة حرم الأردن من أوراق اقتصادية، ومن تنويع في الاتصالات والعلاقات يحسن الشروط الاقتصادية لا بل قد يساهم في معالجة الضائقة المالية الأردنية خصوصا وان مشاريع التكامل الإقليمي التي خطها الأردن أو خطط لها مبكرا مع العراق وأيضا مع لبنان فيما يتعلق بتصدير إنتاج الكهرباء الفائضة اصطدمت بالحسابات الأمريكية ولاحقا الإسرائيلية .
وبقيت مسألة إغلاق الحدود على التعاون الاقتصادي مع سوريا حصرا هي الدليل والقرينة الأبرز على بؤس وسقم السياسات التي تؤدي إلى خسائر للاقتصاد الأردني. بكل حال قانون قيصر شكل مبكرا علامة فارقة في سجل الاقتصاد الأردني خصوصا وان الحكومة تعسفت وهي تلتزم بمتطلبات ومقتضيات قانون قيصر حيث قناعة بهامش صغير مرسوم بسبب المساعدات المالية الأمريكية التي تقارب مليار ونصف المليار من الدولارات سنويا، وهو سواء تعلق الأمر بسوريا أو غيرها يعيده خبير اقتصادي بارز من وزن الدكتور خير ابو صعليك إلى ان بلاده لديها أولويات ومصالح وتوازنات ولا تستطيع التصرف بشكل غير مدروس ما دامت تتلقى مساعدات أمريكية سنوية.
لا مجال أردنيا في المطبخ الاقتصادي الرسمي لأي مغامرات سياسية غير محسوبة حتى وإن كان الالتزام بقانون قيصر الأمريكي ألحق ضررا بالمصالح.
يحاجج كثيرون بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الممول الوحيد للخزينة في الأردن على شكل هبات ومنح ومساعدات، وبأن هذا الواقع الموضوعي يفرض محددات وقيودا على أي حراك سياسي أردني في المساحة الإقليمية.
والواضح لمن يحاججون بهذا المنطق أن تلك القيود طالت إلى حد بعيد دولا في الجوار الإقليمي من بينها إيران وفي بعض الأحيان تركيا وارتبطت بلبنان أو في جزء منه.
ولاحقا والأهم في سوريا فقد نتج عن الالتزام الأردني بقانون قيصر الأمريكي خسائر فادحة على المستوى التجاري وعلى مستوى البروتوكول الزراعي والتعاون الحدودي، وهي مسألة أدركها مبكرا صانع القرار الأردني وهو يذهب باتجاه خطوات افتتاح غير مسبوقة وفجأة مع السوريين بمجرد خلط أوراق قانون قيصر بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال شرق سوريا معا.
الأردن بوضوح اقتنص اللحظة المناسبة حتى قبل توقيع الاتفاق الإيراني السعودي في خلخلة قواعد التزامه هو بقانون قيصر وبالمحددات الأمريكية عندما استثمر في لحظة الزلزال، حيث كان الدولة الأولى تماما التي أرسلت قوافل مساعدة إلى مناطق ضربها الزلزال وتتبع النظام السوري، وأعقب ذلك تماما تحويل غرفة عمليات أردنية إلى قاعدة لوجستيات تساعد الشعب السوري قدر الإمكان.
وفي الأثناء كان وزير الخارجية أيمن الصفدي أول من يسجل حضورا في سوريا تحت هذا البند وتحت هذا العنوان حين زار دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد. بمعنى آخر أي حراك أردني باتجاه إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية وتفاعل مع هذه المبادرة هدفه الأساسي قد يكون تنويع مصادر اقتصادية، فالعلاقات الاقتصادية بين سوريا والسوق الأردني قديمة وعين الأردنيين دوما على خطط إعادة إعمار المناطق التي تضررت بالحرب السورية الداخلية، وعلى تنشيط تعاقدات المقاولين والموردين التجاريين الذين سبق ان هددهم الملحق التجاري في السفارة الأمريكية في عمان العاصمة بقوانين أمريكية تضع من يتعامل مع النظام السوري في بند القوائم السوداء وهو ما عارضه علنا البرلماني البارز عبد الكريم الدغمي تحت القبة.
بالتالي إستراتيجية الحراك تجاه سوريا في جزء حيوي منها هي أقرب إلى محاولة للبقاء قريبا من السوق السورية. وهي مسألة ملحة وأساسية حتى في عرف وتقليد رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق، الذي يظهر دائما حرصا إضافيا على التعاون مع دول الجوار والتأسيس لشراكات مع القطاعين العام والخاص في أو عند الجار السوري الشقيق.
وقد سبقت القيادة الأردنية عمليا الجميع بإطلاق مبادرة تحت عنوان إعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية وتطبيع العلاقات معها وتحدث العاهل الملك عبد الله الثاني شخصيا في هذا الموضوع بعدما أوفد الوزير الصفدي إلى دمشق وقابل الأخير الرئيس السوري بشار الأسد.
ومن هنا حضر الأردن لاحقا عبر الوزير الصفدي وكما أبلغ هو شخصيا «القدس العربي» اجتماعات مدينة جدة السعودية التي بحثت الملف، والأردن يرمي بثقله الدبلوماسي اليوم وراء هذه المقاربة حتى يكتب له سبق الخطوة الأهم في إقرار عودة سوريا إلى حضنها العربي، لأن الرهان كبير على ان الاسترخاء الذي حصل في الاتصالات مع إيران سيخفف أمام صانع القرار الأردني وعورة الطريق ومتاعبه عندما يتعلق الأمر بالتعاون التجاري والحدودي والاقتصادي مع كل من العراق وسوريا في آن واحد.
لكن المرصود على هامش تحضيرات القمة العربية في الرياض أن مبادرة الأردن قد تكون سياسيا دون السقف السعودي بملف التطبيع مع الرئيس بشار الأسد حيث الاستدارة السعودية الشاملة الأخيرة تخلط كل الأوراق وقد برز ذلك في لقاء جدة الذي بحث مسألة عودة سوريا إلى مقعدها العربي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى