اراء و مقالات

خفايا وكواليس «الإحراج»: هل لا يزال «أمن الأردن» من «أمن إسرائيل»؟

عمان- «القدس العربي»: تثبت وقائع ممارسات الشرطة الإسرائيلية تحديداً في القدس المحتلة، صدقية تقرير أردني معمق تُلي قبل نحو 5 سنوات أمام نخبة من كبار مسؤولي الدولة الأردنية في مجلس السياسات.
حتى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، يبلغ الأردنيين عبر نافذة اتصال خاصة بأنه لا يعرف ما الذي حصل ويحصل بخصوص التعليمات التي تصل للشرطة وجهازها من وزير الأمن الداخلي زميله.
التقرير المشار إليه كان قد تحدث عن أخبث ما فعله بنيامين نتنياهو الذي حكم المشهد الإسرائيلي طوال سنوات، عندما عزز قبل 8 سنوات وبالتدريج عملية تجنيد المستوطنين المتطرفين وبكثافة في بنية منظومة الأمن الداخلي الإسرائيلية.
لا أحد في مؤسسات القرار الأردنية يستطيع الادعاء بعدم وجود معلومات ومعطيات تفيد بأن المنظومة الأمنية الإسرائيلية، باستثناء جهاز الموساد، لم تعد علمانية ولا قانونية، فالأجهزة الداخلية في «الشين بيت» الإسرائيلي وفي مفاصل الإدارات وكبار الضباط، زرع فيها نتنياهو بخطة محكمة العديد من رموز التشدد والاستيطان.

علم مسبق بالخطة

يبدو أن كبار المسؤولين في عمان على علم مسبق أيضاً بأن نتنياهو وغيره بدأ مبكراً منذ سنوات بزرع المجندين المتشددين في وحدات إدارية ومناطقية متعددة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي أيضاً. لا تريد المؤسسات الأردنية هنا التحدث عن تقصيرها الشديد في التعامل مع تقديرات مؤسسية رسمية ومحلية لم تقرأ في وقتها عن خطط نتنياهو وطاقمه في إعادة هيكلة منظومتي الأمن والجيش، حيث تفاضل عددي للقادة والمجندين المتشددين جداً، الذين يؤمنون بأن دولة فلسطين ينبغي أن تقام في الأردن.
لأسباب متعددة من المحرج التطرق لها الآن، برزت غفلة في التعاطي مع السيناريوهات الرقمية قبل سنوات، مما أسقط رهانات الأردن القديمة والدائمة والمستمرة التي تثق بالدولة العميقة في كيان الاحتلال على اعتبار أنها شريكة.
لكن مجدداً، إنكار حصول تغييرات ضد الأردن في معادلة الدولة العميقة للاحتلال لا يزال سيد الموقف، فلا أحد يريد تحمل مسؤولية التقصير في قراءة بيانات رسمية في الماضي القريب، ولا أحد بالتوازي يريد اليوم الإقرار بأن إسرائيل انقلبت فعلاً على الأردن قيادة وشعباً.
لكن الأهم التشدد الأمني الداخلي الإسرائيلي، الذي ظهر مؤخراً أثناء تشييع جنازات الشهداء، وفي القدس الشرقية أصبحت رسالته واضحة الملامح، ومعها طبعاً تلك الرسالة التي لا تحفل لا بمسألة الأمر الواقع في القدس أولاً، وتسعى ثانياً بطبيعة الحال وبوضوح، لتقويض الوصاية الأردنية على أوقاف القدس. نتج عن ذلك تحولات دراماتيكية تؤدي إلى هشاشة في جبهة العلاقة بين الأردن ودولة الاحتلال.
ووصل اقتناع الأردنيين بتلك الهشاشة إلى إبلاغ طاقم الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً، بأن عمان عملياً لم تعد تفهم ما الذي يجري، فقد استقبلت رئيس دولة الاحتلال ووزيري الخارجية والدفاع في حكومة نفتالي بينيت، وحصلت على وعود محددة لم تنفذ.
تحدث الأردنيون مع الأمريكيين بهذا الملف بقدر من الحيرة وبهدف تحفيز التدخل الأمريكي، لكن على الجبهة الموازية كان قرار نفتالي بينت واضحاً بالغضب من عمان ووقف التنسيق معها بخصوص ملف المسجد الأقصى، لا بل توجيه رسالة قاسية عنوانها.. «أنا المسؤول وليس رئيس الدولة أو وزير الدفاع».
أنتج التواصل السلبي مع حكومة نفتالي بينيت مناخاً قلقاً وسط الأردنيين، فيما تمسك طاقم بايدن بجزئية واحدة وصمت عن بقية ملاحظات الأردنيين، وهي تلك الجزئية الكلاسيكية الإنشائية التي تعتبر خطة إدارة بايدن الوحيدة هي تهدئة طويلة الأمد في الأراضي المحتلة فقط.

«ذلك لم يعد يكفي»

«ذلك لم يعد يكفي».. قال مسؤول أردني بارز لعضو أبرز في الكونغرس، وكانت الإجابة بالإحالة إلى تقديرات واضحة عند الرئيس بايدن.
مأزق إسرائيل في العمق الأردني يتدحرج بصورة غير مسبوقة، وملامح الحيرة على وجه كبار المسؤولين في عمان واضحة، لا بل مستوى الإحراج أيضاً كبير، حتى إن ملاحظات جريئة جداً وغير مسبوقة قيلت في جلسة مغلقة وتقال في كل الجلسات المفتوحة خلال ندوة مثيرة جداً عقدها مؤخراً معهد السياسة والمجتمع الأردني، وهو معهد يصعد بقوة في اتجاهات التشخيص والتحليل الجريء، وبدأ موسمه بنقاشات عاصفة ذهنياً حول أزمة العلاقة بين الأردن وإسرائيل، وبعنوان ساعة الحقيقة.
في ذلك الحوار والنقاش الذي تمكنت «القدس العربي» من الاطلاع على أهم محاوره وجهات نظر جريئة جداً وغير مسبوقة ومداخلات ذات قيمة مرتفعة من شخصيات معتدلة، لا بل بعضها كان مؤمناً بعملية السلام.
في ذلك النقاش تحدث السياسي المعروف الدكتور مروان المعشر، عن شعوره بالاستفزاز عندما يسمع عبارة حل الدولتين، وأشار إلى أن جميع الأحزاب الإسرائيلية اليوم لا تعترف بالوصاية الأردنية، محذراً من أن لحظة الانفجار للداخل الفلسطيني تقترب، وقد يعقبها انفجار أردني.
ثم طرح المعشر سؤالاً غريباً: كان الهدف من اتفاقية وادي عربة عدم حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن… هل تحقق الهدف؟ وحذر المعشر من أن حصر الموقف الأردني اليوم بيد مجموعة قليلة وبدون شفافية، خطر وجودي.
حتى إن مفكراً ليبرالياً مثل الدكتور مصطفى الحمارنة، اعتبر موقف بلاده الرسمي غير واضح وغير مفهوم، وأشار إلى أن ما يأتينا من مواقف حتى الآن له عواقب وخيمة. وبتقديره، مصلحة الأردن تتطلب التواصل مع المنظمات الدولية ونشطاء المقاطعة في العالم، ومع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومبادراتها، ودعم العصيان المدني في فلسطين.
في الأثناء، كان المحلل السياسي والإعلامي عريب الرنتاوي، يطرح المفارقة: مصالحنا بالتصعيد في القدس وليس بالتهدئة، معتبراً أن الخلاف في إسرائيل اليوم بين اليمين واليمين، وأن سياسات الاحتلال تهدد الوجود الأمني والاستراتيجي الأردني، وأن نظرية «أمن الأردن من أمن إسرائيل» عشعش وسط بعض القناعات الرسمية وبصورة مؤذية.
قدر الرنتاوي هنا بأن الوصاية انتهت، وأن طاقم الأوقاف الأردني لا يستطيع تغيير ولو لمبة كهرباء بدون إسرائيل، وبأن الوصاية اليوم للمرابطين والفلسطينيين، منتقداً احتكار السياسة الخارجية من قبل فئة محدودة، وتم دسترة ذلك، ومعبراً عن قناعته بالحاجة إلى ما سمّاه «الخطة ب»، وعناوينها الحذر من المسار الإبراهيمي، والتلويح بإلغاء وادي عربة، والتواصل مع قوى أخرى غير الرئيس أبو مازن.
في الأثناء، تحفظ الدكتور محمد الخريشة على ما سمّاه بأمننة كل المقاربات والملفات، مشدداً على أن نظريات الأمن القديمة لا تصلح الآن، مع أن باحثين أقروا أيضاً وبصورة نادرة بأن المقدسيين ليسوا متحمسين للوصاية الأردنية بعد الآن.
تلك طبعاً مقترحات نقاشية على هامش سؤال أردني بات مفتوحاً بكل التعبيرات حول خفايا وفواتير الانقلاب الإسرائيلي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى