اراء و مقالات

الأردن بعد «صدمة عبارة المصري»: ولا حتى اقتراب من صيغة «الإفلاس» لكن الوضع «صعب» و«قد يتدهور»

عمان- «القدس العربي»: بصورة مؤكدة، لم يدر في خلد رئيس الوزراء الأردني الأسبق والسياسي البارز طاهر المصري، أن يثور الجدل حول عبارة شاردة التقطتها منصات التواصل الاجتماعي من حوار موسع له في نقابة الصحافيين ولها علاقة بالملف الاقتصادي حصرياً.
كل هذه الزوبعة التي ثارت دفعت الحكومة مع السلطات ونخبة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين إلى حراك سريع يشارك في الجدل المتعلق بعبارة «في طريق الإفلاس».
تشخيصات المصري بخصوص المشهد الاقتصادي تحديداً والتي ربطها أصلاً بتطورات الإقليم والمجتمع الدولي وبالاستعصاءات الداخلية في الواقع وبالتحديات التي يفرضها إيقاع القضية الفلسطينية بصورة مبالغ فيها إلى حد كبير، دفعت المصري نفسه إلى إصدار توضيح بعد نقل غير مهني لعبارة قالها في ندوة عند الصحافيين.
قال المصري في توضيحه بأن العبارة التي تحدث فيها عن وصول الدولة إلى حالة إفلاس اجتزأت بمعنى أخرجت من سياقها، وأن ثقته كبيرة بالسياسات النقدية وبصلابة إجراءات البنك المركزي تحديداً، وبأن عبارته فهمت خارج سياقها، حيث كان النقاش عمومياً ويدور حول التحديات التي تواجه الأردن.

إفلاس؟

لكن الزوبعة لم تهدأ لليوم الرابع على التوالي، فقد تمكنت هذه المداخلة للمصري من رفع منسوب الجدل تحت العنوان الاقتصادي وبصورة غير مسبوقة، ليس فقط على مستوى المسؤولين والسياسيين ولا الصالونات والأوساط السياسية، لكن أيضاً على مستوى الخبراء وعلى مســـتوى الحـــراكات الــشعبية.
حفلت الساحة الأردنية بكل أنواع الفتاوى المتعلقة بالاقتصاد، واضطر رئيس الوزراء بشر الخصاونة تحت قبة البرلمان إلى التقدم بتوضيح نفى فيه حتى الاقتراب، كما قال، من حالة إفلاس الدولة بالصيغة القانونية والمالية والاقتصادية التي يعرفها الجميع.
وتحدث عن ثبات النمو الاقتصادي وعن ارتفاع تصنيفات الأردن الائتمانية وسط الدول والمؤسسات المانحة في العالم، وعن سمعة الاقتصاد الأردني، كما أشار إلى النقطة الفارقة، وهي وجود 17 ملياراً من احتياطي النقد؛ بمعنى تتوفر مواصفات لا يمكن القول معها وبعدها بأن الدولة حتى قريبة من حالة الإفلاس. وقبل ذلك، كان المصري في الواقع يتحدث عن وضع اقتصادي صعب ومعقد، محذراً من الوصول إلى صيغة الإفلاس إذا لم تحصل استدراكات وتتخذ إجراءات. لكن على طول الخطوط والاشتباكات، كل تلك الإيضاحات لم تخفف الجدل حول العبارة التي وردت على لسان المصري، علماً بأن الرجل كان يتحدث محذراً من أن الوضع الاقتصادي صعب ومعقد، والتحديات كبيرة، والعالم العربي تخلى عن الشعبين الأردني والفلسطيني.
وفي حال عدم اتخاذ إجراءات صحيحة، قد يجد الأردن نفسه قريباً من حالة الإفلاس.
تلك كانت عبارات المصري، لكنها أخرجت عن سياقها مرات متعددة، وانشغلت ماكينة الحكومة الأردنية بتوضيحات ونخب اقتصادية ومالية كبيرة في الرد على توضيح لرجل تحدث في السياسة وليس في السياسة النقدية أو في الوضع الاقتصادي أو الملف المالي، فيما كان الوزير المختص حصرياً بالملف، وهو وزير المالية الدكتور محمد العسعس، وحيداً في عدم الرد وعدم إصدار أي تعليق أو توضيح، علماً بأنه سبق أن أعلم «القدس العربي» بأن الوضع المالي والتصنيفي عموماً لبلاده «مريح»، والإصلاحات المالية الهيكلية تحظى بثقة المؤسسات المالية الدولية الأساسية.
في كل حال، تصدى كثيرون لنظرية المصري التحذيرية في محاولة لطمأنة الرأي العام وتخفيف مستوى الجدل والعودة في النقاش حتى بالمشهد الاقتصادي إلى مستوى الموضوعية والمهنية والواقعية.
وهنا برزت مداخلة للخبير الاقتصادي والبرلماني الدكتور خير أبو صعليك، نافياً وجود أي شرط من شروط الإفلاس أو حتى الاقتراب منه بموجب ثبات نسبة التنمية والاحتياط الأجنبي ومواجهات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي.
برزت أيضاً مداخلة مفهومة الخلفيات لرجل الأعمال البارز وقريب طاهر المصري الملياردير صبيح المصري، جدد فيها ثقته باسمه واسم البنك العربي وعائلة المصري الاستثمارية الكبيرة، في الاقتصاد الأردني، وفي مواجهة التحديات. وتحدث عن أعمال واعدة في المجال الاقتصادي، السياحي تحديداً، حيث الرهان كبير على انتعاش سياحي ابتداء من أيار المقبل.
برز أيضاً مقال في الرد علي المصري لرئيس الديوان الملكي الأسبق والخبير الاقتصادي المعروف الدكتور جواد العناني، تحدث فيه عن مواصفات إفلاس الدولة وعدم وجود أي من المواصفات الأساسية في هذا الطريق حتى الآن في الأردن، لكنه قال بأن الوضع صعب ومعقد، واقترح؛ أي العناني، وصفة لمغادرة المشهد الاقتصادي والمالي الحالي.

«زلة لسان»؟

واعتبر الوزير والخبير الاقتصادي البارز أيضاً الدكتور محمد الحلايقة، أن ما نقل عن المصري بصرف النظر عن دقته، قد يكون أقرب إلى «زلة لسان»، إن حصلت فعلاً. وتحدث حلايقة عن مفهوم إفلاس أي دولة باعتباره مفهوماً له أسس علمية ومهنية، لا يوجد ما يقلق في هذا الاتجاه في الحالة الأردنية.
قال خلال بث في برنامج تلفزيوني سأل عما بعد مداخلة المصري المنقولة والتي قال إنها مجتزأة، وفسر الحلايقة بأن مسألة عدم الاقتراب من الإفلاس شيء، ومسألة الوضع الاقتصادي الحرج والصعب والتحديات الكبيرة الماثلة شيء آخر، مقترحاً أن يعمل جميع الأردنيين على المستوى الفردي والاجتماعي، وعلى مستوى المؤسسات الرسمية فــي ســياق مواجهة التحدي الاقتصادي بدلاً من الإغراق في الجدل، معتبراً أن الصعوبات الحالية أبرزها له علاقة بارتفاع الدين الخارجي إلى ثلاثة أضعاف في السنوات العشر الأخيرة، لكن المطلوب خفض هذا الدين وخفض فوائده في العشر سنوات المقبلة، وإذا لم تحصل الاســتدراكات قد تصل الأمور إلى «التدهور» وليس إلى الإفلاس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى