ألغام «وادي عربة» التي «تترنح» وتكتيك المراجعة: كيف يتحرك الأردن وفي أي اتجاه؟
عمان ـ «القدس العربي»: المحاججة الآن في المسرح الأردني مفتوحة الاحتمالات والسيناريوهات مرحلياً. وهي تلك التي تحاول تحديد مستوى الترنح الذي وصلته اتفاقية وادي عربة بعد وصفها رسمياً من جهة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي، بوثيقة يعلوها الغبار ألقيت على رف في مستودع ما، واللافت أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة عاد واستعمل المضمون نفسه.
المحاججة توسعت وتعمقت على أكثر من صعيد؛ من متبرع بالقول إن إلغاء اتفاقية وادي عربة في هذه المرحلة أفضل خدمة لليمين الإسرائيلي المتطرف؛ لأن تلك الاتفاقية في بعض تداعياتها ونصوصها لا توفر حماية للمصالح الحدودية الأردنية فقط، بل تنطوي على إشارات يفهم منها بالنتيجة الإقرار بالوضع القانوني للأراضي المحتلة في الضفة الغربية عام 1967.
الناشط القانوني والحقوقي محمد طقاطقة يحول التركيز على أن المطالبات التي تتحدث عن إلغاء اتفاقية وادي عربة عليها أن تكون حذرة جداً مع الإشارة من جهة مراقبين آخرين، لأن إلغاء الاتفاقية بصرف النظر عن أن إسرائيل لا تلتزم بها، يمكن أن يخدم مشاريع الضم التي يخطط لها اليمين الإسرائيلي ويحلم بها. أصحاب رأي آخر متعددون، على رأسهم سياسيون كبار من بينهم أحمد عبيدات وممدوح العبادي وغيرهما، يرون بأن تلك الاتفاقية أصبحت عبئاً على الأردن، لأن إلغاءها يشكل مدخلاً لتوحيد الموقف ما بين القيادة الأردنية والشعب.
اتفاقية وادي عربة
عبارة إلغاء أو تجميد اتفاقية وادي عربة تظهر في كل بيانات الاحتجاج والمعارضة الأردنية، لا بل جمعية الشفافية الأردنية أصدرت بياناً اقترحت فيه الآلية المطلوبة لإلغاء تلك الاتفاقية، وهي عبارة عن إرسال مشروع قانون مقترح باسم قانون إلغاء اتفاقية وادي عربة من جهة مجلس النواب ضمن مراجعاته للاتفاقيات مع إسرائيل، وإرسالها للحكومة على أن تتولى الحكومة إصدار القانون المطلوب في الدورة البرلمانية العادية.
وصف وزير الخارجية أيمن صفدي تلك الاتفاقية بأقذع الأوصاف، وأظهر أنها لا لها قيمة لها عملياً، بل مركونة في مستودع ويعلوها الغبار ما دام العدوان الإسرائيلي مستمراً، وما دام ـ كما شرح وقال ـ حل الدولتين ليس قائماً؛ لأن أي تفكير بمشاريع ضم للضفة الغربية بعد الاستثمار في إيقاعات ما بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، يعني عملياً أن الاتفاقية لا قيمة لها. وسياسيون يسألون في الأثناء، رغم أن تلك الاتفاقية لا قيمه لها في غياب حل الدولتين، فما هو المبرر في مواجهة حالة يلغي فيها الأردن تلقائياً تلك الاتفاقية وبصيغة يمكن أن تفقده ورقة أساسية في المجتمع الدولي.
المجتمع الدولي بالمقابل، ثبت وبالوجه القاطع على رأي السياسي مروان الفاعوري، بأنه ليس طرفاً، إنما لا يملك أي قوة أو تأثير إذا ما قررت الدول الغربية والإدارة الأمريكية توفير الغطاء لأي مشروع إسرائيلي.
مطلب شعبي ملح
ولا يوجد حتى اللحظة من يقول إن عمان تستعد لإلغاء اتفاقية وادي عربة، لكن ذلك مطلب شعبي ملح جداً اليوم، وإن كانت القناعة راسخة بأن الاتفاقية تترنح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والإيحاء ضمناً المنقول على لسان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يقول إن على الجانب الإسرائيلي أن يتوقع أي مفاجأة في إطار التدرج الأردني في الرد على التصعيد، وهو صيغة تؤشر على أن وضع اتفاقية وادي عربة التي قيل يوماً إنها دفنت خيار الوطن البديل في الأردن أصبح مهزوزاً للغاية، ومترنحاً. وبالحد الأدنى، فإن تلك الاتفاقية ما دامت لا تقدم ضمانة من أي صنف لمصالح الأردنيين، فلا قيمة لها في الواقع اليوم.
أغلب التقدير أن مناقشات ومحاججات الأردنيين في مشروعية اتفاقية وادي عربة يراد لها أن تؤسس لحالة توازن في الخطاب الدبلوماسي تستفز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للتحرك والتحريك ليس أكثر ولا أقل في هذه المرحلة على الأقل. بمعنى، أن عمان ليست بصدد تسليم اليمين الإسرائيلي المفتاح الأبرز في الهجوم عليها وتنفيذ مخططاته بإلغاء اتفاقية وادي عربة وتحرير هذا اليمين من تلك الاتفاقية التي لم تعد تساوي في الواقع الغبار الذي يعلوها، لأن المفاوض والخبير الوطني البارز الدكتور دريد المحاسنة قال مبكراً منذ أسابيع عدة مرات عبر «القدس العربي» إن إسرائيل خالفت كل الاتفاقات مع الأردن صغيرها وكبيرها، وانقلبت عليها ولا يوجد ما يخسره الأردن حقاً إذا ألغي اتفاقية وادي عربة.
ثمة من يقول إنه في حال إلغاء تلك الاتفاقية يوجد ما يربحه الموتورون في اليمين الإسرائيلي الحاكم. وبين هذا التشخيص وذلك الاستنتاج، يمكن المراوحة في المشهد السياسي؛ فالأردن يعمل بالمسرح وبكثافة، وأولويته المعلنة هي أولاً وقف العدوان على غزة، وثانياً منع التهجير والتحريك الديموغرافي في القطاع، وثالثاً الحرص الشديد على متابعة كل صغيرة وكبيرة اليوم فيما يحصل من مواجهات في عمق معادلة الضفة الغربية. ولذلك، يكمل وزير الخارجية الصفدي جولته مع فريق القمة العربية والإسلامية خارج البلاد. ولذلك أيضاً يوصل السفير الأردني في رام الله رسالة مكتوبة من القيادة إلى الرئيس محمود عباس لم يكشف عن مضمونها.
ولذلك طبعاً، وبالترجيح، بدأ الأردن يضع قواعد المستشفى الميداني العسكري الكبير في مدينة نابلس، وأغلب التقدير أن سلسلة الاستعدادات الأردنية لأسوأ الاحتمالات هي التي دفعت لاتخاذ مسرح عمليات عسكرية على الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث شغلت أو أشغلت الفنادق العسكرية، ونشرت فيديوهات رسمية تتحدث عن انتشار المدرعات والدبابات والآليات المسلحة في المنطقة.
الأردن يتحرك بحذر شديد وسط حقل من ألغام القضية الفلسطينية اليوم.