اراء و مقالات

قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن وفوضى السؤال … هل اعتقل «الدوار الرابع» مجدداً؟

عمان – «القدس العربي»: لا يتعلق الأمر باصطياد في أي مياه سياسية بقدر ما يتعلق بالتقاطة “منصاتية” مجدداً تنطوي على رسالة سياسية.
الناشط النقابي الأردني البارز ميسرة ملص، وفي سياق الضجيج العام حول قانون الجرائم الإلكترونية المعدل الجديد، عاد به أرشيف صفحته على فيسبوك إلى ذكرى سابقة قوامها لفت النظر وتسليط الضوء على مقال منشور سابقاً للكاتب الصحافي البارز فهد الخيطان، الذي يدير مديرية الإعلام في الديوان الملكي اليوم، ويعتبر من أبرز المستشارين مهنياً وإعلامياً بالقرب من مركز صنع التوجيهات والقرار.
ملص هنا التقط المفارقة عندما نشر الخيطان مقالاً فيه اعترض على إجراء بلدي وأمني في محيط منطقة الدوار الرابع، وهو مقال يتحدث فيه كاتب الأمس مستشار اليوم عن “الدوار الرابع المعتقل” الذي يستحق حملة تضامنية؛ لأن تهمته الوحيدة بالنسبة للسلطات رعاية واحتضان المهمشين والمعارضين.
كان ذلك طبعاً مقالاً قديماً يعلق على مسار الأحداث التي اشتهرت باسم الدوار الرابع. وأغلب التقدير أن نص المقال يعلق على جزئية زرع قضبان حديدية من جهة البلدية على منطقة الدوار الرابع التي كانت ملاذاً للاعتصام وحريات التعبير بالقرب من مقر رئاسة الوزراء.
فرضية النقابي ملص يمكن استنتاجها في الخلاصة من العودة لهذه المفارقة الفيسبوكية، فالجدل محتدم بخصوص القانون المعدل للجرائم الإلكترونية، والتجاذب كبير على حد تعبير النائب عمر العياصرة، وما لمح له ملص هو الأمل بتذكير المختصين في مستويات القرار بأن مسألة النقاش في ملف الحريات التعبيرية قد تستحق موقفاً أو مقالاً من هذا الصنف، مع أن الخطاب هنا لا علاقة له أصلاً بموظفي الديوان الملكي، لأن الملف برمته بين يدي الاشتباك الحكومي. لكن ما تدل عليه تلك الالتقاطة النقابية هو حرص المحتجين أو القلقين من القانون الجديد على إنتاج أمل بأن تتدخل المستويات المرجعية لتعديل مسار مشروع أقلق وأرعب الجميع، لا بل اعتبرته لجنة تنسيقية مختصة تمثل أحزاب المعارضة في بيان حاد ظهر الخميس، أقرب إلى فضيحة تشريعية.
قد لا تحقق التقاطة النقابي ملص أهدافها، لكن الصحوة والمراجعة بشأن حجم الجدل الذي أثاره القانون الجديد محتملة ودخلت في سياق تفكير وذهنية العديد من الأطراف، الأمر الذي يلمح إليه ضمناً عضو مجلس الأعيان والخبير الإعلامي أيضاً جميل النمري، وهو يتلمس كما أبلغ “القدس العربي” حالة من المراجعة مفترضاً أنها ضرورية. النمري يضم صوته لتلك الأصوات التي تعتقد بوضوح بوجود مشكلات مهمة في صياغات بعض نصوص القانون الجديد.
ويقر بوجود عبارات فيها غموض أو تثير التباساً ومفاهيم تحتاج لتوضيح، كما يتصور أن ضعف جبهة بعض النصوص وإثارتها لأكثر من احتمال وقراءة مرده على الأرجح بتقديره الشخصي هي غياب الاحتراف المألوف عند المؤسسة الأردنية عندما يتعلق الأمر بالتشريعات والنصوص.
قد يعني ذلك أن محترفي سن القوانين والتشريعات الخبراء حصراً في ملف الحريات والتعبير غابوا عن تلك الخلايا التي اشتغلت بنصوص القانون الجديد المثير للجدل والتجاذب ومؤخراً للاستقطاب.
لكن الحكومة طبعاً لا تقر بذلك، وبدا واضحاً للجميع أن المشاورات المنطقية لحقت بالقانون ولم تسبقه، مما ضاعف من حجم الأزمة وأربك حتى الأحزاب الوسطية التي تتفهم اعتبارات الحكومة ودفعها؛ إما للتأخر أو البحث عن لغة تتحدث فيها عن “تجويد” النص كما ورد حرفياً في بيان لحزب إرادة، أو الى عبارات تتحدث عن ابتعاد الحكومة عن الشعبويات، كما ورد في تعليق لحزب الميثاق، أحد أكبر أحزاب تحديث المنظومة السياسية.
سأل كثيرون وعلى رأسهم الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة: من ومتى وأين وكيف أقرت هذه النصوص؟ لا أحد لديه إجابة منطقية.
نقابتا الصحافيين والمحامين قدمتا مذكرات للنواب، مما يعني أن جهتين بارزتين في الاختصاص لم تستشارا أثناء عملية الطهي، والأحزاب السياسية لم يسألها أحد، لا بل إن الأحزاب الأقرب للموالاة وليس للمعارضة، فوجئت وارتبكت.
خبراء الجامعات والأكاديميون المختصون في التقنيات والتشريعات المماثلة، لا دليل على أنهم كانوا جزءاً من حوار في أي مكان.
والخبراء القلة بين الأردنيين في مجال تشريعات الإعلام والتعبير تحديداً لم تقدم أي قرينة على أنهم حضروا حفلة التشريع قبل تحويله لمجلس النواب، ومع هؤلاء جميعاً مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والوطنية. سار القانون مثيراً ألغاماً اجتماعية ومهنية وسياسية دون مشاورات حقيقية قبل تحويله. لذا، استفسار الأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، يكرس علناً مشروعية التساؤل: من هي الجهات أو الجهة الغامضة التي ركلت الشعب الأردني بمثل هذا القانون؟
سأل الشيخ العضايلة حصراً “القدس العربي” أمام نخبة من الشخصيات عن أي معلومات في السياق، ونقل أحد الخبراء عن فريق الأمن السيبراني الرسمي إشارات وملاحظات مهمة ومثيرة في المجال التقني تحديداً، لم تستمع لها كما ينبغي اللجنة القانونية للنواب.
لذلك وفي الخلاصة الالتقاطات التي تصطاد هنا أو هناك قد تكون محصلة طبيعية لغياب كل الأطراف المعنية عن مشروع قانون اتضح لجميع الأطراف أيضاً أنه قد يتميز بصناعة أزمة مجتمعية، مع أن هدفه المعلن رسمياً هو تجنب المساس بالسلم الأهلي ومنع تفاعلات منصات التواصل من صناعة أزمة مجتمعية.
كيف يمكن منع أزمة مجتمعية بإنتاج وصناعة أخرى أكبر منها؟ هذا سؤال لا تجيب عليه الحكومة ولا الدوائر الاستشارية بعد في المؤسسات السيادية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى