اختبارات ترامب آتية: هل بدأ الأردن تحديد «احتياجاته المرحلية»؟
عمان ـ «القدس العربي»: قد تبدأ قريباً ترتيبات الأدوات والنخب الأردنية الخاصة في التعاطي والتفاعل مع مرحلة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بعد تنصيبه وسط تعاكسات في المسارات والاتجاهات وتساؤلات حائرة وبروز الحاجة الملحة لإعداد طاقم سياسي من الصنف الذي يستطيع تسجيل اختراقات في عمق طاقم وإدارة الرئيس ترامب دون التعرض لمواجهة وإشكالات.
يعني ذلك بروز الحاجة في عمان إلى ترتيبات خاصة بعنوان تجنب المجازفات مع طاقم ترامب المتشدد لتأطير وحماية المصالح الحيوية الأردنية، والعمل ضمن مساحات مبادرة وحراك دبلوماسي نشط في اتجاه التوظيف والاستثمار، وهي المهمة التي يفترض مراقبون أمريكيون أصدقاء للأردن، من بينهم الناشط السياسي الفلسطيني الأمريكي الدكتور سنان شقديح، أنها مهمة صعبة ومعقدة مع رئيس جديد يتصور أن لديه صلاحيات مطلقة وتفويضات واسعة، وقد يتصرف في أي لحظة بصورة غير متوقعة.
ما ينصح به شقديح الأردنيين عبر «القدس العربي» الانتباه لمحطات محددة ومرسومة، قد يكون من بينها أن الرئيس ترامب لا يؤمن بدفع المال واستمرار المساعدات مجاناً، وأنه مهتم بشكل أساسي بدور متقدم ومتصدر للمملكة العربية السعودية حتى في ملف القضية الفلسطينية، ومن بينها كذلك أن أوساط واشنطن السياسية تنظر للطاقم الدبلوماسي الذي يدير بعثة طاقم السفارة الأردنية في العاصمة الأمريكية باعتباره أقل نشاطاً وأكثر خمولاً قياساً بنشاطات العديد من السفارات العربية.
يعلم الأردنيون أن الرئيس ترامب رجل لا يمكن توقع مفاجآته. ووزير البلاط الأسبق الخبير الدكتور مروان المعشر اقترح ضمناً تحصين الثوابت والمصالح الأردنية بالعمل العربي المشترك كبداية.
والانطباع يزيد وسط نخب عمان كما تسمعها «القدس العربي» بأن على الطاقم السياسي اتخاذ عدة إجراءات مبكرة استعداداً لمرحلة ترامب، خصوصاً أنه أزاح عن الصدر الأردني الثقل الأبرز الذي طالما أقلق عمان عندما لم يتطرق خلال التنصيب إلى ما سمي في ولايته السابقة بـ «صفقة القرن».
إجراءات مبكرة
لكن ذلك لا يعني ـ في رأي سياسيين محليين كثر ـ أن ملف تلك الصفقة أغلق تماماً؛ لأن ما قاله ترامب علناً عن إعادة الإعمار في غزة في الجانب الاستثماري والمساهمة به هو ذاته ما قاله صهره في الماضي جاريد كوشنر.
هنا يلاحظ السياسي والبرلماني الأردني الخبير والناشط محمد الحجوج، على هامش نقاش مع «القدس العربي» بأن المنطق يفترض بأن مرحلة إعادة إعمار غزة قد تتطلب بالتوازي إعادة إعمار سياسية للمنظومة الفلسطينية حصراً.
وهو الأمر الذي يقتضي ـ في رأي الحجوج ـ مراجعة الحسابات قليلاً في اتجاه تكتيك منتج يحافظ على الدور الأردني ضمن معادلة العلاقة مع القضية الفلسطينية وفي إطار تصور الإدارة الأمريكية الجديدة للإقليم.
يضم الحجوج صوته للقائلين بأن على الحكومة الأردنية بذل جهد أكثر وأكبر بالمعنى الوقائي السياسي والدبلوماسي في المجال الحيوي لملف إعادة إعمار الهرم الفلسطيني سياسياً. وهو سيناريو افترض طوال الوقت بأن عمان عليها تغيير بعض التقاليد القديمة التي احتفظت بها لعقود في العمق الفلسطيني، بما في ذلك الابتعاد عن التلاوين والمكونات والفصائل والانعزال عن سياق الأوراق الفلسطينية التي تستخدم سياسياً.
مقاربات بالجملة على أساس الرؤية المصلحية العميقة مطلوبة أردنياً في الحقبة الترامبية الجديدة، كما يقدر ويتابع نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير الدكتور محمد الحلايقة، وهو يشير إلى أن تلك المقاربات مطلوبة بإلحاح مرحلياً لإنضاج البيئة المناسبة لتحصيل مكاسب سياسية للمملكة، والحفاظ على دورها الحيوي والأساسي بما يضمن بقاء واستمرارية دعم حقوق الشعب الفلسطيني والتجول بكفاءة ومهنية بين السيناريوهات والمساهمة في صناعتها أو بلورتها وإنتاجها بين الحين والآخر.
المقاربات التكتيكية
وما يفهمه المراقب السياسي عموماً أن المقاربات التكتيكية التي يقترحها خبير من وزن الحلايقة، قد تكون مقدمة أساسية ومفصلية للعبور الآمن من حالة السيولة الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة ويمر بها الإقليم عموماً، خلافاً لأنها قد تتطلب مراجعة الموقف الأردني الذي يشتري ويبيع فقط وحصراً في ملف السلطة الفلسطينية.
ذلك يبقى إجراء تتفحصه بين الحين والآخر المجسات العميقة والخبيرة في الدولة الأردنية، لكن في سياقات المعادلة التي طرحت علناً ومرجعياً بعنوان عدم المجازفة بمستقبل البلاد.
والترجمة المباشرة في الأفق النخبوي تحديدًا لهذه الوصفة كانت تلك التي تنطوي على تمهيد يثق بأن الخيار الأفضل مرحلياً هو تجنب الاحتكاك والاصطدام مع الرئيس ترامب وطاقمه، وإظهار القدرة على التكيف مع الحالة الجديدة التي يرسمها رئيس منتخب وقوي مثل ترامب، وهو يعلن بصور صاخبة بأنه سيوقف كل الحروب ويغلق ملفاتها؛ لأنه في الشرق الأوسط سيفرض السلام بالقوة.
واضح ومرجح أن المؤسسة الأردنية في حاجة ملحة لخبراء لديهم ما يكفي من العمق للتشخيص ثم الاستجابة، قادرين على تفكيك ألغاز ما يقصده ترامب في ملف فرض السلام بالقوة.
الأوضح أن بعض الجزئيات التي كان الأردن يرفضها في الماضي قبل سنوات سواء في صفقة القرن أو في غيرها، قد يجد نفسه مضطراً للتكيف معها مرحلياً.
قد يشمل ذلك علاقة ما مع كيان غامض حتى الآن قد يقام على 40 ٪ من مساحة الضفة الغربية. عملياً، على المحك اختبارات أمريكية صعبة ومعقدة من رئيس غير متوقع أردنياً.
وعلى المحك حسم بعض المسائل التي لا بد من حسمها قبل التقارب أو محاولات الاختراق للدائرة الضيقة للرئيس الأمريكي الجديد حتى يبقى الأردن قادراً على استعمال مركز ثقله التقليدي في مؤسسات الحزبين وفي الكونغرس وفي بعض الحلقات النافذة.
مقابلة الملكة رانيا العبد الله للسيدة الأولى في البيت الأبيض، مبادرة متقدمة في الاستكشاف.
وتغيير ما في الطاقم الدبلوماسي في واشنطن، قد يصبح خطوة مطلوبة.
وتوفير مساحة لطاقم سياسي عميق يستطيع التواصل وتحقيق بعض الإنجازات مع طاقم ترامب هو تكتيك لا مفر منه لاحقاً، خلافاً لإعادة التموضع قدر الإمكان في المعادلة الفلسطينية بعد انتخابات «تحديثية» وتشكيل حكومة تكنوقراط اقتصادي محسوبة على تقارب مفترض مع الجمهوريين.