اراء و مقالات

الأردن يقرأ «المعطيات»: ضبط سلوك «حكومة آيلة للسقوط» وبقاء «سردية الدولتين»

لماذا زار وليم بيرنز إسرائيل؟

عمان- «القدس العربي»: يلاحظ الأردنيون المسيسون مع غيرهم، لكن دون قلق هذه المرة، زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي وليم بيرنز إلى المنطقة ولفترة أطول دون الوقوف رسمياً على محطة عمان.
تابعت العاصمة الأردنية سياسياً وباهتمام بالغ زيارة بيرنز الأخيرة إلى تل أبيب، فهي تقريباً تمثل أول نشاط استخباري وسياسي أمريكي بعد عملية فرد الأوراق على الطاولة، والتي حصلت في عمق وعلى هامش زيارة مهمة استمرت ثلاثة أسابيع على الأقل، وقام بها للولايات المتحدة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

لماذا زار وليم بيرنز إسرائيل؟

بالتالي، يتحدث الأردنيون عن برنامج عمل سمعوه في واشنطن بخصوص عملية السلام والقضية الفلسطينية، وبدأ تنفيذه على الأرض بزيارة رئيس جهاز الاستخبارات، وهو أيضاً سفير سابق لبلاده في عمان.
في نقطة قريبة جداً من وزير الخارجية أيمن الصفدي، أمكن قراءة زيارة بيرنز لإسرائيل باعتبارها تأكيداً قاطعاً وحازماً أكثر من أي وقت مضى على إرادة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالبقاء في حالة تخدير وتسكين للوضع الحالي في الأرض المحتلة، إلى أن تسمح الظروف الموضوعية بعودة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفقاً لغرفة التقييم الأردنية، لا توجد خطة محددة سيدفع في اتجاهها الرئيس بايدن لاستئناف المفاوضات، لكن الخطة الوحيدة له والتي أبلغ عنها، هي منع التوتر العسكري في قطاع غزة والصدام الأمني في الضفة الغربية، والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جبهة السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الرسمية قبل الانتقال إلى صفحة الانتخابات.
يقدر الأردنيون هنا بأن وليم بيرنز لديه ثلاثة أهداف رئيسية تطلبت حضوره شخصياً إلى تل أبيب، وهي: الحرص على عدم تصرف الحكومة الإسرائيلية الحالية في اتجاه أي صدام عسكري مع إيران بعيداً عن الأجندة التي يخطط لها الرئيس بايدن، ويبدو أن ثمة تحذيرات أمنية أمريكية شديدة اللهجة هنا.
ثانياً، تقديم إسناد خلفي قدر الإمكان للحكومة الحالية المهزوزة والاحتياط لعدم عودة بنيامين نتنياهو مجدداً من النافذة إذا تمكن بعدما خرج من المعادلة عبر الباب، من خلخلة التحالف الهش للائتلاف اليميني الحالي.
والهدف الثالث في القراءة الأردنية، هو التأكيد على رغبة الرئيس بايدن بقاء الوضع الأمني والعسكري في الضفة والقطاع هادئاً إلى أبعد حد وعبر التنسيق مع الأردن ومصر، وهي مسألة أصغت لها «القدس العربي» في إطار تحليل مضمون سياسي تقدم به رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وهو يصر على ثوابت الأردن بنفس القدر الذي يصر فيه على أن عمان لا تغرق بالأوهام في الحسابات السياسية.
والمقصود هنا وفي أقرب مسافة من مكتب رئيس الوزراء الأردني، أن المملكة لا تقيم حساباتها على أساس فرضيات وأوهام عندما يتعلق الأمر بمسألتين، هما: أولاً- احتمالية حصول مفاجآت في حزب الليكود يؤثر على مسار الحكومة الحالية، وثانياً- التوثق من أن دعم الرئيس بايدن لخيار حل الدولتين لا يعني ضمنياً وعملياً وجود خطة لديه للعمل تجاه هذا الحل.
المفكر السياسي عدنان أبو عودة، كرر قبل ثلاثة أيام أمام «القدس العربي» تصوره بأن حديث الإدارة الأمريكية عن حل الدولتين لفظي وإنشائي، ولا يعني أنها ستسير في اتجاه هذا الحل، محذراً من الإغراق في أي تفاؤل، وهو منطق سانده وزير البلاط الأسبق والخبير في العقل الأمريكي، وتحديداً في الديمقراطيين، الدكتور مروان المعشر، وهو يعيد التذكير مراراً وتكراراً بحزمة الأولويات العلنية لإدارة الرئيس بايدن.
ما قيل للأردنيين في واشنطن أثناء زيارة الملك الشهيرة، أن إدارة بايدن لن تتدخل كثيراً ولن تفرض حلاً على أي طرف، ولا تريد الغرق في التفاصيل، واستراتيجيتها التكتيكية الآن هي تحفيز الإسرائيليين والفلسطينيين معاً على إجراء اتصالات والتوصل إلى حل ما ستدعمه الادارة بقوة إذا ما أنجز على الصعيد الثنائي.
قيل أيضاً للمؤسسة الأردنية بأن ما يدعمه بايدن بعد أمن إسرائيل هو تهدئة طويلة الأمد تتجنب عودة التوتر والصدام العسكري، وهو وضع يقدر الرئيس الخصاونة بأنه أقل سلبية ويسمح باستمرار النقاشات، لكن في إطار حسبة تجنب الأوهام لا يعني بوجود مشروع جديد وقريب ووشيك مع الاستدراك الذي يفهم اليوم بأن الصراع العسكري الذي اندلع قبل أشهر قليلة هو الذي دفع إدارة بايدن للاهتمام والتحدث والانخراط قليلاً.
وهو انخراط – في رأي أبو عودة – لا يعني شيئاً، وأقرب إلى ترديد الأناشيد. وفي رأي المعشر، لن ينتهي بتبديل سلم الأولويات الأمريكية، لكنه يوفر مساحة للتشبيك مجدداً وللاستثمار لصالح العودة إلى عملية السلام، وسط تعقيدات في الحالة الإسرائيلية، وهي تعقيدات يعرفها جيداً الطاقم الذي يدير الأمور اليوم في البيت الأبيض، مثل السفير ورئيس الاستخبارات بيرنز.
بمعنى آخر، لا يجد ساسة عمان ما يدفعهم للقلق الموسمي، لأن مسؤول الاستخبارات الأمريكي الأبرز زار المنطقة وتجنب إطلالات رسمية على كل من القاهرة وعمان، فقد سبق للمسؤول نفسه أن توقف في المحطتين، وبوصلة إدارة بايدن برمتها تجاه عملية السلام والصراع العربي الإسرائيلي شرحت وبالتفصيل الممل أثناء زيارة العاهل الأردني الأخيرة لواشنطن.
تكتيكياً، الأردن بعد الزيارة هو الآن في واقع معطيات ومعلومات وتقديرات أفضل مما كان عليه قبلها. وعملياً، الأردن بعد الزيارة هو في موقع الاشتباك والمساعدة وبمسارين حصرياً، هما: تثبيت الهدنة الطويلة المطلوبة بالتنسيق مع مصر، والعمل مع المجتمع الدولي على الاستمرار في سردية حل الدولتين باعتبارها الحل اليتيم المتبقي والقابل للحياة الآن.
أما زيارة وليم بيرنز لتل أبيب، فأهدافها أمنية بامتياز، ولها علاقة بالبنية الإسرائيلية فقط، بعنوان ضبط سلوك حكومة يمينية آيلة للسقوط أصلاً ومستندة إلى ائتلاف فيه ما يكفي من الهشاشة المقلقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى