اراء و مقالات

«الفتنة» و«العجارمة»: ملفات لم تقرأ بعد بعمق والأردن عالق في «التداعيات»

عمان – «القدس العربي»: الجميع على مستوى النخبة الأردنية يريد «طي الصفحة» دون الوقوف على محطة التأمل العميق في أحداث شغلت الرأي العام والإعلامين الخارجي والداخلي لعدة أشهر، ولا تزال تشكل صفحة منسية رسمياً، وإن تلاها أو قرأها المراقبون في التهامسات السياسية أو في المجالس.
«الفتنة» الشهيرة المعلنة في شهر إبريل/ نيسان الماضي وتداعياتها وتفصيلاتها، هي محطة تتجاهلها الحكومة قصداً وعلى أساس إظهار جرعة من الثقة، مع أنها شكلت وبكل التفصيلات «صدمة حقيقية» لجميع الأردنيين ومحبي بلادهم، خصوصاً بسبب الأسماء الكبيرة التي تورطت فيها.
وحكاية النائب المفصول أو»المستقيل» أسامة العجارمة، وفي الجانب العشائري حصرياً منها، شكلت محطة إضافية في «تبديل قسري» للمألوف السياسي والاجتماعي الأردني، ابتداء من طرح مفهوم «الزحف العشائري»، مروراً ببروز مزيج يخلط بين الوطنية المحلية والمواقف في الاتجاه المضاد لخيارات الدولة، خصوصاً مع إسرائيل وفي عملية السلام، وانتهاء -بطبيعة الحال- بالآثار التي لم تظهر بعد لعقوبة السجن الغليظة لمدة 12 عاماً بحق النائب العجارمة، مع ما أعقبها من مؤشرات «الغلو في اللغو المعارض» وانتهاك ما كان محرمات في الإطار المرجعي المحلي.
ويحصل الأمر برفقة إشارات العنف الاجتماعي، وهو يتمنع عن التمييز بين التعبير عن الاحتجاج وتحطيم وتكسير ملكيات ومحلات مواطنين عاديين، فيما تخفق السلطات -بالمناسبة- في حماية مصالحهم خلال موجات العنف الاجتماعي، كما يقدر ويقرر الناشط الحقوقي فادي العثمان، وهو يحاول التركيز على هامش نقاش مع «القدس العربي»، على أن الحكومة واجبها القانوني والأخلاقي والأساسي حماية حقوق المواطن الفرد أثناء الانفعالات العامة.
يلاحظ العثمان بأن الحكومة لا تقف عند حدود «التسبب بمشكلات تستفز العنف الاجتماعي»، لكن تواصل نحو «التقصير» في توفير الحماية لأبرياء المواطنين ومصالحهم عند حصول نمطية الاحتجاج العنيفة التي تحرك الملكيات الخاصة مثلاً، أو تقطع الطريق العام.
وفي حال إضافة «مشكلة داخلية في العمق» الرسمي لها علاقة بالعاصمة البريطانية لندن قبل عدة أشهر، يمكن التحدث عن «ثلاثة انقلابات» في الواقع الموضوعي رصدت وتم التحدث عنها رسمياً، حصلت في نحو عامين ودون علم الشارع بأي محاولة للرصد والقراءة العميقة، ودون معرفة الدروس المستفادة وكيفية المعالجة خارج سياق الهروب إلى الأمام ببرنامج «تحديث المنظومة»، وبمحطة التعديلات الدستورية الأخيرة المثيرة للجدل.
لا تتوفر قرائن تدل الاختصاصيين أو الراغبين في عدم تجاوز الخطوط الحمراء في المشهد الداخلي على كيفية تفحص الأحداث الثلاثة المثيرة داخل أطر الدولة العميقة في الأردن، وطبعاً و في المقابل، لا قرائن على الأقل «حسية وملموسة» على الاستفادة من تلك التحولات التي صدمت الأردنيين وأرهقتهم وأدت إلى ما يسميه متابعون، بينهم المهندس مروان الفاعوري، «مخاطر غياب اليقين». فالانشقاقات أو تلك التحولات حصلت داخل الدولة وفي أروقتها وبين رموزها، والكثير من «الأحداث المؤسفة» التي أعلنتها الحكومة مؤخراً وتعاملت معها كـ»جرائم وجنايات» تستهدف الأمن والاستقرار، لا علاقة بينها وبين أي مواطن أردني عادي، ولا صلة لها بأطياف المعارضة في الداخل والخارج؛ بمعنى أن المشكلة داخل وفي بنية المؤسسة وليس خارجها.
الغامض في المقابل، أن أحداً من قيادات المؤسسات الرسمية لم يتقدم بأي إفادة توحي -ولو ضمنياً- بمغادرة مساحة «النكران»، وتلمح ولو مجرد تلميح، إلى الإقرار بمنهجية تسمح بأخطاء فادحة داخل ستار الدولة ومؤسساتها، وليس في سياق الجمهور ولا المعارضة التقليدية.
في الأثناء، وتلك مفارقة كبيرة لا يبدو أن «المشكلات التي حصلت داخل السيستم» انتهت بمحاسبة شفافة للأدوات والرموز أو خلصت إلى مراجعات حقيقية عميقة لكيفية التعامل مع كميات الثقة التي توضع على أكتاف بعض الأشخاص بصورة تستمر -وفقاً للفاعوري- في «السحب من رصيد الدولة والنظام»، خصوصاً في المفاصل التي ظهر فيها بأن المخالفات الجسيمة ترتكب في جبهة الولاء وليس المعارضة.
والأهم أن بند ومبدأ «المسؤولية الأدبية أو السياسية» لم يطبق حتى اللحظة على الأقل، وما يبدو عليه المشهد أن «التغيير اليتيم» المرصود بعد سلسلة «نكسات داخلية ورسمية» هو المرتبط بتحديث المنظومة السياسية، حيث برنامج مفصول ومستقل سبق أحداث الفتنة وما بعدها، وكان يتردد أو يتعثر بين الحين والآخر لحين توفير أرضية «ضمانات» كافية للتحرك نحو تقاسم «بعض السلطة» مع الأحزاب، الأمر الحاصل عملياً بإقرار التعديلات الدستورية في وجبتها الأخيرة.
ومن المرجح أن مسارات أحداث الفتنة وما بعدها لا يبدو أنها منطوية على قراءة معمقة مطلوبة على أساس الوقائية وضمان عدم التكرار، إلا في حال بناء فرضية تقول بأن تحديث المنظومة السياسية هو الرد المقرر حتى اللحظة على النكسات النخبوية، وهو أمر لو كان صحيحاً قد لا يتوفر الوقت المنتج لإنجازه، خصوصاً بعد التوثق من ولادة أجسام دستورية جديدة لم تجرب سابقاً ولا أحد لا داخل الحكومة ولا خارجها يعلم بعد كيف ستعمل وإلى أين ستقود بصورة محددة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى