الأردن: أين «أوامر الدفاع» والرزاز… ولماذا زار الملك صوامع القمح مرتين؟
بين «استقالة» البيروقراطي القطب عبيدات و«مجاملة» الرئيس الرفاعي
يغيب رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز عن المشهد نحو أسبوع ولا يصدر المزيد من «أوامر الدفاع» لسبب «سياسي» على الأرجح فيما تنشط مبادرات القصر المكي وتقر الدوائر الضيقة وبيروقراطياً بحصول «مستجدين» إداريين على صعيد التعاطي مع «خلايا الأزمة».
المستجد الأول يتعلق بابتعاد نسبي لبعض خلايا «التأزيم والاستعراض» الوزارية بعد سقوط مبادرات تنفيذية عدة في الاختبار وبعد ملامسة «تنافسات» استعراضية وأنانية في الأداء والظهور لم يكن الوقت مناسباً إطلاقاً لها. والمستجد الثاني مرتبط بخلفيات الاستقالة المفاجئة لأبرز قطب بيروقراطي في الهرم الإداري للدولة تتطلب وظيفته اليوم الاشتباك مع أهم تفاصيل أزمة كورونا وتداعياتها وهو الطبيب هايل عبيدات الذي يدير مؤسسة الغذاء والدواء والذي تم استبداله في ظرف غامض بموظف رفيع مسؤول عن «المشتريات».
وبصرف النظر عن السبب الحقيقي لاستقالة الدكتور عبيدات من منصبه وسرعة الموافقة على هذه الاستقالة. وبصرف النظر أيضاً عن حصول «تنافس مختل» وانكشاف مستوى إدارة بعض الوزراء المحسوبين جداً على الرئيس الرزاز يمكن القول إن بعض مؤشرات الضعف في بنية الحكومة الداخلية كشفتها الأزمة مع إظهار التقدير بكل حال للجهد الكبير الذي بذلته الحكومة دوماً.
ثمة قيود فرضتها أصلاً الإرادة الملكية على رئيس الحكومة عندما وفرت الغطاء لتفعيل «قانون الدفاع» وهي تلك المتعلقة بتطبيقه في «أضيق حدود ممكنة» و«دون المساس بحريات المواطنين العامة».
وهي قيود ينظر لها مقربون جدًا من الرزاز على أنها تقيد قليلاً يد الحكومة في تحقيق سياسات التباعد الاجتماعي بعيداً عن الإطار التوعوي وفي ظل حظر التجول الشامل. في منطقة أبعد من بؤرة القرار يخشى مسؤولون عميقون من قيود حريات على الأفراد تحت شبح فيروس كورونا يمكن أن تؤدي للمزيد من الاحتقان الاجتماعي وقد تقود لحالات «تمرد» بذريعة الاحتياجات الرئيسية كما حصل فعلاً في مناطق ومحافظات عدة.
قالها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي وهو يظهر قدرًا من التعاطف مع حكومة الرزاز على أساس أن معادلة التوازن ما بين السيطرة على المرض وتداعياته والإجراءات والاحتياجات للناس مهمة معقدة تفوق التصور. وكانت تلك عبارة إسناد غير متوقعة تتعاطف مع حكومة الرزاز من أحد أبرز رجال القصر من خارج المستوى التنفيذي.
لكن القصر يبدو أن لديه تقديرات مختلفة وغير متسقة مع الاعتبارات الحكومية الداخلية بعد «تلمس مباشر» للمشكلات والتحديات التي فرضها بعض وزراء الرزاز عبر اجتهادات استعراضية يمكن الاستغناء عنها ولا تليق بالظرف العام كما يقرر وزير الإعلام الأسبق راكان المجالي.
القطاع الصحي يعمل بكفاءة نادرة وتحت الضغط وبآلية تنسيقية مع القوات المسلحة وتلك مساحة «نجاح» سيادية يريد القصر الحفاظ عليها رغم كل الجدل المحلي حول «أخطاء التنفيذ» خصوصا على المنصات. واكتشفت مؤسسة القرار أن الترحيب الشعبي بدور الجيش كبير جدًا ولا بد من الاستثمار فيه وطنياً والبناء عليه.
لكن السؤال: أين حكومة الرزاز من مثل هذا الاستثمار رغم صعوبة اتهامها بالتقصير؟
يبدو هنا سؤالاً حمالاً للأوجه في ظل وضع داخلي واقتصادي معقد للغاية. لكن، ملاحظ وبقوة أن الفكرة التي يأمر بها القصر الملكي يومياً عبر جرعات مقصودة في الإعلام هي تلك التي تحث الحكومة والأجهزة على «تأمين احتياجات الناس» بالتوازي مع خطة «إجلاس الأردنيين في منازلهم» فقط لأسبوعين بأقصى طاقات الالتزام وهي خطة يتحدث عنها وزير الصحة النشط الدكتور سعد جابر.
حتى لا تخطف الحكومة المايكروفون وحدها وفي ظل صعوبة «إخفاء حراك مربك» لبعض الأجنحة الوزارية بدأت تختبئ خلف الحراك الملكي وإن كان الميدان يشهد جملة اعتراضية وتفصيلية ملكية ومرجعية في كل التفاصيل حيث يدلل اهتمام الملك شخصياً بالمخزون الغذائي حصرياً ومرتين في جولات ميدانية في ظل الفيروس على أن القرار يريد أن يتأكد فعلاً مما تقوله الحكومة عن «المخزون الغذائي الاستراتيجي الآمن».
في مركز الأزمات استمع مجلس السياسات والأمير فيصل بن الحسين في أحد الاجتماعات لبعض المقترحات المقلقة عن «المخزون الآمن» كانت فكرتها أن السوق المحلية استهلكت المواد الغذائية التي تم تخزينها قبل الفيروس لأغراض شهر رمضان المبارك وأن التجار في «حالة مالية» صعبة جداً الآن جراء سياسة الإغلاق والاستيراد قد ترافقه بعد الآن بعض «الصعوبات». ويفهم الأردنيون هنا حصرياً لماذا زار الملك «صوامع القمح والشعير» مرتين في أقل من 10 أيام. لكن تلك أيضاً رسالة للحكومة تعيد إنتاج الاستفسار المتواصل: أين الرئيس عمر الرزاز، فمنذ أسبوع على الأقل لم يتحدث مع الرأي العام؟