اراء و مقالات

«رامون» في مواجهة «الهشاشة»: مخاوف «أردنية – فلسطينية» من خطة «أمريكية – إسرائيلية» لضرب مفهوم «الجسور والمعابر»

عمان – «القدس العربي»: تكشف أزمة مطار رامون المتدحرجة بين عمان ورام الله عن صنفين من الهشاشة السياسية بصيغة مباشرة في كل من الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة في مواجهة الصلف الإسرائيلي، الذي يحظى هذه المرة بغطاء مما يسمى بجيش الدفاع؛ أي من المؤسسة العسكرية للاحتلال، التي بقي طاقم أوسلو ووادي عربة يراهن عليها منذ أكثر من ربع قرن.
هشاشة موقف السلطة واضحة للعيان في عدم قدرتها على منع استخدام مطار رامون الإسرائيلي ليس فقط في سفر الفلسطينيين، وهو ما استفز الأردنيين عملياً، لكن أيضاً في تنفيذ الجزء المتعلق بتشغيل مطار قلنديا وفقاً لبروتوكولات أوسلو.
السلطة هنا تقول علناً إنها ترفض الإجراء الإسرائيلي، لكنها على الأرض لا تقوم بأي خطوة تعكس موقفها السياسي سالف الذكر الذي تم تبليغه لعمان، وهنا حصراً تبدو عمان منزعجة لأن لديها قناعة مسبقة بأن السلطة أو جهات فيها ساهمت بمنح التراخيص لمكاتب سياحة وسفر في الضفة الغربية، تعلن عن تسيير رحلات عبر المطار إياه.
هشاشة السلطة مقابل إجراء إسرائيلي مستفز وغير شرعي، على حد تعبير عضو البرلمان الأردني البارز خليل عطية، قابلها هشاشة في الموقف الرسمي والحكومي الأردني؛ لأن عمان باتت تتصرف بيروقراطياً وسياسياً من منطلق الرغبة في تجنب أي مواجهة مع اليمين الإسرائيلي، وبالتالي صمتت عن قصة مطار رامون ولم تستعمل أوراق قوتها في العلاقة مع العدو لمنع هذا الإجراء.
السؤال المحوري هنا: أيهما تستطيع فعلاً وضع حد للقرار الإسرائيلي.. عمان أم رام الله؟
ثمة ما يريب بكل المسألة، وفقاً للرأي الذي سمعته «القدس العربي» أيضاً من عضو البرلمان الأردني السابق والصحافي المتمرس نبيل الغيشان.
ينتقد الغيشان موقف السلطة المتراخي بوضوح، لكنه يقر بأنه كمواطن لم يشعر بأن حكومته تصرفت ضد الإجراء الإسرائيلي الخطير وبالدلالات الحساسة في الوقت المناسب. ثم يتحدث الغيشان عن تقصير مزدوج من الصعب إنكاره، لا من عمان ولا من رام الله حكومياً.
ذلك لا يعني ضمنياً إلا التأكيد مجدداً على تموقع تلك الهشاشة عندما يتعلق الأمر، أردنياً وفلسطينياً، بما تقرره إسرائيل، لكن السؤال الذي يطرحه خبثاء بين المراقبين: هل تتعلق المسألة بالضعف والهشاشة والقدرات والإمكانات، أم فيها قدر من التواطؤ السياسي؟

سؤال الإجابة عليه معقدة

سؤال الإجابة عليه معقدة وصعبة، لكن الجميع لاحظوا بأن إجراءات حكومة الأردن في مسألة الجسور والمعابر والمطارات دون مستوى ممارسة الحقوق السيادية، ودون مستوى الخطورة التي يتحدث عنها البرلماني عطية؛ فالإعلان عن إجراء مطار رامون من المنسق العام للجيش الإسرائيلي عمره أكثر من 5 أسابيع.
وأزمة الجسور والمعابر التي صنعها الإسرائيليون صناعة في مطلع شهر تموز الماضي احتفظت بالعمر والتوقيت نفسيهما، لكن الحكومة الأردنية لم تعلن شيئاً ولم تتخذ أي إجراء معاكس للخطورة التي يحاول الإسرائيلي فرضها.
عمان الشعبية إلى حد ما، تهاجم سلطة رام الله لليوم الثالث على التوالي، وعمان الرسمية صمتت على القرار الإسرائيلي وإجراءات إنتاج الزحام على الجسور 5 أسابيع دون التحدث للرأي العام أو حتى دون توضيح، وبالتأكيد دون حتى استدعاء أحد من سفارة إسرائيل للاحتجاج لديه، أو دون تحريك السفير الأردني في تل أبيب للاعتراض، ولو تحت العنوان الذي اقترحه عطية علناً، وهو «خسائر القطاع السياحي الأردني والتأثير السلبي على مطار عمان الدولي».
عملياً، لا أحد يعرف بعد لماذا لم تتحرك الماكينة الأردنية عندما أعلن الإسرائيلي عن الإجراء قبل 5 أسابيع حتى على فرض تواطؤ جهات رسمية في السلطة الفلسطينية؟
ولا أحد يعلم بعد الأسباب التي تحول دون استعمال وزارة النقل الفلسطينية أو الهيئة المختصة فيها لصلاحياتها القانونية المضمونة في منع ترخيص برامج سفر عبر مطار إسرائيلي، وبدا حتى لبعض السياسيين والإعلاميين الساخرين بأن الهجمة الإعلامية الأهلية حتى الآن في الأردن ضد السلطة الفلسطينية تتجنب المساس بإسرائيل.

غطاء أمريكي

ثمة في الأثناء حملة يمكن تلمس ملامح الغرور أحياناً فيها في تحميل سلطة رام الله الهشة بكل الأحوال مسؤولية خطأ استراتيجي شاركت حكومة عمان في الصمت عليه. وتلك بطبيعة الحال إشارة إلى أن رواية ثالثة قد تكون هي الأساس في كل المشهد، وهي أقرب للرواية التي سمعتها «القدس العربي» من مخضرم بوزن طاهر المصري، يحذر من مخاطر دلالات تسهيلات إسرائيلية مفاجئة تحت بند السفر وتحسين مستوى حرية التنقل للفلسطينيين من مطارات ومعابر الاحتلال.
ما يمكن التقاطه جوهرياً من جملة المصري الاعتراضية هو أن السفارة الأمريكية في عمان بدورها توفر الغطاء لقصة السفر عبر مطار رامون، مما ينتج الإيحاء بأن الأردني البيروقراطي الرسمي لا يرغب بالاعتراض ولا بالاحتكاك بسبب ذلك، وإن كان المريب أكثر هو مؤشرات الأجندة الغامضة عند طاقم سفارة واشنطن في عمان في اتجاه الأبعد والأعمق في مسألة إعادة إنتاج مفهوم السفر والتنقل للفلسطينيين.
وهنا الشيطان في التفاصيل طبعاً، وقد سبقت «القدس العربي» الأطراف المتنازعة الآن في تقريرين مفصلين استعرضا الشهر الماضي ملامح أزمة إعادة إنتاج مفهوم الجسور والمعابر، حيث الأمريكيون يشرفون على بناء صالات مكيفة، وحيث وزير الداخلية الأردني الديناميكي النشط مازن الفراية يسأل كل من يقابله منذ أسابيع من شريحة «الأشقاء الفلسطينيين»: كيف نخدمكم ونسهم في تسهيل الإجراءات على جسورنا ومعابرنا؟
الجواب يبدو بريئاً والسؤال كذلك، لكن اللجان الأردنية اتهمت علناً الجانب الإسرائيلي بخلق الإرباك على الجسور والمعابر في تموز الماضي.
واللافت أن الأردن الرسمي وقف عند حدود هذا الاتهام، بمعنى أن المفصل الهش الموجع في العلاقة مع شريك السلام الإسرائيلي هو ذلك الذي يوحي بوضوح وضمناً بأن عمان ليست في موقع الضغط على تل أبيب أو التأثير بمسارها حتى عندما يتعلق الأمر بقضية في غاية الخطورة والأهمية مثل الجسور والمعابر.
من يهاجمون اليوم السلطة بتهمة التواطؤ مع واقعة مطار رامون، يتجاهلون تلك الحقيقة الموجعة أحياناً.
وأغلب التقدير دوماً أن الجانبين الفلسطيني والأردني، أضعف اليوم في مواجهة خطة خبيثة محكمة عدائية يرعاها الأمريكي وينفذها الإسرائيلي ولا تقل خطورة عما يحصل في ملف اللاجئين، وفكرتها بالخلاصة «ضرب مفهوم الجسور والمعابر». ولاحقاً لذلك ما يسميه طاهر المصري وما سمّاه قبل رحيله عدنان أبو عودة بـ «ترانسفير اقتصادي ناعم وطويل الأجل».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى