اراء و مقالات

حنين أردني لرئيس وزراء «يخطب في الناس»: وزارة «إصلاح ما يمكن» لا تزاحم في «السياسي» وتركيزها على «الاقتصادي»

عمان- «القدس العربي»: استفادت الحكومة الأردنية الحالية برئاسة الدكتور جعفر حسان، من الانشغال الهوسي العام بما قاله الأمريكيون عن «خطط تهجير الفلسطينيين» من أبناء قطاع غزة، ولاحقاً من أهالي الضفة الغربية.
انشغال الرأي العام بالقضايا الكبيرة سياسياً، دفع الحكومة للتفكير بنفض الغبار عن العديد من الملفات الإدارية والاقتصادية والمالية «المسكوت عنها» تحت عنوان «إصلاح ما يمكن إصلاحه الآن» واتخاذ تدابير إدارية ومالية ملحة وممكنة لتحفيز المقدور عليه من الاستثمار ولتعويض بدل الفاقد المالي للخزينة وتحريك القطاعات الاقتصادية.
ورغم تأسيس انطباعات بأن الطاقم الاقتصادي يتحرك بإصرار في قضايا الاختصاص وينجز في العديد من المساحات بإدارة الوزير الذي لا يحب الأضواء ويعمل بصمت، الدكتور مهند شحادة، يظهر الآن هامش إنجاز ممكن يعمل بصمت بعيداً عن صخب الشعارات السياسية.
وزارة حسان، التي يعترض البرلماني البارز صالح عرموطي من حيث المبدأ على تشكيلها كوزارة تكنوقراط في وقت تحتاج فيه البلاد إلى «حكومة سياسية» بامتياز، لا تبدو مستعدة لتقديم أي تنازل بعنوان الاشتباك مع الملف السياسي إلا نادراً وحسب الحاجة، وبعيداً عن مزاحمات الأضواء والميكروفون.
تصريح واحد فقط نقل عن رئيس الحكومة بخصوص مقترحات الرئيس الأمريكي عن التهجير وموقف الأردن. ودون ذلك لا تصدر الحكومة أي بيانات تخاطب فيها الرأي العام ولا تعقد مع مجلس النواب جلسات مناقشة عامة تتناول «مخاطر التهجير» وتتجنب قول رأيها في مختلف النقاشات السياسية ذات الصلة بالقضايا والملفات الشائكة ولا يخطب رئيس الحكومة بالناس.
تترك الحكومة تماماً ميكروفون الملف السياسي والتصدي للتهجير لوزير الخارجية أيمن الصفدي. ودون ذلك، يعمل كل وزير في قطاعه بدون ممارسة أي إفتاء سياسي وإعلامي، أما الشعار الذي ترفعه حكومة الرئيس حسان حتى الآن فهو ذلك القائل بـ «نحن حكومة تكنوقراط اقتصادي، وأولوياتنا واضحة». لسبب لا يزال غامضاً، لا يجد رئيس الوزراء نفسه مضطراً للمشاركة في جلسات خطابة سياسية ولا معنياً بتبديد انطباعات المخاطر التي زادت وسط المواطنين والرأي العام بعد الرحلة الملكية الأخيرة لواشنطن، وما أعقبها من بروز «أدلة قوية» على أن «الرفض الأردني» لخطة التهجير ساهم مع عناصر أخرى في إيصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصريحه الأخير بعنوان «لن أفرض خطتي بخصوص غزة على أي جهة».
مقارنات بالجملة غرقت بها حتى الصالونات السياسية مع غياب مؤسسة «رئاسة الوزراء» ممثلة برمزها الأكبر عن مشهد الاشتباك السياسي مع برنامج اليمين الإسرائيلي، وهو ما يدفع بعض المراقبين لاستذكار بصمة في النقاش السياسي العام كانت تطل برأسها في عهد الحكومة السابقة برئاسة الدكتور بشر الخصاونة.
الدكتور حسان لا يؤمن بالاستعراض، لكنه بالغياب عن مشهدية الملف السياسي يحتاج إلى جهد الجميع بدون استثناء -وفقاً للمحلل الاستراتيجي الفريق قاصد محمود- بصيغة تكرس الانطباع الذي يخشاه النائب العرموطي وهو يعتبر خلال نقاش مع «القدس العربي» أن تشكيل حكومة فنية تكنوقراطية في مرحلة تحديات وجودية يبدو أمراً غريباً.
يمارس الأردنيون، فيما يشغل ذهنهم ملف التهجير وما يجري في الضفة الغربية، نمطا ًمن الحنين والشوق لمؤسسة «رئاسة الوزراء»، لكن الطاقم العامل في الوزارة الحالية لا يظهر أي اهتمام بمراعاة هذه الأشواق، ورئيس الوزراء يعمل ضمن برنامج نشط ومكثف وعنيف إدارياً ومرهق ضمن مسارات «لأولوية الاقتصادية».
لكن ما يلاحظ أن الأولوية الاقتصادية التي يذوب من أجلها الملف السياسي، لا يبدو أنها منتجة خارج نطاق ما يرصد عن نشاط وجهد رئيس الحكومة والطاقم الاقتصادي في العمل الميداني المكثف أو في الإنتاجية باتخاذ بعض القرارات الإدارية لـ «تقليص عجز الميزانية» وتخفيف النفقات، بمعنى «الحد من الأعراض فقط» وتجنب مواجهة الأمراض المزمنة وسط إقليم متقلب.
يحتفظ رئيس الحكومة بخبراته السياسية في مساحة ما خلف الكواليس وفيما كان له دور خلف الكواليس في الدفع بـ «زيارة لواشنطن» أثارت الكثير من الجدل. وضمن سياق حسابات لم تكن دقيقة لطاقم السفارة الأردنية في واشنطن، بدا واضحاً أن مكاتب رئاسة الوزراء ولأسباب قد تفهم لاحقاً، أميل للاحتفاظ بالمهارات والخبرات السياسية، خصوصاً مع «جماعة الحزب الجمهوري» في منطقة ما وراء الستارة.
والبقاء أو الاختفاء خلف «أولوية الأجندة الاقتصادية» أو التركيز في المجهود الإعلامي على فكرة أن الحكومة تمثل التكنوقراط وأولويتها الرؤية الاقتصادية وليست متفرغة للمزاحمة على الملف السياسي، أمر مرصود كان يمكن للرأي العام عموماً أن يتساهل معه لو تلمس فارقاً معيشياً في الملف الاقتصادي. يقدر الجنرال محمود وهو يتناقش مع «القدس العربي»، بأن المطلوب من الحكومة والمؤسسات التنفيذية الآن هي استراتيجيات عمل حقيقية مؤثرة ومقاربات تتجاوز في الخيار والاتجاه الصندوق والمعلبات، معتبراً أن التحديات الوطنية كبيرة، ودور السلطة التنفيذية أساسي في الاشتباك والمناولة. هنا يرصد الخبراء أن رئيس الحكومة لا يحب الأضواء، ورغم ذلك تسبقه الكاميرات الفضولية أحياناً بالميدان، ويزهد في النقاش في الملفات السياسية مع الجمهور، والنتائج تقول بأن هذا الوضع عموماً يجعل الساحة المحلية محتكرة لصالح «التشكيك» في إمكانات المواجهة؛ لأن سردية الحكومة وضماناتها غائبة ولا تريد المزاحمة، ما يؤسس فراغاً لا تملأه إلا أجهزة البث الإسرائيلية أحياناً ومنابر المعارضة الوطنية أحياناً أخرى.
صعب القول إن غياب الحكومة ومؤسسة رئاسة الوزراء عن الملفات السياسية الملحة يمكن أن يبقى تصنيفاً بين الأمور المعقولة التي يمكن التعايش معها، إلا في حالة تحقيق «إنتاجية مؤثرة» في المسألة الاقتصادية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading