اراء و مقالات

الصفدي – مقداد و«اللهجة» الدبلوماسية التي تتغير بسرعة: محور عمان – دمشق يتسارع نحو فتح «صفحة جديدة»

عمان- «القدس العربي»: لعل اللقاء السريع على هامش فعاليات الأمم المتحدة بين وزيرين تخاصما في العادة في كواليس المجتمع الدولي، الأردني أيمن الصفدي والسوري فيصل المقداد، هو الدلالة الأعمق والأهم بعد تفاهمات الجنرالين، علي أيوب ويوسف الحنيطي، على صعود الدخان الأبيض في القصرين الجمهوري والملكي بكل من عمان ودمشق في اتجاه فتح صفحة جديدة تماماً.
قد يكون من الصعب على قائد الدبلوماسية الأردنية الديناميكي أيمن الصفدي، تغيير أو تبديل لهجته في المسألة السورية، تحديداً بعد سنوات من افتتاح مكتب تنسيقي لشؤون المعارضة السورية في وزارته تم إغلاقه مؤخراً، أو بعد سنوات من حضور كل المؤتمرات التي كانت تدعم التغيير في سـوريا.
في المقابل، ليس سهلاً على ركن مثل الوزير السوري فيصل المقداد، التوقف فجأة عن انتقاد نظيره الأردني في الكواليس ومصافحته، في إطار مصالحة سريعة ومثيرة. لكن الصعب هنا يصبح شخصياً وليس رسمياً، والقطبان الدبلوماسيان في عمان ودمشق مضطران في كل حال للخضوع للإرادة السياسية الجديدة بعدما تغيرت قواعد اللعبة إثر تبادل رسائل بقنوات غير بيروقراطية طوال أسابيع بين الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي تحرك بدوره في الفضاء الدولي بكثافة خلال الأسابيع القليلة الماضية في إطار دعم ما يسميه في العادة في الأردن أكثر وزير إعلام تلامس مع الملف السوري سابقاً، وهو الدكتور محمد المومني، بمظاهر سيادة الدولة السورية.
المومني كان لاعباً ماهراً بامتياز خلال سنوات القطيعة التي أعقبت عام 2011، وطوال الوقت سمعته «القدس العربي» في جملة صلبة ومتماسكة دائمة تبين اليوم أنها الأهم، مصراً على أن مصلحة بلاده هي بوجود الدولة السورية على الطرف الآخر من الحدود، وليس بوجود أي مظهر غير سيادي لا أجنبي أو ميليشياتي، ولا حتى معارض.
حتى الوزير الصفدي، قال آنذاك لـ«القدس العربي» بأن موقف وزارته في المسألة السورية لا يحدده هو أو غيره، بل يعكس دوماً موقف الأردن. و في كل حال، ما أشار إليه المومني مرات عدة، أصبح اليوم أساساً للانطلاق نحو مقاربة جديدة وسريعة في العلاقة الأردنية السورية، فرضت لها الأرض جيداً ببساطة عندما أصر العاهل الأردني على تقدير بلاده القائل بالتلميح والمضمون بأن لعبة إسقاط النظام السوري يجب أن تتوقف، وبالتالي الانتقال للعمل مع قوى الأمر الواقع.
في زاوية قريبة من رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، سمعت «القدس العربي» تقديراً للموقف يستند إلى أن مصلحة النظام الرسمي العربي برمته تتطلب اليوم عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، بما في ذلك مصلحة أي مناقشة للملفات العالقة، حيث لا بد من النقاش مع الدولة السورية فيما هو عالق ويؤثر في مصالح دول الجوار السوري وحتى الإقليمي، وبما في ذلك المعادلة الدولية، خصوصاً من الأزمة في بعدها الإنساني.
حتى أمام المقداد، تحدث الصفدي عن رأي بلاده بضرورة إطلاق «عملية سياسية» لإعادة ترتيب الأوراق السورية، لكن اللهجة هنا تعرض كنصيحة ليس أكثر، ويقابلها مرونة من الجانب السوري بعد رسائل عبر القنوات العميقة توحي ضمنياً بأن حلفاء النظام السوري يتحولون إلى عبء على القرار السوري أو إلى حلقات ضاغطة، وفقاً لما تقر به دمشق خلف الستارة والكواليس. وإن تخلي النظام الرسمي العربي عن سوريا، لا بل المشاركة في ما يسمى بالمؤامرة عليها منذ تحولات الربيع العربي، أصبح ذخيرة لتدخل وضغوط وسيطرة وتحكم الدول الحليفة للنظام السوري في الإقليم.
وهنا قد تبرز أهمية المقاربة الأردنية التي يناصرها عن بعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفكرتها بالمضمون الأعمق مساعدة دمشق على تخفيف التدخل وضغوط الإيرانيين وحلفائهم في الإقليم بعمل دبلوماسي نشط يخفف أولاً الضغط على الدولة السورية من جهة الحصار الأمريكي والدولي، ويساهم ثانياً في تمكين سوريا من العودة إلى مقعدها في الجامعة العربية، أو الاشتباك مع الملفات المهمة انطلاقاً من هذه العودة.
هل ينجح الحراك الأردني في هذا الاتجاه؟
يبدو سؤالاً مثيراً، والإجابة عليه مرهونة بالسقف الأمريكي وبتعقيدات الثقة المتراكمة بين عمان ودمشق، كما هي مرهونة بتعقيدات الملف الفلسطيني والملفين العراقي واليمني أيضاً.
ما فعله الأردنيون قبل التحول المهم لمصافحة نظام دمشق مؤخراً، هو طرق أبواب موسكو بهدف توفير ضمانات منها لدعم خيارات الانفتاح، وفتح بعض نوافذ التعامل مع الدولة السورية، والعمل عبر العنوان الروسي تحديداً؛ لتخفيف النفوذ الإيراني والتركي في المعادلات.
وما فعلته عمان أيضاً هو البحث ضمن استراتيجية التقارب النشطة مؤخراً مع تركيا أردوغان، عن مساحات يمكن التفاهم عبرها مع جملة تكتيكية هنا أو هناك، لها علاقة بالملف السوري عن بعد أو عن قرب، وبهدف أن لا تعيق تركيا إذا لم تدعم فكرة الأردن عن التحدث مع النظام السوري بدلاً من البقاء في الجمود أو الاستمرار في سيناريو إسقاطه العبثي.
تلك تحركات مكثفة قامت بها عمان، وقدرتها دمشق وهي ترسل بعد الجنرال علي أيوب وفداً وزارياً رباعياً يناقش مع العاصمة الأردنية قضايا ملحة جداً في قطاعات أساسية، هي: الزراعة، والنقل، والمياه، والطاقة، وذلك طبعاً يحصل بعدما تمكن الأردن من الحصول على موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى