الأردن: تجريف النقابات وتعديل البلديات ثم «تجريم» جمع الأموال وحظر الفعاليات
أسئلة عديدة بينها: متى يمكن «العودة للتوازنات»؟

عمان ـ «القدس العربي»: ما الذي يعنيه ويقود إليه ذلك بصورة محددة؟ قرار إداري بحظر أول فعالية يقيمها «الملتقى الوطني» الأردني اليوم الجمعة، بعد الحظر الشهير لـ «جمعية الإخوان المسلمين».
حزب جبهة العمل الإسلامي، عضو ناشط في الملتقى. وجماعة الإخوان يفترض أنها تتجاوب مع «إلغاء شرعيتها»، والجريمة الإسرائيلية في غزة وفلسطين المحتلة «متواصلة ومستمرة وتزيد»، والسلطات الأمنية تمنع النشاط في ضاحية الرابية قرب مقر سفارة الكيان الإسرائيلي. الإجراء أعاد النقاشات إلى بدايات الاشتباك. وما يظهره أن المسألة لا تتعلق بالتيار الإسلامي المحظور فقط، بل بالملتقيات التي شكلتها أحزاب وشخصيات وطنية أخرى لدعم «خط المواجهة والمقاومة» في فلسطين المحتلة، الأمر الذي يعني ضمناً بأن أي نشاطات تعيد بناء أو تأسيس الحاضنة الاجتماعية للمقاومة في الأردن أصبحت أيضاً محظورة.
ثمة أدلة إضافية على ذلك المعطى. وأغلب التقدير أن قرار الحكومة «تعديل قانون البلديات» بصيغة تلحق بلديات كبرى في المملكة بـ «التعيين» بدلاً من «الانتخاب» هو مسار معزز لقناعة الحكومة بمنع «تسلل» الإسلاميين رغم حظرهم بعد الآن إلى مواقع الصف الأول في بلديات منتخبة كبرى.
في الأثناء، عملية الحرص على «إقصاء التيار الإسلامي» من أهم النقابات المهنية كانت هي السياسة المعتمدة في آخر انتخابات لـ 5 نقابات مهمة في البلاد، فيما الفكرة ليست بتقصير مساحة الإسلاميين فقط، ولكن بـ «فرض قيود محكمة على أي ملامح لحواضن اجتماعية» في الداخل تؤيد المقاومة الفلسطينية، وفقاً لوجهة نظر الناشط الحقوقي عاصم العمري، كما سمعتها «القدس العربي» عدة مرات.
العمري قد يكون أو من تنبأ بهذا التحول عندما تحدث عن «خطط أمريكية وأوروبية» للضغط على حكومات المنطقة بعناوين تقليص نفوذ المقاومة في حواضن المجتمع.
يميل العمري وآخرون إلى اعتبار سلسلة قرارات وسياسات تقررت مؤخراً في عمان جزءاً حيوياً من هذا السياق، بما في ذلك «تجويف وتجريف» النقابات المهنية، ثم تعديل قانون البلديات، ولاحقاً «تجريم» أي محاولات لجمع الأموال من أجل دعم غزة، وأخيراً منع الملتقيات الوطنية من تنظيم الفعاليات.
لا تقول السلطات ما هو تقييمها لمثل هذا التشبيك بين سلسلة إجراءات «مقيدة للحريات العامة» تستهدف حصراً المساحات المحلية التي يوجد فيها «حماس»، وإسناد شعبي للمقاومة الفلسطينية، فيما الانطباع النخبوي أن تلك السياسة «قد لا تفلح» بأكثر من توسيع رقعة «الاحتقان» في المستوى الشعبي، وإبعاد شرائح أكثر من الأردنيين عن موقف حكومتهم الرسمي.
أسئلة عديدة بينها: متى يمكن «العودة للتوازنات»؟
طبعاً، لا شكوك بأن الإيقاع المستجد الذي يفرض قيوداً على الإسلاميين والنقابات والفعاليات المناهضة للعدوان الإسرائيلي هو جزء من منظومة تحصين المصالح الرسمية في ظل موجة حادة وصاخبة تفرضها الإدارة الأمريكية على جميع الأطراف الصديقة والحليفة ضمن دول المنطقة.
يتوقع خبير مثل العمري، أن يزداد التدخل الأمريكي فجوراً، بحيث تبدأ لاحقاً فلسفات «تجريم دعم وإسناد المقاومة»، ويرى أن الاستجابة للضغوط الأمريكية هنا قد لا يوفر مساحة أمان كافية على المستوى الداخلي، وقد «يجازف» باعتبارات لها علاقة بمصالح الوطن والمجتمع الأردني.
لكن مثل تلك التحذيرات لا يؤخذ بها في المستوى الرسمي، والاتجاهات مرسومة وواضحة إعلامياً وسياسياً وبيروقراطياً في تطبيق بعض المفاهيم المرتبطة بـ «نصيحة مبكرة» طرحها مسؤولون أمريكيون خلف الستائر على نظراء أردنيين بعنوان «ركزوا على مصالح بلادكم».
في الماضي القريب، ومع إدارات أمريكية أخرى، كان الأردن يستخدم خبراته في ملاعبة الضغط الأمريكي والعبور بسياسات توازن منطقية تؤدي إلى تنفيس احتقان المجتمع بفعاليات وتظاهرات ومسيرات منضبطة.
لكن المعادلة فيما يبدو تختلف مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تقدم الدليل تلو الآخر على أنها «لا تحترم الصداقات»، وتستطيع إرباك بلد مثل الأردن وتهديد مصالحه ببساطة، كما حصل تماماً عندما فرض ترامب رسماً جمركياً على الصادرات الأردنية بنسبة 20٪ قبل أيام فقط من وضع نهاية للعبة الاحتواء والتوازن بقرار «تنفيذ حظر» الجماعة الأهم في تعبيرات الإسلام السياسي محلياً.
بطبيعة الحال للدولة حساباتها، وما يقترحه المحلل السياسي رامي العياصرة بحضور «القدس العربي» مقاربة مدروسة بعناية أكثر تعمل على استعادة القدرة الأردنية على التوازن… يسأل العياصرة: «هل ذلك ممكن؟».
قد يكون السؤال الأخير هو الأصعب والأكثر تعقيداً، وما يراه مجتمع النخب الأردنية أن التأثير في القرار الأمريكي أصبح من الماضي مع وجود تحالف يميني يحكم الآن أمريكا وإسرائيل، فيما الإصغاء لخبرة الأردن أيضاً أصبح من الماضي، ما يؤدي إلى تضييق هوامش المناورة أمام الأردن ويؤسس لانعكاسات حادة على التفاعل الداخلي في عدة ملفات.
ما لم يدرس أو يظهر أثره بعد هو الفارق بين «إقصاء» الشرائح المساندة للمقاومة والمعادية لإسرائيل في المشهدين الشعبي والسياسي محلياً، وبين «اجتثاث» تلك الشرائح بصيغة يمكن أن تؤذي معادلات مستقرة في الأمن السياسي والاجتماعي منذ عقود.
هنا حصراً، تنطبق معايير العبارة اللافتة التي ترددت بين الأردنيين في محاولة فهم الأسباب التي تدفع الشعب للتصفيق لصواريخ إيران المرسلة لإسرائيل، لا بل مطاردتها بالسيارات والتقاط الصور مع الشظايا، وهي تلك المعادلة التي اقترحت مبكراً «الرهان على وعي الصاروخ، وليس المواطن».