الأردن: رفع شأن التشكيك بالموقف الرسمي
الرد على المشككين هو التقدم برواية حكومية ليست ضعيفة ولا مترددة ولا متهالكة… بدلا من ترك الميكروفون للانتهازيين طلاب المناصب والأوسمة والامتيازات

تخطئ حسابات البوصلة الرسمية الأردنية عندما ترفع من قيمة التشكيك وتزيد أهمية المشككين بالموقف الرسمي بمناسبة أو بدونها.
الخطأ يتكرر عندما تبالغ أذرع الإعلام الرسمي في التحدث عن السرديات التشكيكية علما بأنها معزولة وقليلة التأثير والوقائع تعاكسها، فيما يبدو أن احتفالية الإعلام الرسمي تحديدا بالتشكيك والمشككين وتضخيم حجم الرواية السلبية المضادة هو على الأرجح حرفة اليوم لا بل مهنة لبعض الانتهازيين الذين يخيفون مرة دوائر القرار ومرات الرأي العام بصناعة عدو وهمي لا قيمة له ينتحل صفة واسم المشكك. لا ضير من وجود بعض الروايات التي تشكك بالمواقف الرسمية.
لا يتضرر النقاء من وجود بعض العدمية ولا الضوء من بعض الظلام.
وجود تسريبات وسرديات دخيلة أو تحاول تشويه الوقائع والمواقف مفيد لإعادة التذكير بالأصل والمبدأ والمنطق.
تقول الدولة روايتها ثم تفتح صفحة جديدة… وتترك للناس والعامة وللمواطنين مهمة ركل أو نبذ دعاة التشكيك ورموزه.
الرد اليتيم على المشككين هو التقدم برواية حكومية ليست ضعيفة ولا مترددة ولا متهالكة… هنا مربط الفرس في مفهوم الخلية الإعلامية بدلا من ترك الميكروفون للانتهازيين طلاب المناصب والأوسمة والامتيازات.
«وضع القيادة ـ أي قيادة – أمام خيار استراتيجي واحد يقترب من مستوى الخيانة في اللحظات الحرجة».
قال تلك العبارة الساحرة زيد الرفاعي رحمه الله، وهو في قلب مؤسسات القرار السيادي. يعرفون أكثر اليوم بأن التقدم ببعض الاستشارات والتقييمات من الصنف الذي يبالغ في تضخيم روايات التشكيك سلوك ينطوي على خطأ في التحليل البصري وعلى حسابات لا معنى لها تستنزف الجهد أحيانا، فيما الأردنيون متحلقون حول دولتهم ونظامهم ويؤمنون بأنه لا نجاة لهم وسط صراع الأجندات والمشاريع في الإقليم إلا بالبقاء خلف مؤسساتهم وخصوصا السيادية.
حجم التشكيك في روايات الإعلام وتسريبات المنصات قليل جدا وبائس، وأغلبه مرتبط بمؤسسات خارجية يخدمها الرسمي الأردني عندما يضع محتواها على طاولة الاجتماعات المهمة.
بؤس السردية الرسمية في المقابل هو»الخلل» ومراقبة الأمراض والفيروسات التي تتوسع عبر منصات الأردنيين حيث تنابز بالكراهية والانقسام هو المهمة الأجدر في هذه المرحلة.
الرد على المشككين هو التقدم برواية حكومية ليست ضعيفة ولا مترددة ولا متهالكة… بدلا من ترك الميكروفون للانتهازيين طلاب المناصب والأوسمة والامتيازات
نضم صوتنا لمن طالبوا بمشاركة الشعب في «صياغة تقدير موقف» ولمن دعموا «وضع طبقة رجال الدولة بالصورة» ولمن قرر أن بلادنا تحتاج لـ«رؤية ونص وطني» يتبناه الجميع إزاء الأحداث الجسام.
لا توجد جبهة اسمها التشكيك بين الأردنيين. المشككون هم الأضعف ونعرف: الأردن مستهدف في كل حال لكن من الكيان الإسرائيلي تحديدا والتضخيم بشأن التشكيك ليس «منحة ولا هدية» يقدمها من يزعم الولاء للدولة بقصد إرباكها.
لا مندسون في الداخل الوطني إلا في أذهان وخيالات من سمح لهم باحتكار الميكروفون والتحدث باسم الدولة أحيانا وبعض المرضى ومحترفي الإشاعات ينبغي أن لا يحفل بهم أحد، فهم كالغثاء والهباء الذي تنثره الرواية المقنعة والسردية المنطلقة من رؤية واضحة وعميقة.
أزعم أن المبالغة والتهويل في تحويل الرد على مشككين مزعومين إلى استراتيجية لها أولوية تعبير عن نمطية العاجزين في العمل الرسمي لأن دوائر القرار المطلوب منها أن تبقى مستفزة وأيديها على الزناد الإعلامي دون حتى وجود من يستحق صرخة وليس رصاصة.
صاحب الرأي الوطني المهني المستقل ليس مشككا… من يقول بأن الخصم الجوهري هو الإسرائيلي ينبغي أن يتصدر منابر الإعلام ومن يؤمن بالتناقض بين المشروعين الأردني والإسرائيلي «ناصح أمين» يستحق الجلوس في الاجتماعات الكبرى والإصغاء له باحترام بدلا من تفعيل بنود القوانين المتعسفة ضده.
الحكومة واجبها الاستماع لأصحاب الرأي الآخر السديد الذي يخلو من الغرض ولا يبحث لا عن أوسمة ولا عن امتيازات ولا عن مقاعد في الصف الأول.
ينبغي أن لا نقبل كأردنيين باستمرار هذا النمط الخبيث من استبدال العمل الوطني الحقيقي المنتج بأسطوانات ومقولات وعبارات تحترف بين الحين والآخر تخويف الدولة والناس من مشككين مفترضين.
التشكيك موجود ولا أحد يملك الحق في نفيه وإنكاره. لكن مقعده صغير وأهميته لا تذكر.
والثابت الأكيد أن حجمه في روايات الإعلام الاجتماعي الداخلي والخارجي لا يستحق اجتماعات ولا استراتيجيات ولا إجراءات غضب.
صناع السياسة والقرار عليهم الانشغال بما هو أهم من رفع قيمة التشكيك والاستثمار في مشككين معزولين أو في حفنة أصوات تفتري هنا وهناك فتخدمها زفة الولاء المزعوم في عمان.
طبعا تستطيع الدولة التصرف بمسألة التشكيك ضمن إطار القانون.
لكن ما ينبغي الانتباه له أن لا يتحول حديث المبالغة والتضخيم عن التشكيك إلى مساحة لإثارة الكراهية والانقسام بين الأردنيين.
والانتباه لأن أفضل وصفة في التاريخ يعرفها خبراء اليوم هي تلك التي تقترح عند وجود تشكيك ترك أدواته لضمير المجتمع وتجاهلها وليس تسليط الأضواء الرسمية عليها ورفع شأن وقيمة محترفي التشكيك.
التشكيك مفيد يا قوم… استثمروه في إعادة بث «السردية الوطنية»… قبل ذلك أين «الرؤية والنص»؟.