اراء و مقالات

الأردن: عملية «الشهيد الجازي» أسقطت فنياً قواعد «الفحص الأمني والمصرح لهم»

شيخ قبائل الحويطات سلطان الجازي: جميع أولادنا فداء فلسطين والقدس

عمان- «القدس العربي»: مسألتان لا يمكن إسقاطهما من الحسابات السياسية المعقدة بعدما قرر الأردن التعامل مع حادثة العملية التي نفذها على معبر الكرامة أمس الأول الأحد السائق ماهر الجازي باعتبارها “فردية تماماً” وما “زالت خاضعة للتحقيق”.
المسألة الأولى مرتبطة بعاصفة الترحيب الشعبي بالعملية التي وصفتها الجماهير بأنها “بطولية”، حيث حاضنة شعبية فاجأت حتى السلطات خلافاً للإسرائيليين والأمريكيين شرقي نهر الأردن، والمزيد من الوعود “القبلية والعشائرية” الأردنية بمساندة المقاومة الفلسطينية.

شيخ قبائل الحويطات سلطان الجازي: جميع أولادنا فداء فلسطين والقدس

عبر عن ذلك بصورة جلية الشيخ الأبرز في قبائل الحويطات سلطان الجازي، الذي صرح بأن “جميع أولادنا فداء فلسطين والقدس”، ووفر غطاء قبلياً في غاية الأهمية السياسية للعملية ولشهيدها ابن عشيرة الجازي عندما عبر الشيخ عن فخره وأبناء قبيلته بالعملية ومنجزها، الأمر الذي يعني أن مشاعر الكراهية لإسرائيل لا بل الاستعداد للتحول إلى “سلوك مقاوم” بدأت تدخل في “بنية العشائر الأردنية” وسط حاضنة شعبية لا يمكن الاستهانة بها.

تطور لافت وتحية «أبو عبيدة»

ذلك تطور لافت لا يمكن الاستهانة به، وعلى الحكومة الأردنية ومعها الإسرائيلية أن تقرأه جيداً قبل بناء أي استنتاجات يمكن أن تستفز الشارع الأردني أكثر في الأيام والأسابيع المقبلة، خصوصاً أن الجواب القبلي والعشائري حصل بموجب هتافات عمان على “نداءات أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام، والذي سارع بدوره لتوجيه التحية للشهيد البطل ماهر الجازي.
آخر ما تريده أو تخطط له الحكومة الأردنية هو حصول علاقة تشبيكية بين البنية الاجتماعية وتحديداً العشائرية، وخط واتجاه المقاومة في فلسطين. لكن مثل هذه العلاقة أصبحت الآن “تحصيل حاصل” ما دام كل ما تفعله حكومة اليمين الإسرائيلي عملياً “يهدد مصالح الشعب الأردني” ومستقبله، برأي حتى السياسي المعتدل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.

الأردنيون رقصوا في الشوارع ابتهاجاً

وقبيلة الحويطات وفّرت استقبالاً لائقاً لمهنئيها

والحركة الإسلامية أقامت عرس شهيد في البادية الجنوبية

وعليه، رقص الأردنيون في الشوارع مساء الأحد ابتهاجاً ودعماً لعملية الأغوار والكرامة، وأطلقت الألعاب النارية، ووفرت قبيلة الحويطات استقبالاً لائقاً لكل زوارها من مختلف مناطق المملكة عشية الانتخابات للتهنئة بعرس الشهيد.
وأعلنت الحركة الإسلامية عن إقامة عرس شهيد في البادية الجنوبية، وهتف أهل عمان لقبيلة الحويطات وأولادها وشهدائها ورموزها بعد حصول عملية استذكار جماعية ذهنياً لمآثر معركة الكرامة.
وفي ضوء ذلك، يمكن قراءة الفهم الذي سبق أن طرحه بحضور “القدس العربي” القاضي العشائري البارز الشيخ طراد الفايز، عندما صرح مثل الشيخ سلطان الجازي بأن الشعب الأردني مع المقاومة، وبأن “القدس عقيدة عند أبناء العشائر والقبائل الأردنية”.
المسألة الثانية هي تلك التي تقول بكل اللهجات واللغات، إن العملية ما دام قد نفذها ابن قبيلة الحويطات والبادية الجنوبية والعسكري المتقاعد ماهر الجازي تعيد إنتاج كل لوجستيات التعاون الحدودي مع الإسرائيليين في منطقة الأغوار، حيث يخضع السائقون بالعادة للفحص الأمني المسبق من الجانبين، وحيث من يدخل المعابر بشاحنته أصلاً هم من فئة “المصرح لهم بعد الفحص الأمني”.
يعني ذلك أن “المصرح لهم” من الأردنيين يمكنهم أن يتحولوا إلى مقاومين في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه الدكتور ممدوح العبادي بـ “قاتل متسلسل”، كما يؤشر على أن “الفحص الأمني” المسبق -وهذه مسألة تقنية عملياً- لم يعد “ضمانة” لعدم حصول عمليات أمنية.
تسقط هنا فنياً وليس سياسياً اعتبارات “الفحص المسبق أمنياً” لمن يسمح لهم بالعبور من الجانبين، ويسقط أيضاً “بروتوكول متكامل” معمول به ويأخذ معه أيضاً قواعد العمل القديمة في سياق “المصرح لهم” ما دامت الحرب ضد الأهل في قطاع غزة مستمرة والمجازر لا تتوقف بكل حال، وما دام -كما لاحظ الفريق قاصد محمود، وهو خبير عسكري واستراتيجي بارز تحدثت معه “القدس العربي” عدة مرات- اليمين الإسرائيلي “يعتدي على الأردن” في القدس والوصاية، ويهدد البلاد بصيغة “تغضب الأردنيين الشرفاء والوطنيين”.

محرك أساسي

ما يلمح له الجنرال محمود هنا أن الغيرة على ما يحصل في فلسطين هي محرك أساسي لعملية الكرامة “الفردية”، لكنها ليست المحرك الوحيد؛ فالغيرة على الأردن الذي يخضع للتهديد والابتزاز من الإسرائيليين في موقع تلك العملية التاريخية أيضاً، وهو أمر أغلب التقدير أن المؤسسة الرسمية الأردنية قادرة على توظيفه في إطار شبكة العلاقات المعقدة التي تربط الأردن بالإسرائيليين في عهد اليمين المتطرف.

المجازر ضد الغزيين تمسح البرتوكولات الأمنية بين إسرائيل والأردن

وهنا يبرز أن عملية الكرامة أعادت العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى نقطة الصفر، خصوصاً بعد سقوط بروتوكولات المعابر والجسور بصيغة اضطرت الجانب الإسرائيلي لإعادة إغلاق الجسور أمام الركاب والمسافرين والسيارات والنقل صباح اليوم الثلاثاء، وبعدما أعلنت الداخلية الأردنية أنها اتفقت مع الجانب الآخر على فتح المعابر للركاب.
بمعنى آخر، في زمن التصعيد الإسرائيلي وتهديد الأردن، أصبح من الصعب لوجستياً تطبيق بروتوكولات التعاون التنسيقي الحدودي كما كانت مستقرة منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 فما وصف بأنه عملية “فردية” لنشمي أردني خلط فعلاً كل الأوراق الحدودية والمعطيات وأنتج قاعدة تحديات أمام الجانبين، تقع المسؤولية عنها أردنياً برقبة الطاقم اليميني من حكام تل أبيب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading