اراء و مقالات

الأردني على موعد مع «تطبيقات» سريان قانون «الجرائم الإلكترونية»

عمان – «القدس العربي»: يمكن ببساطة ملاحظة حجم الحيرة والارتباك وحصراً في الوسطين الإعلامي والاجتماعي الأردنيين، بعناوين طرح الأسئلة حول مسار حريات التعبير مستقبلاً بعد انتهاء الخطوة الأخيرة في عملية دسترة القانون الجديد للجرائم الإلكترونية. في وقت متأخر بعد ظهر الأحد، نشر القانون المثير للجدل في الجريدة الرسمية مع خمسة تشريعات أخرى جديدة معدلة.
ذلك يعني، وفقاً للفقيه القانوني والدستوري الدكتور نوفان العجارمة، انتهاء خطوات المصادقة على القانون وبدء سريان مفعوله تماماً بعد 30 يوماً من نشره في الجريدة الرسمية. وتحول القانون بعد إكمال مراحل دسترته إلى واقع موضوعي الآن، وهو ما اشار له عضو مجلس الأعيان خالد رمضان، في حديث تلفزيوني رغم تصويته ضد إقرار هذا القانون.
واكتملت خطوات دسترة القانون الذي يثير لغطاً كبيراً في الشارع بالمصادقة عليه ملكياً، ثم نشر نصوصه في الجريدة الرسمية، الأمر الذي يعني ببساطة واختصار أن عملية اصطياد القانون لمن وصفتهم الحكومة بالمسيئين لاستخدام الشبكة الرقمية والافتراضية ستدخل حيز التنفيذ بعد نحو 29 يوماً من الآن.
لا أحد يمكنه التكهن بتفاعلات وتداعيات مرحلة سريان التشريع الجديد، لكن خبراء بارزين وشخصيات رسمية وأهلية متعددة حذروا عدة مرات من تطبيقات التشريع الجديد التي قد تقود إلى ما وصفه الحقوقي الناشط عاصم العمري بأزمة مجتمعية.
وما وصفه المعارض الشيخ مراد العضايلة بانتكاسة للحريات العامة ولاحقاً للانتخابات المقبلة، فيما تحدث الوزير السابق علناً الدكتور صبري اربيحات عن تراشق شكاوى بين المواطنين متوقع قد يرهق مؤسستي القضاء والأمن.
عملياً، لاحظ الجميع بأن دسترة قانون الجرائم الإلكترونية مسألة حسمت بنشره في الجريدة الرسمية.
لذا، من الطبيعي والمفهوم أن الدولة اتخذت خيارها الاستراتيجي في السياق رغم ضجيج الانفعال والاحتجاج، ومن الطبيعي القول إن الحكومة هي التي ستتحمل بعد الآن النتائج والتداعيات التي قد تتحملها الحكومات اللاحقة أيضاً.
بكل حال، ما سيصبح تحت الأضواء بعد سريان القانون الجديد مسائل محددة، قد لا تقل أهمية عن نصوص القانون والتحذيرات منها. ومن بين تلك المسائل، الإجابة عن السؤال المطروح وبقوة وسط الناس والخبراء وفي مؤسسات الدولة: كيف سيتم تطبيق القانون لاحقاً؟
الأهم أيضاً سؤال آخر مستنسخ اليوم من جدل هذا التشريع المثير للغط: إلى أي مدى سيؤثر القانون الجديد على حريات النشر والإعلام في المملكة؟
الخبير القانوني البارز في مجال الإعلام والنشر عموماً المحامي أيمن أبو شرخ، قدم رأياً بحضور “القدس العربي” فكرته القناعة بأن ميكانيزمات النصوص في القانون قد تؤسس لتطبيقه على منصات التواصل وما يجري فيها وليس على الصحافة والنشر. وأبو شرخ يبدو مقتنعاً مع خبراته المتراكمة في السياق بأن القانون الجديد وبصرف النظر عن ما قيل معه أو ضده، يبدو أنه لم يقرأ بالعناية المطلوبة خلافاً لأنه قد يكون خطوة لا بد منها وطنياً للتعامل مع مستجدات الشبكة الرقمية وتأثيراتها إلى جانب افتراض بأن هدف القانون حماية المجتمع والأفراد من انتهاكات من الصعب إنكارها ولا بد من احتواء تأثيراتها الضارة على الأمن والسلم الاجتماعي.
المحامي البارز أبو شرخ يحتفظ ببعض الملاحظات المنهجية على النصوص، ويقدر بأن عملية تقصير جرت في الشرح والمتابعة. لكن وجهة نظره يعارضها سياسيون وخبراء كثر، لا يجدون ما يكفي من الضمانات لئلا تطال نصوص القانون الجديد حريات التعبير والحريات السياسية العامة وتفاعلات النشر والإعلام والصحافة بكل الهويات والألوان، لأن العمري مصر على أن النصوص المستحدثة الغريبة أجندتها سياسية على الأرجح وتكمم كل الأفواه.
وسط سجال من هذا الصنف، يمكن ملاحظة أهمية الأسئلة المطروحة بعد إقرار الجميع بأن القانون الذي احتج عليه كثيرون في المجتمع أصبح واقعاً موضوعياً لا بد من التعامل معه، خصوصاً تلك الأسئلة على صعيد كيفية التنفيذ وكيفية توفير ضمانات بعدم الانتقال بالتنفيذ إلى مستويات تمس بحريات التعبير. وهنا يبرز الرأي المهني للإسلامي الناشط الدكتور رامي العياصرة، الذي لا يساند إشاعة أجواء التخويف من القانون، ويدعو الجميع إلى الاستمرار في ممارسة الحق بالرأي والتعبير مع الالتزام بالكتابة والتعليق وانتقاء التعبيرات.
تلك قد تكون وصفة مسيسة أرسلها العياصرة بقلمه لـ “القدس العربي”، لكنها قد لا تحاكي ما يقال عن أحد الأهداف السلبية للقانون بعنوان تقليص مساحة التعبير وحرمان المواطن من التعليق على المنصات حصراً، لأن الطبقة المثقفة فقط هي التي تستطيع التعامل مع معادلة الاتزان في الكتابة والتعليق خلافاً لأن المواطن المتفاعل “منصاتياً” قد يخفق في تحقيق الشروط التقنية المعقدة التي يتطلبها القانون، علماً بأن السلطات اجتهدت خلال الأيام القليلة الماضية بالتحدث عن تفصيلات وشروحات لاحقة ستصدر، وورش عمل تنسيقية، مع التلميح لضمانات تخص حريات الصحافة وأخرى بإمكانية تعديل القانون مستقبلاً. كل ذلك لا يجيب بعد؛ لكلفة سؤال اليوم التالي بعد سريان القانون الجديد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى