اراء و مقالات

الخلاف حول «الهوية الجامعة» في الأردن

السلم الاجتماعي الأردني هو الأولوية الوحيدة التي ينبغي أن تجتمع القلوب عليها ومعها طبعا الوحدة الوطنية والحفاظ على المؤسسات والمكتسبات والتصدي لما يحاك بليل ضد الوطن

لا يوجد سبب منطقي من أي نوع يدفع للإعتقاد بأن «مؤامرة ما» تقف وراء تكرار عبارة «الهوية الوطنية الجامعة» في عدة فقرات من محتوى وثيقة تحديث المنظومة السياسية.
بالمقابل لا يوجد مسوغ يدفع للاحتفال بعبارة شاردة بلا مضمون تعريفي مفصل كان طبعا يمكن الاستغناء عنها أو الاستعاضة بتعديلات قانونية وتشريعات واضحة الملامح، والأهم بقرار «سيادي وسياسي» أوضح يمنع العبث انتخابيا وبيروقراطيا بخيارات الناس.
غريب ولافت بالتوازي أن ندخل بالمفارقة، لنلمس كيف ارتاب الناس بمجرد كلمة يفترض أنها «طيبة» مما يدلل على عمق «أزمتنا».
على سيرة «القرارات السيادية» كان طبعا يمكن الاتجاه بكلمة واحدة، وسواء على المستوى المرجعي أو السيادي لصالح «منهجية المواطنة» حتى نعفي أنفسنا وشعبنا من كل تلك التقولات التي رافقت في زمن صعب وحمّال أوجه عبارة مثل «الهوية الجامعة»
يبدو أن تلك العبارة التي «استفزت» قطاعا لا يستهان به «سقطت سهوا» ليس أكثر، ومن يعارضونها حتى اللحظة لا يقولون لنا ما هو «المريب فيها» حقا وكيف يمكنها أن تستعمل لاحقا للمساس بالوطنية الأردنية. لا بل لا يقولون لنا ما هو بديلهم عنها، وبالتأكيد لا يبلغون عن نيتهم دعم وإسناد مفهوم «الهوية الوطنية» ضمن أسس ومعايير قانونية ودستورية إذا ما تخلصنا من تلك العبارة «المنغصة المستفزة» التي لم تكن لتثير ردود الفعل المشككة لولا «عهد الإبراهيميات» وغياب الشفافية عن تشكيل اللجان. ولولا «الدلال» الذي حظي به أعضاء اللجنة الناسخون للمصطلح إبتداء من «حلاوة السميد» خلال استراحات الحوار وانتهاء بميداليات «المئوية».
هناك دليل على ذلك، فبعض أشرس المشككين الآن بعبارة «الهوية الجامعة» استعملوها عام 2012 في محاضرات عامة لهم، ووردت في كتب ومؤلفات بدون ضجيج. كما أن عددا من رموز التشكيك بتلك العبارة كان سينفض عنها الغبار، ويعيد تغليفها مع قليل من الهواء، ويقدمها لنا لو حظي بمقعد في «اللجنة إياها» أو لتمكن مع نحو 90 شخصا من الاحتفاء بتلك العضوية.
فالمواطن الأردني لم يعد يهمه اليوم الاسم الفني أو اسم الدلع الخاص بـ»الجامعة».

 السلم الاجتماعي الأردني هو الأولوية الوحيدة التي ينبغي أن تجتمع القلوب عليها ومعها طبعا الوحدة الوطنية والحفاظ على المؤسسات والمكتسبات والتصدي لما يحاك بليل ضد الوطن

وإذا كانت المفردة تستفز الجموع بهذا القدر فيمكن ترحيلها وتجاهلها ووضعها على الرف وبصفتي أحد أقدم المتحمسين لـ»مجتمع العدالة والإنصاف» ولـ»الإصلاح السياسي» أقول لربعي: ليس الآن… يمكن تأجيل كل ما يثير الاختلاف والفرقة الآن ما دامت تلك الإبراهيميات المريبة هي التي ترسم الخطوط وتضع النقاط على «أحرف الأمة» الآن.
كل ما كنا نطالب به يمكن تأجيله إلى جانب التركيز حصريا ومرحليا ليس طبعا على «تحرير فلسطين» بل بقاء الأردن حرا عزيزا كريما بمؤسساته وأهله، وإنقاذ ما تبقى منا إداريا واقتصاديا… لا حاجة لنا بإصلاح سياسي ومقاعد إضافية بائسة في البرلمان لأي مكون اجتماعي، فيما كياننا ووجودنا كأردنيين مستهدف الآن من الشقيق قبل الحليف.
السلم الاجتماعي الأردني هو الأولوية الوحيدة التي ينبغي أن تجتمع القلوب عليها، ومعها طبعا الوحدة الوطنية والحفاظ على المؤسسات والمكتسبات والتصدي لما يحاك بليل ضد الوطن الأردني، ودون مزاودة على القدس، فأهلها أدرى منا نحن في عمان بشعابها وصمودهم هو الذي يمنع «سقوط عواصم العرب» جميعها في براثن «دشاديش الإبراهيميات».
إقتلوا عبارة «الهوية الجامعة» أو اطرحوها أرضا… لم تعد مهمة وطبعا يمكن الاستغناء عنها شريطة أن لا يفهم المحذرون منها والمرتابون فيها بأننا «نبصم لهم» بذلك على عجزهم وفشلهم في عرض البدائل أو نؤيد- لا سمح الله- ما يصدر من تعبيرات سقيمة تمجد الهوية الفرعية أو تمارس أقصى طاقات التضليل وهي تحاول «العودة بنا» إلى ما قبل الدولة.
الاستقرار الأمني والسلم الاجتماعي.. كرامة الناس وأمنهم.. المؤسسات… الدولة… البنية الاجتماعية الصحية… الإحتمال والصبر وتمييز العدو من الصديق… صلابة الجبهة الداخلية ونبذ الانقسام والخلافات وتوحيد عمل «النخبة».. كل تلك أولويات ملحة الآن تفوق بأهميتها، الإصرار على تمرير عبارة يرتاب فيها الكثيرون في المشهد، وهي أهم طبعا من «تعريف الهوية الجامعة» والإصرار عليه الآن على الأقل وفي زمن «الشدة» وبعدما «أفلتت» فرصة التعريف في «زمن الرخاء».
صحيح بدلا من «الهوية الجامعة» فلنتحدث معا وبلسان واحد عن «الهوية الوطنية الأردنية»… تلك عبارة أخف وطأة في زمن السلبية والارتياب ولا يمكن الاختلاف معها إلا في ترسيم الزاوية التي ينطلق منها أينا في الولاء للوطن.
إذا كانت مفردة «جامعة» تثير الانقسام والفرقة وتخيف «بعضنا» من»بعضنا» فلنلقها في سلة المهملات، ونمض قدما ونتلمس ما لا يخيف أي مكون في مجتمعنا، ونبحث عن قواسم مشتركة ثم نمضي قدما.
وأحسب أن ذلك يتطلب توقف المغامرات المراهقة الرسمية التي تؤمن بأن أفضل وسيلة لسيادة الدولة هي العزف بين الحين والآخر على أوتار ما يفرق الناس ويدب الارتياب بينهم.
ما يحمي الوطن والدولة هو «القانون والمؤسسية والمواطنة» وليس العكس إطلاقا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى