سرديتان «تركية» و«أردنية» لواقعة «دفن» اتفاقية التجارة الحرة واتفاق على «إطار» جديد «أقل دسماً»
غرفة تجارة عمان تخالف «الرواية الرسمية» والعلاقات تقلصت مع الإلغاء
لا يمكنها أن تكون صدفة.. الغرفة التي تمثل طبقة تجار العاصمة الأردنية عمان تعلن أن إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا «خطأ كبير» ألحق ضرراً بالقطاعات التجارية والصناعية الأردنية. بالتزامن، تقريباً، تم الإعلان عن الخيار البديل الذي أصرت عليه وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، حيث التوقيع في أنقرة على اتفاقية إطار أو بروتوكول جديد تحت عنوان تأسيس مجالس مشتركة لتعزيز العلاقات الاقتصادية.
تجار عمان، ممثلين في مجلس إدارة غرفتهم، تحدثوا عن إلغاء اتفاقية بشكل مس بمصالح تجاريين وصناعيين ومستهلكين أردنيين وبصورة غير مبررة. عملياً، موقف تجار عمان برز على هامش استقبال السفير التركي مراد كاراغوز، وهو دبلوماسي مقاتل وصلب يحاول ومنذ عدة أشهر وأسابيع، كما فهمت «القدس العربي» مباشرة منه، فهم تلك الأسباب التي دفعت حكومة الأردن إلى إلغاء اتفاقية للتجارة الحرة وبصورة لم تبرر بعد. لا يخفي السفير التركي مشاعره السلبية ولا تقييمه الفني، وقد أعلن سابقاً بأن حكومة الأردن لا تقدم حيثيات وبيانات مقنعة تقول بأن إلغاء اتفاقية التجارة الحرة يعود بالفائدة على المصالح الاقتصادية الأردنية.
طبعاً، يقدم وزير الصناعة والتجارة الأردني الوزير الشاب، وهو يتحمل شخصياً مسؤولية قرار إلغاء الاتفاقية مع تركيا، رواية مغايرة لمسار الأحداث سمعتها أيضاً «القدس العربي» مرتين على الأقل من الوزير نفسه. لا يخفي الأتراك خلف الستار شعورهم بأن إلغاء الاتفاقية كان قراراً بخلفيات سياسية، لكن الممثلين الرسميين للجمهورية الصديقة لا يتحدثون عن هذا الأمر، ويقفون عند حدود ممارسة دبلوماسية ناعمة تسأل وتستفهم وتحاول. في الشرح الذي يقدمه الوزير الحموري، ثمة خلل نتج عن الاتفاقية يمس بمصالح القطاع الصناعي الأردني، وثمة مراجعة لها علاقة بمصالح الأردن الأساسية ليس فقط في الاتفاقية المعنية بتركيا، ولكن في ملف عدة اتفاقيات مع دول صديقة وشقيقة. مقاربة الوزير الحموري تحاول لفت النظر إلى أن بلاده بصدد مراجعة موازين مصالحها التجارية، وأن الاتفاقية الخاصة بتركيا ليست وحدها في هذا المضمار، نافياً أي بعد سياسي في المسألة.
في المقابل، يتحدث الجانب التركي عن علاقات سياسية كبيرة بين الشعبين وقيادتي البلدين، وعن الشعور بأن إلغاء الاتفاقية كان خطوة فردية لا يعكس روح هذه العلاقات ويلحق ضرراً بها، والأهم – دون مبرر- أن الحموري يلمح إلى سلسلة مراجعات في العلاقات التجارية حتى مع أوروبا ومصر وسوريا، على أساس أن هذا الملف مفتوح في معيار المصالح الاقتصادية الوطنية. يتحفظ التركي من جانبه على تلك السردية في المسألة، وعلى أساس أن المراجعات التي تتحدث عنها الحكومة الأردنية لن تحصل في الواقع.، وأيضاً على أساس أن المصالح والجوار والتضامن في الموقف السياسي التركي مع قضايا أساسية يفترض أن تكون خطوات توفر غطاء للحفاظ على اتفاقية استراتيجية مثل التي ألغيت.
الطاقم الذي يديره الحموري من جهته يتحدث عن تجاهل تركي لكل الملاحظات الراغبة في تعديل بنود الاتفاقية الملغاة، في الوقت الذي يؤشر فيه الطرف الآخر إلى خطوة سلبية جداً لا تؤثر عملياً على التجارة التركية مع الأردن بقدر ما تؤسس إلى سابقة غير ضرورية تخدش العلاقات الثنائية. وبحماسة شديدة، وقبل نحو ستة أسابيع، عرض الوزير الحموري على نظيرته التركية توقيع اتفاقية الإطار الجديدة البديلة، وعلى أساس أنها تؤسس لنمو التعاون مستقبلاً.
لكن طاقم السفارة التركية في عمان، ومعه طاقم الوزارة التركية النظيرة، يريد الإقرار بأن اتفاقية الإطار التي يفترض أنها وقعت أمس الثلاثاء ليست ولا يمكنها أن تكون بديلة حقاً وفعلاً عن اتفاقية التجارة الحرة المُلغاة التي تنقل العلاقات إلى مستوى «أقل دسماً». الحموري يؤكد وبوضوح أن المسألة ليست سياسية على الإطلاق، وأن طاقم وزارته يقوم بواجبه في حماية المنتج الأردني وتوفير فرص النمو أمامه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالواردات التجارية، ويؤشر أيضاً على أن الحديث عن وجود خلفية سياسية وليست فنية أو رقمية هو شكل من أشكال التغطية على الواقع البياني، فقد ارتفعت بعض الأرقام التي تـعكس مصالح القــطاعات الأردنية بعد إلـغاء الاتفاقيـة مع الشـقيق التـركي.
تعامل السفير كاراغوز مع الواقع، ودعم مع وزارة الخارجية التركية متجاوباً أي محاولة للتعاون، ودعم الوزير الحموري بدوره الحوار والانفتاح على تأسيس مصالح مشتركة. ثمة، بالرغم من كل ما يقال، روايتان مختلفتان تسردان قصة إصدار شهادة وفاة أردنية لاتفاقية كانت استراتيجية بين البلدين، وموقف غرفة تجارة عمان الأخير يقول بوضوح إن حيثيات موقف الحكومة الرسمي لتبرير إلغاء الاتفاقية ليست مقنعة. وإلى أن تنكشف بقية التفاصيل، لا يزال الغموض يكتنف خلفية إلغاء الاتفاقية بين البلدين.