الأردن: كيف ولماذا قرر الإسلاميون الاحتجاج على «الإقصاء والشيطنة»؟
البرلمان وترشيح العرموطي
عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن فصل القرار المباغت والمفاجئ الذي أعلنته كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني بعنوان ترشيح القطب البرلماني البارز صالح العرموطي لانتخابات رئاسة مجلس النواب، عن مجمل المناخ السياسي العام والوطني الذي شهد في الآونة الأخيرة حملات مضايقة وشيطنة للإخوان المسلمين في البلاد والعودة لاتهامهم والتحريض ضدهم، بل شهد أيضاً سلسلة مضايقات بيروقراطية يتحدث عنها بعض الفرقاء في حزب المعارضة الأكبر في البلاد، الذي فاز بالانتخابات الأخيرة بـ 31 مقعداً في البرلمان مسجلاً مفاجأة من العيار الثقيل.
تلك المضايقات ترصد ويتحدث عنها الحزب في بيانات علنية رغم الضمانات المعاكسة التي حصل عليها الأمين العام بالوكالة وائل السقا، بعد لقاءات مع رئيس الوزراء جعفر حسان، ووزير الشؤون البرلمانية عبد المنعم العودات.
لم تعرف بعد كل الأسباب والمسوغات والخلفيات التي دفعت جبهة العمل الإسلامي لإعلان قرارها بترشيح العرموطي رئيساً لمجلس النواب، الأمر الذي طبعاً يسجل مفاجأة من الوزن الثقيل في مواجهة نواب التيار الوسطى وكتل الأحزاب الوسطية غير الموحدين بدورهم على اختيار مرشح موحد حتى اللحظة وقبل أسبوعين من انعقاد الدورة.
القرار قد يدفع «جبهة أحزاب الوسط» عملياً لتوحيد موقفها بدعم وإسناد من مراكز الثقل الرسمي إن كان خيار العرموطي ليس مفضلاً أو مطروحاً بالسياق الرسمي.
الإجراء عند جبهة العمل الإسلامي جاء متأخراً قليلاً، لأن نحو ثمانية مرشحين لرئاسة المجلس أعلنوا عن أنفسهم، وفقاً للتقرير الذي أعده أمس الصحافي والإعلامي المتخصص في شؤون البرلمان ماجد الأمير في صحيفة الرأي.
البرلمان وترشيح العرموطي
لم يظهر اسم العرموطي في تقرير صحيفة الرأي، لكن كتلة نواب جبهة العمل الاسلامي مساء أعلنت الأحد، قرارها ترشيح العرموطي الذي يترأس كتلة التيار الإسلامي الوطني، رغم أنه ليس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وكان في الانتخابات الأخيرة النائب الأكثر شعبية وحصولاً على الأصوات. تلك مفاجأة من الوزن الثقيل سياسياً وبرلمانياً؛ لأن الكتلة كانت تجري مفاوضات طوال العشرة أيام الماضية في اتجاه آخر، وتظهر ترفعها عن المنافسة والمزاحمة على موقع رئاسة مجلس النواب مقابل ممارسة حقها في التفاوض على موقع الرجل الثاني في المكتب الدائم، وهو النائب الأول لرئيس مجلس النواب.
موقع النائب الأول
واضح تماماً أن كتلة جبهة العمل الإسلامي تريد أن تقول إن الحزام الاحتياطي الذي يحيط بطموحها في أن تحظى بموقع متقدم في المكتب الدائم لمجلس النواب وممارسة حقها في أن تحظى بموقع النائب الأول لرئيس مجلس النواب بحكم عددها التفاضلي، هو الذي دفعها لإعلان الترشيح للرئاسة ما دامت العديد من الأوساط تعمل وبوضوح شديد ضد رغبة التيار وممثليه بالتمثيل الإنصافي، أو على الأقل لا تبذل الجهد الكافي للبحث في ملتقيات بمنتصف الطريق والمسافة.
قبل أكثر من أسبوعين، وقبل تدشين حالة التفاوض، كان العرموطي نفسه يبلغ «القدس العربي» بأن مسألة ترشيحه أو غيره من زملائه في كتلة المعارضة الأبرز، سابقة لأوانها، وإن كانت خياراً على الطاولة يخضع للتمحيص.
مقربون منه أشاروا إلى أن المسألة درست بعناية فائقة طوال الوقت، وأنه شخصياً حمل الرأي القائل إن المنافسة على هذا الموقع ينبغي أن تدرس ويتم تمحيصها بصورة تفصيلية؛ لأن الترشح لهذا الموقع رسالة وواجب وتكليف بعيداً عن التشريف.
والموقع فيه قدر من الحساسية المرتبطة بحسابات الدولة والتيار الإسلامي، كما فهمت «القدس العربي» يفتح قلبه ويديه للتعاون مع جميع الأطراف، بما فيه خير البلاد وبما يؤدي إلى تصليب الجبهة الداخلية عبر مجلس النواب واستعادة دوره في هذه المرحلة الحساسة.
حتى وقت قريب من المفاوضات مع الكتل الأخرى التي أدارها باحتراف عضو الكتلة النائب محمد عقل، كان الانطباع بأن التيار الإسلامي سيمنح أصواته -وعددها 31 نائباً- لأي كتلة تدعم خياره في الترشح لموقع النائب الأول لرئيس المجلس.
هنا ظهر على الأرجح أن ثلاثة من المرشحين باسم كتل أخرى أخفقوا في الحصول على ضوء أخضر يدفعهم للاتفاق مع الإسلاميين على دعم وإسناد خطتهم في الجلوس بمقعد الرجل الثاني أو نائب رئيس المجلس، وإن ما عرض على كتلة الجبهة التي تمثل الأغلبية اليوم هو مقعد واحد في المكتب الدائم لمجلس النواب لا أكثر ولا أقل.
«قفزة محسوبة»
مرجح أن مقترح ترشيح العرموطي تأثر بتلك الاتصالات السلبية مع بقية الكتل. لذا، الحديث سياسياً عن «قفزة محسوبة» وبدقة دفاعاً عن خيارات الحزب والكتلة في استحقاقات التمثيل داخل مؤسسة مجلس النواب بعد مجسات استشعرت مبكراً بروز محاولات «إقصاء» للمكون الاسلامي البرلماني يحتج عليها المعنيون ضمناً بقرار ترشيح العرموطي وما ينتج عنه من خلط متعمد ومنسجم مع شرعية المنافسة للأوراق.
الأهم أن هذا التكتيك يهدف إلى لفت الأنظار إلى أن سياسات الإقصاء والتهميش لنواب التيار الإسلامي ثم شيطنته، ليست هي القرار الأكثر حكمة، ما استوجب إظهاراً «شرعياً» لبعض قدرات الرد والاشتباك؛ بمعنى خلط الأوراق. طبعاً، يرحب العرموطي ورفاقه هنا بحق بقية الكتل في التوحد والائتلاف، لكن الرسالة في جذرها هي تلك التي تقول إن عمليات الدمج والتحالف وسطياً ينبغي أن تتشكل وتتواصل بعيداً عن فلسفة «إقصاء التيار الإسلامي» الراغب -كما شرح العرموطي- في الشراكة والحرص المؤسسي والاشتباك الإيجابي. وإلى أن تلتقط رسائل احتجاج التيار باللهجة الديمقراطية وضمن أصول اللعبة السياسية والبرلمانية، لا بد من الإشارة إلى أن كل الاعتبارات موضوعة على الطاولة الآن. الإسلاميون يفاوضون ليس على «حصتهم في التمثيل» تحت القبة وبسلطة التشريع، بل أيضاً على «المضايقات» غير المبررة إدارياً وأمنياً لحزبهم، وعلى تجاهل أي تمثيل رمزي لهم في مجلس الأعيان بالتوازي مع استمرار حملات الشيطنة ضدهم عبر أقلام وأصوات «نخبة رسمية».