«قصف عشوائي»… برلمان الأردن يمطر الحكومة بـ «الاستجوابات»: تحشيد استعراضي و«حشوة» وزارية كسولة
اختار القطب البرلماني الأردني، عبد الكريم الدغمي، الطريقة الأسهل التي يعرفها الأردنيون جيداً.
قرر الدغمي الغمز من قناة موظف كبير يرعى شؤون ديوان الخدمة المدنية ويقوم -بصمت- بعمله منذ سنوات طويلة، عبر الإشارة إلى صلة قرابة برئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وصلة عائلية مباشرة بأحد مستشاري الديوان الملكي. ويعلم الجميع بأن الأمين العام للخدمة المدنية سامح الناصر، يقوم بواجبه ويعمل في ظل المشهد البيروقراطي منذ أكثر من عقدين، وقبل بروز أي قريب له بوظيفة عليا.
في كل حال، قرر الدغمي التحدث عن ما سمّاه بموظفين يحتمل أنهم يتلاعبون بسجلات ديوان الخدمة المدنية، ثم تقدم بالغمزة إياها وبصورة يعلم هو قبل غيره، وبحكم خبرته الطويلة، بأنها خارج السياق ويمكن -كصيغة- الاستغناء عنها، وإن كان القصد التلميح شـغباً لـ»نافذين في الديوان». الدغمي عملياً، أعلن مبكراً مرحلة الشغب، وتحديداً في خطاباته في مرحلة الثقة، وذلك مشهد يعني أن الطاقم الوزاري عليه الاستعداد لكمائن ومفاجآت بعدما خسر الدغمي في وقت مبكر فرصته في العودة لرئاسة مجلس النواب تحت ضغط سيناريو تكرس بعنوان «البحث عن وجه جديد».
عموماً، وفي تعليقه الرقابي الأخير، اختار القطب البرلماني مضايقة الحكومة، لكن بموضوع ثانوي بسيط متجنباً الملفات الأكبر. فيما يحرص بعض النواب الجدد على حضور ما تيسر من اجتماعات اللجان، بما فيها تلك التي لا تخصهم، بهدف المعرفة والاطلاع.
يقود النائب الجديد وصاحب الخبرة الواسعة أيضاً، الدكتور عبد الرحيم الأزايدة، مشروع الاشتباك، بالمعنى الإيجابي. ويتحدث لـ«القدس العربي» مجدداً عن ضرورة تثقيف النواب وزيادة معرفتهم في التفاصيل قبل الاستئثار بدورهم، مشيراً إلى أن بعض الاكتشافات مثيرة من خلال حرصه الشخصي على تخصيص كل وقت يلزم للمعرفة والتثقف وحضور اجتماعات اللجان ومطابخها.
برلماني آخر من الأقلية العتيقة، طلب عدم ذكر اسمه وهو يختصر مشهد العلاقة الآن بين السلطتين على أساس «أغلبية برلمانية تستعرض في مواجهة حشوة غير نشطة في الطاقم الوزاري». تلك قد تكون مبالغة مبكرة في التشخيص، لكن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وبعد العبور من مواجهة الثقة وعشية التحضير لمواجهة عبور الميزانية المالية، بات يمشي بين الألغام تحت قبة البرلمان؛ فالمجلس كتلته الأنشط مستجدة، وبعض رؤساء لجانه الأساسية خارج الاختصاص، واجتهاداته ميكروفونية، وإن كان رئيسه عبد المنعم العودات ونائبه الأول والمخضرم أيضاً أحمد الصفدي، يحاولان العبور إلى أقرب مسافة أمان ممكنة في العلاقة بين السلطتين.
وهنا بوضوح، يسعى الصفدي والعودات معاً إلى تنميط جديد قد يبدو صعب المنال الآن.
لكن الأول، على الأقل وكما فهمت «القدس العربي» منه، طموح بعمل منهجي مؤسسي بالشراكة مع رئاسة المجلس والمكتب الدائم والكتل واللجان، يحافظ على هيبة المجلس ويؤدي إلى تطوير مبرمج في الأداء الرقابي، بصورة تستثمر في الاشتباك والتفاعل لحماية وترسيم المصالح العليا للوطن والدولة.
طموح الصفدي مشروع، ويبدو متحركاً وديناميكياً. ولكن إزاء حشوة وزارية كسولة أو خاملة أو لا تقوم بما ينبغي أن تقوم به وحشد برلماني يبحث عن موقعه وهويته، قد لا تبدو المهمة سهلة لا أمام العودات والصفدي ولا حتى أمام رئيس الوزراء.
لكن الأخير قرر المضي قدماً، فالتعامل مع مجلس النواب وسلطة التشريع أساسي في المعادلة الوطنية والمرحلة، والأمر لا يقتصر على مجلس النواب فقط، فمجلس الأعيان يتحرك وديناميكي قليلاً، والمطلوب منه تحريك الاتجاهات برمتها والمبادرة والمناورة والطهي التشريعي، الأمر الذي يبدو صعباً قليلاً، لكن مجموعة نشطة جداً بوزن نوعي من الأعيان الجدد تتكفل به.
في الأثناء، تنفجر بعض ألغام الأسئلة النيابية، وتتحول بسبب قصور الإجابة عن سؤال دستوري إلى استجوابات؛ فقد أعلن نائب عريق وقطب ثقيل وهو خليل عطية، تحويل أسئلة قدمها لوزير العدل حول ملف حبس المدين والمتعثرين إلى استجواب، مشيراً إلى أن الوزير المختص في الحكومة لم يقدم له الإجابة شافية. في الأثناء، أعلن النائب الإعلامي وصاحب أكثر خطاب مسيس في نقاشات الثقة، عمر العياصرة، أنه بصدد تحويل أسئلة وجهها لوزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي حول قضية إحالة المعلمين إلى التقاعد، إلى استجواب أيضاً.
سـأل العياصرة بشكل عام، لكنه يتقصد النشطاء المؤيدين لحراك المعلمين بعدما شنت عليهم حرب أرزاق، على حد وصف نقيبهم ناصر النواصرة لـ«القدس العربي». إلا أن الوزير تحدث عن مسطرة منصفة في الإحالات قبل أن يعالجه العياصرة بالاستفسار عن تعاقدات بعد الإحالات مع أشخاص بنفس الخبرة والسنوات.
وعليه، تحول السؤال لوزير النعيمي، إلى استجواب. وكان النائب ينال فريحات، قد أشار إلى إمكانية طرح الثقة بوزير التربية والتعليم قبل أن يحول فريحات نفسه سابقاً سؤاله حول الرواتب الكبيرة إلى استجواب أيضاً، فيما لجأ زميله فواز الزعـبي إلى خـيار دسـتوري ممـاثل.
بمعنى آخر، نواب الأردن الجدد يمطرون وزراء الخصاونة بالاستجوابات، فيما يغيب بشكل ملحوظ وغامض الرد الخبير المفحم على أسئلة النواب، ويميل المناخ للانفعال بين وزير الخارجية أيمن الصفدي، ورئيس لجنة فلسطين محمد ظهراوي، على خلفية نقاش له علاقة بمنصة الجسور والمعابر.
وقبل ذلك، تبرز الحساسيات ويلتقط الرأي العام سردية النواب للأحداث والحكايات، فيما يلمس الجميع بـوضوح غياب سـردية الحـكومة.