الأردن «متماسك وممسوك» وبعد «الرسالة الإقليمية»: حكومة «لا تشبه» برلمان «الإخوان»
عمان ـ «القدس العربي»: بعد رسالته «الإقليمية» لكل «الجهات التي يهمها الأمر» بعنوان «انتخابات «نزيهة إلى حد بعيد» تنتهي بكتلة «أغلبية إسلامية» قابلة للسيطرة لاحقاً، يتجه «مركز القرار» الأردني إلى رسالة أخرى موازية تلفت النظر إلى «إمكانيات التوازن» السياسي بتشكيل حكومة «تكنوقراط اقتصادي» مقربة بل محسوبة من حيث هوية وملامح رئيسها على «المدرسة الغربية والأمريكية».
لا تريد عمان «إخافة» الأصدقاء والحلفاء خصوصاً «الخليجيين والغربيين» الذين يلاحقون «الإسلام السياسي» بقدر ما أرادت وخططت مركزياً لإطلاق «جرعة واقعية» عبر صناديق الانتخابات «تقلق» هؤلاء الحلفاء، لا بل تلفت انتباههم إلى المعادلة التي تقول إن «تمكين» حكومة يمين إسرائيلية «منتخبة» من تهديد مصالح المملكة الأردنية الهاشمية يمكنه وبكل بساطة أن يقابل بمعادلة «أردن أقوى» بانتخابات تعكس وقائع انحيازات الشعب وميله لتيارات الإسلام السياسي.
كانت تلك – منذ أبلغ كبار المسؤولين غرف عمليات الانتخابات بصيغة «من يتلاعب بالانتخابات يسجن»- واحدة من «المغامرات السياسية» المحسوبة بدقة والتي تخلخل قليلاً فقط معادلة السؤال القديم… «الأردن متماسك أم ممسوك؟».
ثمة من يقول اليوم في أدق تدوير زوايا الدولة العميقة في عمان بأن «الانتخابات الأخيرة» كانت بمثابة «رسالة إقليمية» وأن المقصود بـ«تراخي قبضة» أي تدخل في الانتخابات هو تمكن مركز القرار الفعلي من معرفة ما الذي يريده الأردنيون خصوصاً بعد «ربيع 7 أكتوبر» وتمكين الدولة من «هوامش مناورة» مع الغرب الذي «يسمح» لليمين الإسرائيلي بالعبث بأمن واستقرار المنطقة عمومًا.
الحكمة والخبرة في الرسالة لا ينكرهما إلا «جاهل» حتى في رأي السياسي النشط محمد حجوج، كما فهمت «القدس العربي». لكن «تدوير الزوايا» برسائل حرفية تطلب قليلاً ليس «التناغم» ولو قليلاً مع «احتياجات الأردنيين» السياسية في ظل غياب أو صعوبة أو تعقيدات تلبية «احتياجاتهم اقتصادياً ومعيشياً» فقط، بقدر ما تطلب تذكير الحلفاء والأصدقاء العرب والخواجات-على رأي الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني سنان شقديح، بأن لعبة التواطؤ مع اليمين الإسرائيلي في الإقليم يمكنها أن «تبدل الاتجاهات» ليس في المنطقة فقط، بل في العمق الأردني أيضاً.
حكمة وخبرة
لذلك، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين عملياً من الفوز بـ 32 مقعداً في البرلمان، وقد تتمكن من جذب 7 نواب آخرين لتشكيل واحدة من أقوى كتل البرلمان. ولذلك، شعرت أحزاب الوسط والموالاة ببعض «اليتم السياسي» وكشف الحضور المنطقي الطبيعي لتيارات اليسار والأسس المدنية وسط الناس خصوصاً في زمن طوفان الأقصى.
هنا واضح تماماً أن قرار «فتح صناديق الاقتراع على معدلات نزاهة مرتفعة» لم يكن وليد «صدفة» ونجح في إنتاج «رسائله المقصودة» حتى الآن رغم أن العديد من القوى الكلاسيكية داخل الدولة حاولت إعاقته فيما يلتقط الإخوان المسلمون فوراً «الرسالة» التي وردت في الخطاب الملكي بعنوان «الأردن أقوى بعد الانتخابات، ومسار التحديث هو الخطة» فيجيب عليها وعبر نقاش مع «القدس العربي» المراقب العام الشيخ مراد عضايلة، بمحتوى يقول ولو ضمناً، إن الحركة الإسلامية تعرف مسبقاً متطلبات الشراكة والتوافق الوطني خلف «حماية الوطن والدولة».
رسالتان صدرتا بالتوازي في الواقع وبفارق ساعات في السياق المشار إليه: عندما نشرت «الجريدة الرسمية» أسماء الفائزين في الانتخابات؛ مما يعطيهم المصادقة الدستورية. وفيما كان القصر الملكي يمتدح بوضوح «انتخابات القوة الأردنية الجديدة» وقف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي وائل السقا، أمام نواب حزبه الفائزين قائلاً: «خلف الجيش ومعه في حماية الأردن».
قلق حلفاء عرب
يتبادل الإسلاميون ومركز القرار «رسائل شراكة» بكثافة وبتوقيت زمني قصير. وذلك تبادل «مؤقت» ومصيره الإنتاجي مرتبط بمعادلة «ألا يتصرف الإخوان المسلمون بغرور» لاحقاً، وإن أصبحت معادلة «الأردن متماسك أم ممسوك» ولأغراض امتصاص، أكبر تأثير مفترض في الرسالة الإقليمية السيادية الأردنية.. «نتحدث اليوم عن الأردن المتماسك والممسوك معاً».
ذلك طبعاً لا يرضي الأمريكي والغربي المخاصم للإسلام السياسي أو الذي يربط بعضه بالإرهاب، بل يقلق بعض الحلفاء العرب الذين يلاحقون بكل التقنيات تعبيرات الإخوان المسلمين المحلية الأردنية؛ لأنه يزعج من يسميهم الدكتور مروان المعشر بـ «قوى الأمر الواقع» المحلية التي تعرف مسبقاً أن صعود الإسلاميين فيزيائياً لأي مساحة يعني تقليص امتيازات تلك القوى المحافظة والكلاسيكية. في الواقع، كل هؤلاء في الشرائح الثلاث لم يقدم أي منهم «أي مساعدة» للأردن ولا لدولته في ملفين مهمين للغاية، هما، «كبح جماح اليمين الإسرائيلي» وتحسين الوضع الاقتصادي. وهو ما سبق أن التقطه رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز مبكراً عندما اقترح عبر «القدس العربي» صيغة تخص «الأشقاء» عنوانها «تريدون الأردن المعتدل أقوى… حسن، ساعدوه».
بناء على «كل ذلك» اقتضى التنويه مرجعياً وملكياً في الأردن، وفتحت صفحة الانتخابات، وتصاعد حضور الإسلاميين، وولدت تلك «الرسالة الإقليمية» بمضمون «الأردن أقوى بعد انتخابات نزيهة فيها حصة واسعة للإسلام السياسي المناصر للمقاومة الفلسطينية» كما ولدت معادلة «ليس ممسوكاً فقط من أجلكم، بل متماسك أيضاً، رداً على تهديدات مجانين تل أبيب» كما وصفهم رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب.
ومن هنا طبعاً، يمكن فهم الخطوة التالية على البرنامج، حيث تشكيل حكومة بصيغة تدعو إلى التوازن في مقابل التيار الإسلامي الذي خطف عملياً الشارع والبرلمان.
والمعنى هنا أن مواصفات رئيس الوزراء الذي يرجح أن يؤدي اليمين الدستوري صباح الأربعاء، وهوية طاقمه الوزاري، مسألتان حسمتا في إطار تداعيات وارتدادات تلك الرسالة الإقليمية، الأمر الذي يفسر عملياً لغز وسر توفير فرصة أهم لتشكيل وزارة جديدة بحضن مدير مكتب الملك الدكتور جعفر حسان.
الملك قبِل استقالة الخصاونة، وكلف حسان، وخطاب التكليف، ركز على مسار التحديث لمنظومات الدولة، وهو سياق يعزز القناعة بأن القصر الملكي سعى لإظهار «التوازن» عبر تشكيل حكومة «لا تشبه البرلمان» من حيث وجود أجندة التيار الإسلامي، والهدف الأبعد والأعمق هو بالتأكيد موازنة الرسالة الإقليمية الأولى.