الأردن: هل «ارتدّت» وزارة حسان عن «التحديث السياسي»؟
عمان – «القدس العربي»: الفارق سياسياً وإعلامياً وشعبوياً، كبير ولا يمكن إنكار تأثيره السلبي على خط ومسار تحديث المنظومة السياسية في الأردن ما بين فتح قنوات حوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على أساس مناطقي وجهوي، أو بين فتح الحوار نفسه لكن على أساس الأحزاب وكتلها في البرلمان.
تبدو الحكومة هنا، وقد تشكلت قبل أسابيع فقط، ليست معنية بالتصرف قبل انعقاد دورة البرلمان على أساس وجود حالة حزبية متكرسة ومرخصة وعميقة تم تمثيلها في الانتخابات البرلمانية ويمكن أن تشكل جسراً للتفاهم بين السلطتين.
حتى اللحظة، لا أحد يعلم بعد لماذا لم يجالس رئيس الوزراء الجديد الكتل البرلمانية الحزبية المعلنة. ولا أحد يعلم لماذا تؤجل الحكومة أو لا تريد الاحتفاظ بأوراق التواصل مع الأحزاب السياسية وممثليها في البرلمان بدلاً من العودة إلى لهجة الماضي ومرحلة ما قبل مسار تحديث المنظومة السياسية عبر التواصل مع النواب جهوياً وحسب أقاليمهم الجغرافية.
الصورة تبدو مشوشة هنا حتى على عتبة مكاتب رئاسة الوزراء، مع أن سلسلة قرارات اقتصادية لا تتميز بأي شعبية قررتها الحكومة الجديدة ويفترض أن تمررها عبر تهدئة اللهجة والاحتقان مع مؤسسات حزبية وليس مع نواب يمثلون الجهات الجغرافية في البلاد.
يرصد أوفياء لتجربة العمل الحزبي تراكم ملاحظات بهذا المعنى.
رئاسة الوزراء فيما يبدو اختارت مبكراً ارتكاب ما وصفه الوزير السابق الدكتور صبري اربيحات بخطأ غير مفهوم عندما قرت توزير قيادات حزبية.
ولكن من دون أحزابهم، الأمر الذي أنتج قدراً من البلبلة السياسية لا بل طرح رسائل غير مفهومة عن جدية الحكومة الجديدة في الالتزام بمعايير التحديث الذي أصبحت وثائقه مرجعية، كما قال اربيحات وغيره، في جلسات حوار حضرتها “القدس العربي”.
لأسباب يمكن فهمها في البداية فقط أو تفهمها، أبلغ رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان الأحزاب السياسية عندما شكل طاقمه، بأن الوزراء الحزبيين تم اختيارهم في إطار الكفاءة والمهنية الشخصية، وفهم الجميع آنذاك عندما تشكلت الحكومة أن رئيس الوزراء الطازج لا يريد تدشين موسمه بالغرق في محاصصات للحقائب الوزارية على أساس حزبي.
مرر الجميع ذلك بهدوء في إطار فهم أعمق لحساسية المرحلة.
لكن تشكيلة وتركيبة مجلس الأعيان التي أعلنت الأسبوع الماضي كانت أيضاً غير مفهومة فيما يتعلق بجزئية تجاهل الشكل الذي تقرر مرجعياً للإطار الحزبي، مع أنه حظي بكل التوافقات الوطنية.
لاحقاً، تشكلت وتكونت الحكومة وهضمها المناخ العام، وعندما بدأت تبرز ملامح تشبيك التواصل والاتصال بين السلطتين، حرص بروتوكول رئاسة الوزراء فيما يبدو مجدداً على مخاطبة النواب إما فردياً أو جهوياً؛ بمعنى بعيداً عن طرق أبواب أحزابهم التي لديها مؤسسات منتخبة وفقاً للقوانين.
الإشارة الأخيرة لم تكن مفهومة بقدر ما تعكس ضعف تأثير العمل الحزبي أو إيمان الحكومة بالأحزاب السياسية، لان واحداً من أهم محاذير إشراك الأحزاب السياسية في عملية الطبخ السياسي والتشريعي هو ذلك الذي يؤشر إلى سعي الحكومة ورئيسها لتسييس مسافة غير مفهومة مع حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، الذي حظي بكل الشرعيات ضمن مسار تحديث المنظومة السياسية.
يلاحظ هنا أن المسار نفسه يتراجع في ضوء دلالات ما يرشح عن الحكومة، وفقاً للمحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة، الذي أعاد في نقاشات مع “القدس العربي” طرح الأسئلة التي تحاول تذكير رموز الحكومة بوجود مسار مرجعي عنوانه هو العمل الحزبي.
عملياً، إصرار مكاتب رئاسة الوزراء على التعامل مع نواب البرلمان تحديداً إما بصفة شخصية فردية أو جهوية، مؤشر غير تحفيزي يعاكس منطوق وبوصلة مسار التحديث السياسي في البلاد.
الصورة فعلاً أصبحت ضبابية؛ لأن برلمانيين كباراً لاحظوا مبكراً أن رئيس الوزراء لا في مرحلة التشكيل والتشاور ولا حتى فيما بعد مرحلة التكوين والنشأة، حرص على إظهار قدر من الرمزية في التعاطي مع مؤسسة المجلس المنتخب، مع أن الأحزاب السياسية حصراً هي العنوان الذي يمكن التفاهم عبره الآن وقبل التورط بذريعة عدم انعقاد الدورة البرلمانية.
وزير الشؤون البرلمانية وصاحب الملف السياسي عبد المنعم العودات، يجتهد بنشاط في ملء المساحات الفارغة هنا، ولا يبدو أن الحكومة تساعده في العزف المنفرد على إبقاء مسار تحديث المنظومة حاضراً قدر الإمكان في الحوارات واللقاءات.
ولكن يد العودات لا تصفق منفردة، وأغلب التقدير أن مرجعيات مجلس الوزراء لا تستمع للنصائح والخبرات بالطرق الملائمة والمنتجة حصراً عندما يتعلق الأمر بكيفية إدارة العلاقة مع مجلس نواب حزبي.
المفارقة هنا أن عدد النواب الحزبيين في البرلمان بموجب ما هو مسجل رسمياً وقانونياً، هو 104 نائباً من أصل 138.
تلك المفارقة الرقمية تصبح مقلقة أكثر؛ لأن هؤلاء النواب الحزبيين يسيئون لأحزابهم في الواقع ويهمشونها عندما يقبلون بفكرة التواصل الحكومي فردياً أو جهوياً معهم، فيما لا تنتبه الحكومة إلى أن التعامل مع كتل حزبية منهجي ومؤسسي أكثر ومنتج بعمق؛ بمعنى أن التعاطي مع مؤسسية حزبية تعبر عنها كتل برلمانية يعفي الحكومة من التعرض لكمائن المطالب الفردية أو حتى الجهوية، خصوصاً تلك التي تتطلب نفقات مالية. لكن سلوك الحكومة في الواقع أو لنقل بدقة رئيسها، غير مفهوم بعد.
لسبب غامض حتى اللحظة، يقبل النواب أنفسهم أن تنفرد بهم الحكومة هنا وهناك بعيداً عن أحزابهم.
ولسبب أكثر غموضاً قد يتعلق بغياب المعلومة وسوء التقدير ليس أكثر، تقبل أركان الحكومة هذا النمط من التواصل الذي يحقق نتائج معاكسة لمسار تحديث المنظومة المرجعي، أو على الأقل يوحي بما يعاكسه.
تلك المفارقة أصبحت أقرب إلى لغز بيروقراطي وسياسي تزيد تعقيداته في المشهد السياسي العام عند قراءة صيغة نبأ أو خبر نشرت مؤخراً في وسائل إعلام وصحف مقربة من الحكومة بعنوان “مذكرة حبس بحق رئيس مجلس وطني في أحد الأحزاب السياسية الوسطية على ذمة قضية مالية تزيد قيمتها عن 70 مليون دينار”.
نشر الخبر المثير بهذه الصيغة عبر أذرع إعلام الحكومة قد يوحي بما لا يريد كثيرون تصديقه من “ردة” سريعة حصلت أو تحصل، تمارسها الحكومة أو تسكت عنها ضد مسار تحديث المنظومة السياسية.