الأردن و«الانتقالية» في غزة: تدريب «شرطة» وتفحص «المشاركة في قوة إسلامية» وجاهزية لـ «تعافي منظومة الصحة»

عمان – «القدس العربي»: لا أسس واضحة وعلنية يمكن الاستناد إليها في الحديث مجدداً عن غياب الأردن في مشهدية قطاع غزة، حتى وإن كانت الهوامش الطبيعية والسياسية المعروفة للجميع هي السبب المباشر في ابتعاد عمان عن طاولة الوساطة والمفاوضات لاعتبارات قد تكون مفهومة.
الأردن الرسمي ليس طرفاً مباشراً على طاولة المفاوضات بشأن غزة، لكن الأمل السياسي والرهان متاحان بعنوان «وصول مبادرة الرئيس الأمريكي أكثر لمناطق مستعصية في الملف الفلسطيني».
السؤال حول إمكانية ذلك محرك أساسي في انشغال الأردن بالبقاء قريباً من المسار الأوروبي المهتم بـ «حل الدولتين».
خطاب الرئيس ترامب في الكنيست الإسرائيلي، برأي السياسي والخبير الأردني البارز الدكتور محمد الحلايقة، لا يعزز أي أمل حقيقي.
يشعر الحلايقة، كما يشرح لـ «القدس العربي»، مجدداً بأن خطاب المبادئ والثوابت الأخلاقي في اللهجة الأمريكية المعلنة ينسحب أحياناً بالقطعة والتقسيط إما لصالح خطاب «الفهلوة» السياسية، أو لصالح مسوغات البوصلة الانتخابية هنا وهناك، مع التأسيس لوجهة نظر تقول بأن خطاب ترامب في الكنيست قبل توقيع اتفاق شرم الشيخ أفرط في الحماسة اللفظية لدعم اليمين الإسرائيلي، وهو أمر يقدر الحلايقة أنه لا يدعو للتفاؤل.
مع ذلك أوساط عمان السياسية بدأت تنظر للاستعراض الذي قام به الرئيس الأمريكي في شرم الشيخ، وقبل ذلك في الكنيست، باعتباره في المواصفة الأردنية أقرب إلى صيغة أو سيناريو «ما يطلبه الجمهور».
والمعنى هنا أن الرئيس ترامب يغلف مبادرته بشأن غزة التي دعمتها جميع الدول العربية بستار من التهكم والسخرية لا بل والتناقض.
ترامب فيما يبدو يتقصد بتقدير الحلايقة وآخرين، البقاء في دائرة ملف غزة فقط دون انسحاب مبادرته أو معادلته عن السلام على بقية الفصول الملتهبة في القضية الفلسطينية، خصوصاً أن الشعب الفلسطيني أثبت بحجم هائل من التضحيات في قطاع غزة أنه لا سلام في المنطقة ولا استقرار في الإقليم بدون حقوق الشعب الفلسطيني ومواجهة عذاباته مع الاحتلال.
المقاربة الأردنية تتجاوز بطبيعتها وتركيبتها الحسابات الضيقة. وحتى في ملف غزة، فقد دعم الأردن مبادرة الرئيس ترامب بقوة وتعامل معها باعتبارها جسراً نحو عودة المفاوضات والاستقرار وتجنب صدامات عسكرية مكلفة على جميع الأطراف.
وفي الوقت الذي لا يتعامل فيه الأردن الرسمي في كل حال بحماسة مع فكرة المزاحمة على طاولة الوساطة، يبقى دور عمان محورياً ومفصلياً في تثبيت ما اتفق عليه الفرقاء بشأن غزة، حيث الجغرافيا والحدود مع فلسطين المحتلة عامل أساسي في إرسال قوافل المساعدات والإغاثة، وحيث المستشفيات الأردنية الميدانية خبرتها مع أهل غزة تزيد في السقف الزمني عن ربع قرن، وحيث سيناريو مجدول الآن قد ينتهي باستعداد الأردن لتدريب وتأهيل مئات أو آلاف من عناصر الأمن والشرطة الفلسطينية التي ستتولى إدارة الأمن الداخلي وأمن المساعدات في المرحلة الانتقالية التي تدير فيها هيئة تكنوقراطية فلسطينية قطاع غزة. لا بل الانطباع أن الأردن لم يعد يمانع -كما كان في السابق- المشاركة بتأسيس قوة مهام دولية الطابع بغطاء عربي وإسلامي يدعمه مجلس الأمن الدولي، ويعمل على إدامة تثبيت وقف إطلاق النار وتمكين أهل قطاع غزة من استعادة التعافي.
وفي الفهم الأردني ثمة تصور لتمكين كل اللاعبين للإفلات من كمائن تصورات اليمين الإسرائيلي المتشدد فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة.
تلاحظ غرفة القرار الأردنية العميقة بأن سيناريو بنيامين نتنياهو في السيطرة الأمنية الشاملة على غزة لا بل الاستيطان فيها أيضاً، ذهب أدراج الرياح، وأن طبيعة المواقف الدولية تحاول وضع آليات لا تسمح باختراق وقف إطلاق النار الدائم. وهي خطوات يرحب بها الأردن ويعتبرها أساسية في بدء تدشين كل مشاريع إنقاذ أهل غزة واعادة الإعمار. في القطاع الصحي تتفاعل خلايا ظل فنية أردنية مع خطط ورغبات مؤسسات دولية بأن يساعد الأردن بخبرته في إعادة إصلاح البنية التحتية للقطاع الطبي والصحي في منظومات غزة.
والخلايا ذاتها تتوقع أن الأردن جاهز للمساعدة في قطاع التعليم؛ لأن السوق الأردنية متاحة لشراء كميات كبيرة من البضائع والمنتوجات مع توفير كلفة النقل البسيطة لأي طرف لا يريد الاعتماد على السوق المصرية، خصوصاً في البقوليات والغذاء.
اعلنت الهيئة الهاشمية الأردنية للإغاثة، مرتين على الأقل في أسبوع واحد، استعدادها الفوري لإرسال قوافل مساعدات وتشغيل جسر بري نحو غزة.
وزير الخارجية أيمن الصفدي صرح بأن بلاده جاهزة في لوجستيات الإغاثة والمساعدة بمجرد زوال القيود الإسرائيلية، وهو الأمر الذي لم يحسم بعد ولم تبرز ملامحه الإسرائيلية في إطار حالة الفوضى والتشدد على واجهة الحدود الأردنية في الأغوار مع فلسطين المحتلة.
الأردن بالمعنى الرسمي، تابع طاولة المفاوضات والوساطة وحرص على أن لا يكون طرفاً فيها لأسباب واعتبارات مفهومة، لكن لديه جاهزية خبيرة لدعم وتمكين أي بنية تحتية إدارية من أجل التعافي طويل الأمد في قطاع غزة، حيث خبرات قريبة وموجودة ومتاحة في الجوار يمكن الاستثمار فيها لدعم حالة الاستقرار والهدنة الطويلة ووقف النزيف.
تلك الميكانيزمات الأردنية مقصود لها أن تتعامل بحذر مع ألغام ملف غزة المقبلة حتى وإن تقلصت هوامش المناورة أمام هدف الأردن الأهم بعد غزة أولاً، وهو الضفة والقدس ثانياً.