اراء و مقالات

فوضى التسعير وملف الطاقة الأردني… «العطارات»: مغالطات مع غموض… متى وكيف حصل الغبن؟

عمان- «القدس العربي»: حقاً ثمة مغالطات، وبالتأكيد ثمة تشويش ومسارات سياسية عندما يرتبط الأمر بعودة الأضواء فجأة إلى ملف أمن الطاقة أردنياً، والأهم إلى مشروع العطارات الصيني أو الذي يحظى بغطاء تمويلي صيني أثار الجدل.
يقيناً، إن الأضواء عادت إلى هذا المشروع الحيوي لأسباب غامضة، والمرصود أن صحفاً متخصصة ودولية مثل الفايننشال هي التي رغبت لسبب أو لآخر بإثارة الضجيج مجدداً عندما افترضت بأن الحكومة الأردنية خسرت قضية التحكيم التي لجأت إليها دولياً وستخسر مئات الملايين من الدنانير.
تلك رواية من الصحافة الأجنبية لها علاقة بالجزء المرتبط بالتحكيم الدولي بعدما أوقفت حكومة أردنية سابقة العمل بمشروع العطارات جزئياً لإعادة الاتفاق على التسعير وفقاً لرواية السلطات الرسمية طبعاً. ثمة من كتب ونشر وقال إن الحكومة الأردنية خسرت طلبها الاعتراض في التحكيم الدولي، لكن مختصين عادا وأكدا بأن قضية التحكيم الدولي تحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن قصة فرض غرامات بعد شكوى صينية أصلاً على الأردن ليست واردة من قريب أو بعيد، مع أن الصحافة الأجنبية تتحدث عن “شكوى صينية” لم تتوثق أردنياً.
وزيرة الطاقة السابقة هالة زواتي، لديها بعض الملاحظات وتحدثت عن مغالطات غريبة في مقالات نشرت حول مشروع العطارات، معتبرة أن الحصافة تفترض أصلاً عدم التحدث في مسألة قيد التحكيم.
فكرة زواتي، كما فهمتها “القدس العربي” باختصار، أن المشروع قائم ولم يتم توقيفه أصلاً، لا بل يضخ وينتج الكهرباء للشبكة بكل قدراته واستطاعته، لذا لم تتخذ أي حكومة قراراً بتوقيف المشروع، واللجوء إلى التحكيم الدولي مسألة تخص الخلاف على التسعير فقط. روايتها تتضمن نفي وجود غرامات لا اليوم ولا في المستقبل، فالقصة تتعلق بسعر الشراء. وإن خسرت الحكومة الأردنية قضية التحكيم، يبقى العقد مع الشركات المستثمرة بكل بساطة، وهي صيغة أكدها خبير مختص هو الدكتور ماهر حجازين، شارحاً بالتفصيل لوكالة “عمون” الصحافية.
في الجانب السياسي أثير الغبار بكثرة حول هذا المشروع، وربطه سياسيون وخبراء عملياً بمقولة تفترض في أن ضغطاً سياسياً أمريكياً حصل على حكومة الأردن لإعادة إنتاج أو منع نمو مشروع ضخم بتمويل صيني لأغراض تمرير اتفاقية الغاز. عاد مشروع العطارات للأضواء ضن رواية جديدة تقدمت بها عن التحكيم الدولي صحف أجنبية.
وشاركت تقارير محلية في التأويل والتهويل وعرض المعطيات، لكن الحكومة تقول مصادرها إنها تصمت ليس عجزاً عن تقديم رواية، بل لأغراض قانونية، فوزارة الطاقة الأردنية لا مصلحة لها في كثرة الحديث إعلامياً في ملف اشتكت به إلى التحكيم الدولي تحت عنوان رفع الغبن والضرر في الأسعار. السؤال الذي تتجاوزه كل النقاشات الرسمية حتى الآن هو الأهم.
بمعنى آخر، لماذا لم يحصل تدقيق وتحقيق في الجزئية المتعلقة بالأسعار التي تم التعاقد عليها في عهد حكومة سابقة، والتي اعتبرتها حكومة أردنية لاحقة غير منصفة وتغبن البلاد؟ يطرح هذا السؤال رغم قناعة الخبراء بأن عملية التسعير عندما وقعت اتفاقيات المشروع كانت منصفة تماماً في توقيت التوقيع، ومرتبطة بحسابات أسعار الطاقة والكهرباء في الأسواق العالمية وفي أسواق المنطقة.
ومن ثم لا شبهات تتعلق بغبن مقصود، وقد لا تتوفر شبهات سياسية الطابع عند الحديث عن قرار الحكومة السابقة بأن الخزينة تعرضت للغبن، وبأن لديها فرصة لإعادة التسعير.
ما يقوله الخبراء العاملون مع الشركات المستثمرة في العطارات باختصار هو أن الاتفاقية الموقعة ملزمة حتى في أسعارها، لكن الحكومة لم تسمح بإعادة التفاوض، ولم تصغِ لحلول وسطية، وأغلقت ملف التفاوض وقررت جزئياً وقف العمل ببعض تفصيلات المشروع، وأغلقت باب الحوار ثم لجأت للتحكيم الدولي.
وبسبب تناقض بعض السرديات الرسمية وإغلاق الباب على التفاوض مع المستثمرين، أنتجت كميات الإثارة الإعلامية والسياسية حول المشروع الذي يمكن اعتباره أول مشروع استراتيجي ضخم يحظى بغطاء تمويلي من القطاع المصرفي الصيني.
مجرد ذكر اسم الصين في المشروع بالتزامن مع جدل اتفاقية الغاز الإسرائيلي كان بحد ذاته مدعاة لطرح الأسئلة وإنتاج السيناريوهات المغرضة.
وثمة خبراء اقترحوا أيضاً حصول غبن في الأسعار التي تم التعاقد عليها مع الغاز الإسرائيلي، لكن الحكومة لم تتحرك هنا لا باتجاه التحكيم الدولي ولا غيره.
مسألة التسعير في الاتفاقيات الاستثمارية الضخمة وفي مشاريع الطاقة حصراً صعبة ومعقدة وتبقى غير مستقرة، لأن ما كان غبناً قبل سنوات قد يصبح إنجازاً وطنياً عند التوقيع اليوم، والعكس دوماً صحيح.
الأسعار متحركة ومرتبة بالأسواق الدولية، ولا توجد آلية كما فهمت “القدس العربي” من وزير سابق للطاقة؛ فالكون كله تضمن التسعير بدقة بعيداً عن الغبن في مثل هذه المشروعات لأي مفاوض أو مسؤول أو موظف بيروقراطي يوقع على وثائق أو يوصي بها.
وتحرك الحكومة السابقة ضد مشروع العطارات حجته الأساسية الشعور بالغبن والرغبة في إعادة التسعير؛ لأن الحكومة مجبرة بموجب الاتفاق على شراء كهرباء منتجة في المشروع بأسعار تقرر أنها ظالمة.
لكن ما لا تقوله الحكومة السابقة ولا الحالية هو السبب الذي دفعها لإقفال أبواب التفاوض المباشر مع المستثمرين على آلية تسعير جديدة عادلة للطرفين، والفراغ هنا واضح، والإجابة على السؤال معلقة؛ مما سمح ويسمح بزحام الاجتهادات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى