اراء و مقالات

هل بدأ الأردن لعبة «شطرنج» مع إيران؟: الرادارات «مدموجة» أصلاً والميليشيات «ذخيرة»

عمان- «القدس العربي» : قد لا يتجاوز السيناريو الذي يفترض بأن الأردن يتجه لحركة مغامرة في خريطة الشطرنج الإقليمية قريباً جداً، الانطباع دون وجود أدلة أو قرائن عملية على أن المسألة قد ترتقي إلى حقيقة.
صالونات وأوساط نخب عمان السياسية دخلت في سياق هوسي خلال الأيام القليلة الماضية، يحاول قراءة تموقع عمان السياسي إذا ما اندلعت مواجهات عسكرية إقليمية من الطراز الذي قد يبدأ دون معرفة أين وكيف وبأي كلفة ينتهي. ذلك تحت ستار ما تسميه تقارير الإعلام اليوم وسط صمت الحكومة وامتناعها عن التعليق بـ»تحالف عسكري جديد ضد إيران» يفترض أن يضم 8 دول عربية إلى جانب إسرائيل.

«الكرة في مرمى الإيرانيين»

في رأي السياسي مروان الفاعوري، ثمة مخاوف من الطراز الذي يقلق وجدان المواطن الأردني اليوم، لأن المشاركة بأي تمحور منطلق من اتفاقيات السلام الإبراهيمي أقل ما يمكن وصفه به «مغامرة كبيرة ينصح بحساب تفاصيلها جيداً».
لا قرائن أو معلومات عن تورط محتمل للأردن في مقترحات محددة لها علاقة بالأجندة المقبلة لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، لا بل أيضاً لاجتماعه بزعمائها. الأردن حريص على تجنب التعليق على مسار تلك التكهنات، وما اقضى به أحد المسؤولين لـ«القدس العربي» يركز على وجود مشكلة سياسية وأمنية مع الإيرانيين عنوانها حتى اللحظة إصرار ميليشياتهم على دعم وتمويل عمليات تسلل عبر سوريا، لكن هذه المشكلة لا تعكس أزمة كبرى ولا تعني عدم وجود اتصالات وإن كانت لا تعني بالتوازي الامتناع عن توفير مادة أو ذخيرة تضغط على الأردن أكثر في مسألة ميليشيات سورية والحدود، وبالتالي تحصره أكثر في زاوية الضغط الإسرائيلي أو الترتيب الأمريكي وعلى رقعة الشطرنج المتحركة.
«الكرة في مرمى الإيرانيين، وقد أبلغناهم مخاوفنا».. قالها المسؤول نفسه وهو يحاول التأشير على عدم وجود نوايا سلبية بالاتجاه المعاكس لطهران في بلاده، وأي دور لعمان في تصعيد محتمل ضد الإيرانيين مرهون بحرص طهران على عدم توفير ذخيرة تبرر استجابة الأردن للضغط مع أنه يتحرك في المشهد بزاوية ضيقة وحرجة.
الانطباع كبير وسط مراكز القرار الأردني بأن عمان لا مصلحة لها بالمغامرة ضد الإيرانيين، ولا مصلحة لها بالانضمام إلى أي تحالف عسكري الطابع ضدهم. وأيضاً لا مصلحة لها بالتصفيق لأي ترتيب أمريكي يقترح اليوم ما يسمى بدمج الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي، ليس لأن عمان ضد مشروع من هذا النوع، فهو قائم أصلاً وبنسبة كبيرة عبر القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى وغرف العمليات والتنسيق الثنائي بين حلفاء واشنطن، لكن عمان قد تكون ضد إعلان سياسي في هذا السياق.
في كل حال، يحسب الأردني بدقة ليس نواياه فقط، لكن مساحات المناورة التكتيكية مع رغبة كامنة يعبر عنها كبار المسؤولين في المجالس بعدم التورط في أي مخطط أو مشروع ضد الجمهورية الإيرانية.
وشرطهم المنطقي للأمر قياس مستوى الاستجابة الإيرانية لمشكلات الحدود الأردنية مع سوريا، حيث دعم المخدرات، وهي طبعاً اتهامات أرسلت الخارجية الإيرانية من يسأل عنها قبل نفيها من قبل سفارة طهران.
في القراءة الأعمق للمشهد نفسه جزئية لا تسقط من حسابات التحليل، فالأردن يبني رهاناته على قناعة بأن الحديث عن دعم عملية عسكرية ضد إيران صادر عن نخب وأذرع إعلام اليمين الأمريكي والإسرائيلي فقط ولم يصدر بعد عن طاقم بايدن. وفي الرهان نفسه حسابات تستبعد تماماً شمول العراق في وضعه الحالي بأي خطة عسكرية من أي صنف يمكن أن تخاصم إيران. وكذلك تعقيدات الوضع في سوريا. لكن ذلك لا يمنع الحرب التي يمكن أن تلحق ضرراً بالجميع، على حد تعبير السياسي الأردني البارز الدكتور ممدوح العبادي، وهو يلاحظ أمام «القدس العربي» بأن الأردن خبير وعميق ويعرف حدود المغامرات ولديه طاقة وأوراق لتأسيس ميزان المصالح.

ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟

الحديث عن توترات عسكرية شاملة في الإقليم بالنسبة للمقياس الرسمي قد لا يكون أكثر من «فرضية» حتى الآن، لأن إدارة بايدن في الجزء الإيراني من المشهد مشغولة جداً بأسعار النفط أكثر من انشغالها بحماية ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي أو بإخضاع الإيرانيين.
رواية أطراف أخرى في الشارع قد تكون مختلفة، بدلالة البيان الصادر مساء الثلاثاء عن حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، الذي يحذر حكومة البلاد من المغامرة بالانضمام إلى تحالف عسكري استراتيجي يضم الكيان الصهيوني، ثم يطالب بالكشف عن حقيقة مشاركتها في تحالف عسكري من هذا النوع برعاية أمريكية تحت عنوان توفير منظومة دفاع موحدة تستهدف دولاً إسلامية في المنطقة.
ذهب بيان الجبهة إلى ما هو أبعد، وهو يعتبر أي مشاركة أردنية في مثل هذا التحالف خيانة لدماء شهداء الأردن وفلسطين.
يعلم الإسلاميون أنهم يبالغون قليلاً هنا مع تكرس انطباع الجميع بأن عمان لديها الخبرة الكافية في إدارة التوازنات والمخاطر، وحتى في المغامرات عندما تحصل، إلا أن هواجس ومخاوف الشارع بالجملة هذه الأيام من سيناريو الاشتباك مع إيران ونفوذها ضمن صفقة إسرائيلية أو مشروع أمريكي جديد.
لكن وفي حال العودة لما يرشح من معطيات عميقة قليلاً في الرسمي الأردني، يمكن القول بأن إطلاق مواقف ملاحظة على إيران أو معارضة لها أو تغازل الأمريكيين أو تجامل الإسرائيليين وتكتفي شرهم، سلوك سياسي قد يوفر هوامش مناورة. حتى مساء الأربعاء ومن باب التحليل فقط، يمكن القول بأن الأردن برسم الجملة الدعائية والسياسية مضادة للإيرانيين، لكنه ليس في موقع الاشتباك المباشر، فبعض الرسائل وصلت لطهران، وثمة حوار مصالح صغير.
في المقابل، اتخذت خطوات أمنية عميقة على الأرجح سياسياً؛ حرصاً على التوازن، مثل تشغيل بطاريات الحماية المضادة، ومراقبة نشطاء محسوبين على تيار المقاومة وإيران في الساحة المحلية، وأيضاً مثل الاستعداد للردع الحدودي الأمني مع العراق وسوريا إذا ما استخدمت مجموعة مسلحة منفلتة طائرات مسيرة وحاولت التسلل، إضافة إلى رفع الجاهزية الأمنية على الحدود مع سوريا والعراق.
تلك خطوات من أبسط حقوق المواطن الأردني على دولته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى