«فاصلة» أم «صفر»؟ فانتازيا ملف «مزرعة الإماراتي والمياه» في الأردن
صـفاء المـومني عضو البرلمان تشرح «الحكاية» لـ«القدس العربي»
عمان- «القدس العربي»: فاصلة أم صفر؟
لم يكن ممكناً أن يخطر على ذهن أستاذة الكـيمياء وعضو مجلس النواب الأردني الدكتور صـفاء المـومني، أن الجميع قد يطـرح سـؤالاً بهذا المعنى وسـط حالة الـغرق الـعامة في محـاولة تفـكيك دلالة رقم يفـترض أن لا يختلف عليه القـوم علمياً، وله عـلاقة بسـؤال دستوري وجّهته المومني إلى الحكومة حسـب الأصـول.
بشجاعة واضحة ووسط إشارات فانتازيا إعلامية وسياسية، تشتبك النائب المومني مع تداعيات سؤالها الذي فجر قضية رأي عام، وتقر بأن السؤال وجه رسمياً للحكومة في شهر تموز الماضي، لكن سوء حظ تلك الحكومة دفعها لتقديم الجواب حسب الأصول بعد أشهر. وجدت النائب المومني نفسها أمام مقاربة سياسية بامتياز، عنوانها سؤال نادر: حقاً، هل هي مجرد فاصلة في سياق الترقيم أم النقطة التي اعتاد عليها الجميع في الكتابة العربية، التي تدل على «الصفر»؟
سؤال واستجواب
السؤال يتعلق برد على استفسار فرعي من سؤالين أساسيين وجهتهما المومني للحكومة منذ عدة أشهر.
صـفاء المـومني عضو البرلمان تشرح «الحكاية» لـ«القدس العربي»
والفرعي هنا يحاول أن يطلب من الحكومة مسألتين: الأولى هي التوثق من أنها تحسب الكميات من استهلاك آبار جوفية في مزرعة مشهورة جنوبي البلاد وفي الصحراء، ارتبطت بما ذكرته «القدس العربي» في تقرير لها ظهر الاثنين، باسم مزرعة الإمـاراتي. والـثانية هي معرفة كمية المـياه التي تستخـرج من آبار تـلك المـزرعة.
بعد أشهر من توجيه السؤال، تلقت المومني الإجابة في عمق وعنق أزمة المياه، وفي توقيت يلائم جدل التطبيع، مع أن السؤالين لا علاقة لهما -كما تشرح صاحبتهما- بما يثار من نقاش حول اتفاقية الماء والكهرباء بغطاء إماراتي. وتؤكد المومني في شرح خاص لـ«القدس العربي» بأنها لم تقتنع بإجابات الحكومة، لهذا أحالت السؤال إلى استجواب. وبعدما فعلت ذلك، فوجئت برد الحكومة المعلوماتي يصل إلى مجلس النواب، لكنها لم تقتنع أيضاً.
بعيداً عن تفاصيل الأسئلة وفروعها، تحاول المومني التذكير بأنها قبل النيابة أستاذة كيمياء، ولديها القدرة على مسألتين، هما: ترصد وتحري الدقة الشديدة، وثانياً معرفة الفارق في كتابة الرقم بين اللغتين العربية والإنجليزية.
في الكتاب الذي تلاقفته الصحافة الأردنية، يتحدث وزير المياه محمد النجار عن ست آبار في مزرعة مسجلة باسم ديوان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان في منطقة رم جنوبي البلاد، استهلكت ما قيمته بالرقم النصي «204 مليون» متر مكعب من المياه.
الرقم مخيف جداً وعملاق من حيث كمية المياه التي يسمح باستخراجها في مزرعة واحدة يملكها شخص بصرف النظر عن هويته. وقياساً بجدل الكميات المرافقة لاتفاقية دبي التطبيعية، تسبب الرقم – وكما ورد في كتاب الحكومة – بعاصفة من الجدل لم تقف عند حدود.
بسبب ذلك الجدل، اضطرت وزارة الزراعة للاستدراك قائلة بأن الرقم هو 2 مليون و400 ألف متر مكعب من المياه وليس 204 ملايين متر.
اللافت هنا أن وزارة الزراعة هي التي ردت علناً وليست وزارة المياه، وعلى ما تردد في الصحف وليس على استجواب النائب المومني، مما أنتج المزيد من الإثارة.
بالنسبة للمومني وغيرها، الفارق واضح بين كتابة «فاصلة» باللغة العربية أو «صفر» باللغة الإنكليزية أو العكس. والرقم المكتوب في مذكرة وزير المياه مكتوب بالأرقام العربية، وبالتالي خطبت المومني تحت قبة البرلمان معتمدة على رقم ورد في كتاب رسمي يفترض أنه كتب في وزارة المياه وأرسل إلى وزارة شؤون البرلمان، ثم إلى مجلس النواب، بمعنى أنه خضع لكل الفلاتر اللغوية. ولفتت المومني النظر إلى أن وزير المياه لم ينفِ الرقم عندما قرأته باللغة العربية.
خياران
تضع المومني، وهي تتابع استجوابها، الحكومة أمام خيارين، كلاهما يستوجب الاعتذار للشعب الأردني، وليس لها.
الأول هو أن الحكومة، إذا كان الصفر فاصلة في كتاب الوزير، لا تجيد كتابة اللغة العربية.
وإذا كان الرقم صفراً وليس فاصلة، فالحديث عن كمية ضخمة وعملاقة من المياه تستهلك على حساب الشعب الأردني العطشان، وفي مزرعة واحدة يملكها شخص، وهذا أمر يستوجب التأمل والتعمق.
حتى إذا كان الأمر أقرب إلى خطأ في الطباعة، تعتقد المومني وهي مقتنعة، بأن السماح لشخص واحد باستخراج ما قيمته 2 مليون و 400 ألف متر مكعب هو أيضاً موضوع يحتاج إلى النقاش عبر العودة إلى إدراك حصة الفرد الأردني من المياه.
طبعاً، تنتظر المومني التوضيحات مثل غيرها في الشعب الأردني، وترى بأن الحكومة ردت وتحدثت عن فاصلة وليس صفراً على الصحف وليس على النواب، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية فقط هي التي ردت على جزئية في استجوابها تتعلق بوجود مسلحين في مزرعة خاصة، قالت الوزارة إنها لا تعرف عنهم شيئاً.
في الرد على استيضاحات «القدس العربي» تصر المومني على أن الأجوبة التي وصلها مجتزأة وليست مقنعة في كل الأحوال، وتقول بالعامية الدارجة: «سواليف الحكومة لم أعد أصدقها».
وتعتبر أن مسألة الحرص على المياه تتجاوز ما كان يحصل في مزارع وادي عربة، وتستفسر بقدر من السخرية المسيسة عن ما إذا كان الرقم الذي كتبته الحكومة يحتاج إلى محلل خطوط، مؤكدة بأنها ليست هي التي أخطأت، وأن التشويش لدى الرأي العام نتج عن خطأ ارتكبته الحكومة أو ورد في مراسلاتها.
في كل حال، السؤال المشار إليه حول الفاصلة والصفر، وإن بدا ترفاً، إلا أنه تسبب بسلسلة صدمات في المجتمع، وأظهر مؤشرات التراخي في جبهة تفاعل السلطة التنفيذية مع حقوق السلطة التشريعية في الرقابة، حيث خلاف على مجرد رقم غير واضح في رسالة رسمية ينتج عنه جدل متعاظم وأرقام يقر الجميع بأنها مخيفة إن كانت دقيقة أصلاً.
والأهم، ينتج عنه أيضاً الدفع في اتجاه إلقاء الأضواء سياسياً ووطنياً ليس فقط على مزرعة الإمارات الغامضة تلك وسط الصحراء في منطقة رم، ولكن على مجمل ملف الاستثمار والتوظيف السياسي في محور عمان – أبو ظبي.
دوماً، تلك قصة أخرى.