اراء و مقالات

بعد تغريدة «أميرة» وقبل «رفع أوامر الدفاع»… مجلس نواب الأردن يحتد ويرتبك… وينتقد الشارع والحكومة

عمان – «القدس العربي» : قد لا تكون بين الانفعالات التي تجلس في مكانها السياسي على نحو منتج. رئيس مجلس النواب الأردني عبد الكريم الدغمي، وبعد حملة نقد شعبية وأحياناً شعبوية، يتحدث منفعلاً عبر منصة الرئاسة، رافضاً توجيه اللوم للنواب فقط، وداعياً إلى التشاطر على الحكومة وليس إلى المجلس.
في الأثناء، يتكئ رئيس اللجنة القانونية المحامي عبد المنعم العودات، على خبرته الواسعة في التشريع والعمل على تقدير مصلحة الدولة في الأثناء، وهو يعيد ويكرر النصيحة بأن يقرأ ما لا يُقرأ. فيما يلمح النائب الإسلامي المسيس عمر العياصرة إلى أن تغريدة وقعت باسم الأميرة غيداء طلال ضد بعض اتجاهات التشريع النيابية لم تعجبه، مقترحاً على الطاقم الوزاري القانوني في مطبخ الحكومة مخاطبة الشعب الأردني والتحدث إليه. وبالتالي، شرح معيار المصالح العامة التي تحققها تعديلات تشريعية مطلوبة وبإلحاح من السلطة التنفيذية.
بمعنى آخر مرصود، وبعد الاتجاه نحو تعديلات قانونية مثيرة جداً للجدل، يقف المزاج البرلماني بحديّة على الحافة فيهاجم من ينتقدون النواب ويتركون الحكومة في حالة استرخاء، ويعترض على جهل من ينتقدون، ثم يوجه النقد لطاقم الحكومة القانوني لأنه لا يشرح الأسباب الموجبة للجمهور، مع أن الوزيرة المختصة في الملف القانوني وفاء بني مصطفى، كانت وبجرأتها المعهودة موجودة وتحملت في مناسبتين على الأقل دون بقية الوزراء عبء الشرح والتوظيف والاشتباك.
طبعاً، وزراء آخرون مختصون بالعدل والتنمية السياسية والإعلام وغيرها من الملفات، لم يرصد لهم جهد محدد في شرح خيارات الحكومة التشريعية وخلفيات مصالحها، الا أن الانطباع العام يشير إلى أن النواب عموماً أزعجتهم مداخلة أميرة قالت رأيها في الواقع في مسألة حيوية تخص الجميع وفي البعد الإنساني. وهو رأي لا يمثل أي بعد، لكنه – في رأي قيادات النواب – فتح المجال أمام انتقادات موسعة من الناس.
عموماً، لا يحب الأردنيون مجلس نوابهم.. تلك حقيقة يعرفها غالبية النواب، وإن كان الشارع أحياناً لا يفهم لغة النواب، في رأي النائب العياصرة، كما فهمت «القدس العربي»، أو يميل إلى السلبية والسوداوية في توزين اتجاهاتهم التشريعية ومواقفهم. وبالنسبة لشركاء لا صلاحية لهم بالتشريع، مثل غرف التجارة والنقابات المهنية، لا يتم التعامل معهم بندية حقيقية في مسألة الشراكة عند المضي قدماً بتعديلات وتشريعات مهمة للغاية وأساسية.

ملاحظتان

وهنا برزت ملاحظتان، الأولى لنقيب المحامين الذي قال علناً بأن اللجنة القانونية في تعديلاتها على قانوني العقوبات والتنفيذ القضائي شاورتنا لكنها خالفتنا ولم تأخذ بأي من الملاحظات التي قدمناها، أما حوار اللجنة بخصوص قضايا الحبس والغرامة والشيكات والمتعثرين والديون في المجتمع فلم يتضمن -حسب ممثلين للقطاع التجاري الأهم في هذا السياق- لا شراكة ولا تشاوراً أصلاً. ولمح رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، إلى أن ذلك ما حصل، وهو لا يجوز. وقال نقيب المحامين إن اللجنة تجاهلت ملاحظات النقابات المهنية، فيما يعلن نشطاء حقوقيون ومدنيون بأن التعديلات في بعض الملفات الحساسة اجتماعياً، ليست إنسانية ولا مبررة.
طبعاً، كل هذا الجدال والحدية التي ظهر فيها النواب وهم يتجاوبون بمرونة مع تعديلات طلبتها الحكومة بإلحاح، له علاقة بقضايا الساعة المطروحة تشريعياً.
اقترحت التشريعات الجديدة فرض عقوبة الحبس والغرامة على محاولي الانتحار في المكان العام، ثم أربكت الأسواق والاقتصاد التجاري برمته بالقواعد الجديدة المتعلقة بعدم حبس المدين أو المتعثر قبل أن تتجه نحو نصوص رفضتها نقابة المقاولين ثم نقابتا المهندسين والمحامين، بعنوان التنفيذ القضائي.
أغضبت وأزعجت حزمة التعديلات تلك وأربكت أيضاً شرائح متنوعة في المجتمع، ويبدو أن ذلك نتج عن عدم إقامة حوار حقيقي، وعن عملية صمت الفريق الوزاري بصفة عامة وليس جماعية، وإلى حد ما عن تسرع النواب في القرار تحت سقف زمني، حيث العمر المتبقي لدورة البرلمان العادية الحالية قد لا يزيد على أربعة أسابيع، وحيث سياسات النواب عموماً غير شعبية ويتعرض لهم الجميع بالنقد، مع أنهم يوازنون في المصالح بين الجميع ويقومون بدورهم. وبين القطاعات المنزعجة أو الغاضبة أو المحتدة نقابات كبيرة متعددة أهمها نقابتا المقاولين والمحامين.
وبين المنزعجين أيضاً ممثلو غرف التجارة، وبصورة أقل مربكة غرف الصناعة، وأطراف معادلة الأسواق والنشطاء المعنيون بالحقوق المدنية والإنسانية، بعدما أمسك مجلس النواب بقانون العقوبات المستقر الضخم وبدأ يعيد قراءة بعض نصوصه تفاعلاً مع إلحاح حكومي على الأرجح، ناتج بدوره عن ضغوط دبلوماسية وحسابات وتقاطعات دولية، حيث السفارات نشطة في بعض مفاصل النصوص القانونية، وحيث صندوق النقد الدولي له رأي ويطالب ببعض التعديلات القانونية التي تخفف عن القطاع العام، وحيث مصالح دولة وخزينة تتأثر بتكلفة السجناء من المتعثرين وقضايا الشيكات، فيما يقترح النائب الظهراوي على الحكومة البدء بتوفير 147 ألفاً من أطقم القماش الخاصة بالسجن؛ لأن هذا الرقم من المواطنين مطلوب اليوم للقضاء بسبب التعثر المالي.

«التمييز بين النصّابين والمتعثرين»

اقترح الظهراوي التمييز بين النصّابين والمتعثرين، وقدر نحو خمسة من النواب جلست «القدس العربي» على طاولتهم، بأن إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الشيكات والديون قد يعني حقاً في أحد تفاعلاته ترك القانون ونظامه واللجوء في تحصيل الحقوق المالية إلى شرائح البلطجية والزعران.
الوضع مربك للغاية بسبب تلك التشريعات، فمجلس النواب يشعر بأنه هدف للجميع، والحكومة لا تشرح، والرأي العام محتقن أصلاً ولا يثق بمؤسسات الدولة، وما لا يعلمه هو أن هذه العملية التشريعية التصويبية المثيرة للجدل جزء من منظومة أعمق تحاول الحكومة عبرها الاستعداد لكل الأسئلة والوقائع الحرجة التي ستضرب الاقتصاد المحلي في العمق إذا لم يتهيأ الجميع لخطوة منتظرة، طالب فيها أيضاً بعض نواب المعارضة بعنوان «إلغاء أوامر الدفاع» بعد الخلاص من معركة فيروس كورونا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى