اراء و مقالات

قادة «المعلمين» في الأردن: «مصيرنا» ليس مهماً ولا نرد على «هواتف الإخوان»

ما هي الخطوة التالية حتى تبقى نقابة المعلمين الأردنيين في مستوى المنجز الوطني الدستوري الحضاري؟ يختصر هذا السؤال كل تفصيلات المشهد المتأزم والمفتوح على التدحرج تحت عنوان نقابة المعلمين الأردنيين.
بوضوح شديد، لا توجد إجابة مباشرة من جهة الحكومة على الأقل، لأن عدد المعنيين بإخضاع نقابة المعلمين في هرم السلطة، من الموظفين والمسؤولين ودعاة أقفال أبوابها تماماً وإلى الأبد، أكبر بكثير من عدد رموز السلطة الداعين إلى «تخليص النقابة» إما من مجلسها التأزيمي الحالي، كما يوصف في الإعلام الرسمي، أو حتى من التيار الإسلامي حيث الشيطنة والأخونة بالجملة وبدون وقائع مسندة.
خلافاً لمن التقتهم «القدس العربي» من المسؤولين، ثمة إجابة عن هذا السؤال عند أبرز قادة النقابة، وعندما طرحته «القدس العربي» مباشرة على نائب النقيب ناصر النواصرة وعضو المجلس كفاح أبو فرحان، كان الجواب حاراً وعلى الطريقة الوجدانية الأردنية وبصيغة «من الآخر، بدنا النقابة تعيش».
ما يريده نواصرة «أن تبقى النقابة» وأن لا يسمح للخلاف ولا للاجتهاد، بصرف النظر عن من أخطأ ضد من ومتى، بأن يغلق أبواب هذه المؤسسة. وهنا تحديداً وبالنيابة عن 13 من كبار ممثلي النقابة في مجلسها، يسأل النواصرة وأبو فرحان – على هامش زيارتهما التي تخللها حديث صريح وبالتفاصيل «القدس العربي» وغيرها عبرها: مصيرنا الشخصي، سواء كأعضاء مجلس أو حتى كأفراد، ليس مهماً على الإطلاق، والمهم فقط أن تبقى هذه النقابة.

«هل أكتب لكم على ورقة؟»

هي مساحة يهتم بها، مع شحنة وجدانية بوضوح، النقابيان البارزان النواصرة وأبو فرحان ورفاقهما، ثم يسأل الأول وباللهجة الدارجة القروية: هل اكتب لكم على ورقة؟.. يضيف النواصرة: لا أريد الانتخابات، ولن أترشح لها، وسأجلس أنا وغيري في بيوتنا، وأعود إلى مهنتي ووظيفتي، لكن لا بد من أن تعيش نقابتنا، وأن لا يصبح وجودها من عدمه أصلاً قيد النقاش. حتى لو رصدت ملاحظة هنا أو اجتهاد خاطئ هناك، فالنقابة للوطن، ومشروعها عابر للأنا والمجموع وللاجتهادات.
حضر الرجلان إلى مكاتب «القدس العربي» مع إيضاحات وشروحات واستعداد للإجابة بصراحة على كل التساؤلات. ولا يجد النواصرة ما يمنعه من البحث عن توافقات أو توازنات أو حتى صفقات تضمن أن لا يغلق باب نقابة المعلمين بصرف النظر عن الأشخاص والماضي، أو ما سيحصل في المستقبل، وهو يطرق مع زملائه في المجلس هذا الباب من زاوية وطنية، فالمعلم ملّ التعامل معه بقسوة وغلاظة، والمشهد التأزيمي لم يعد لائقاً بالوطن، وأعضاء الهيئة العامة بشر يجتهدون أو يخطئون أو يخونهم التعبير أحياناً، وليسوا كلهم على الموقف والمزاج نفسه، ومن المعيب أن يصطاد تعبير هنا أو هناك لكي يسحب على هذه الشريحة النبيلة والكريمة، التي ساهمت في البناء الوطني دون مزاودة ولا تفضل.
يبحث النواصرة ومعه أبو فرحان، بحزن، عن مبررات الخشونة في التعامل مع المعلمين، سواء على صعيد الفصل أو السجن أو العقوبات الإدارية المغلظة وحرب الأرزاق، فالباب كان دوماً مفتوحاً للحوار والتفاهم، ومفردة الإضراب لم تطرق إطلاقاً منذ أشهر، والإضراب الشهير كان له ظروفه واعتباراته، وفي الحرص والمسؤولية الوطنية وحتى بالفايروس لا أحد يزاود على المعلم الأردني.
تعرف السلطات أن 3 أعضاء فقط من أصل 13 في مجلس النقابة يمكن اعتبارهم منتمين للتيار الإسلامي، لكن سبق لـ»القدس العربي» أن استمعت للأمين العام لأكبر حزب معارض الشيخ مراد العضايلة، وهو يشتكي أصلاً من أن النواصرة لا يرد على هواتف الإخوان المسلمين. وهو ما يؤكده الرجل مجدداً، بعد الاحترام، للإسلاميين أو غيرهم، قائلاً بأن ما يعنيه فقط المعلم والربط مع الإخوان المسلمين مثير للضحك، ويشرح النواصرة: نعم، في عدة مواقف رفضت تلقي المكالمات الهاتفية من الإخوان وغيرهم.

«نحن الدولة»

ولكن سلوك الفرد عند تمثيل شريحة محترمة كبيرة –يشرح النواصرة– مسألة تقبل التقييم في كل الأحوال، فلا أحد يمتلك الحقيقة ويعبر عن الحق. وبالنسبة له ولمجلس النقابة، الابتغاء الوحيد بعد مرضاة الله كان تمثيل نبض المعلمين والقيام بواجب التمثيل بصرف النظر عن الكلفة والأشخاص، لأن الواجب المهني والنقابي فوق الاعتبارات.
يصر أبو فرحان ومعه النواصرة، على تذكير الجميع بأن كل قضايا الإصلاح لم تكن أولوية في خطاب النقابة وتحديداً الإصلاح السياسي أو غيره، وبأن الإخوان المسلمين يستطيعون التحدث عن أنفسهم، وبأن النظام والدولة في الأردن خارج السؤال بالنسبة للمعلم قبل غيره، حيث وحدة مصير، وحيث استماتة في الدفاع عن خيارات الدولة والنظام وبصدور عالية وبدون مزاودة، لكن الاجتزاء في المواقف حفل له راقصوه، كما حصل تماماً من اصطياد عبارة «نحن الدولة» خارج سياقها، فتم بثها وترويجها قبل الكلمات التي سبقتها وبدون تلك التي تبعتها. وكان المقصود بـ «نحن الدولة» الإشارة إلى أن المعلم الأردني جزء من الدولة وليس الحكومة فقط، أما الاجتزاء المريض فله هدف آخر وأجندة مختلفة على الأرجح، والعاقل يفهم هذا الكلام لأن المداخلة أصلاً كانت ضمن اجتماع داخلي ولم تكن مخصصة للبث والنشر. والقطاع هو الذي يمثل الجزء الأكبر من الدولة.
وحركة المعلمين المطلبية تقرأ في سياقهم فقط، وليس لها علاقة بأي اجتهادات أو فلسفات تحت «وهم» تحريك القطاع العام، فنقابة المعلمين مسؤوليتها المعلم الأردني وتمثيله فقط، وليس تحريك أي شيء أو أي أحد للمطالبة بأي شيء.
مؤسف ويدعو للحسرة أن يضرب المعلم، أن يسطح رأسه، أو يركل بالقدم. ومؤسف أن يأتي للمحكمة مكبلاً، وأن ترفع فجأة عدة قضايا بالتزامن، وأن لا يسمح للمعلمين بعرض بيناتهم، وأن يتم التحقيق وبناء قضية على أساس مسودة لم تكن معدة للنشر ومن الصعب في الواقع معرفة كيف نشرت، وإن كان يمكن استنتاج لماذا نشرت.
التأزيم مؤسف.. كذلك حالة الانسداد وتلك المعلبات في سياق المزاودة على المعلمين، إضافة إلى تهرب وزراء من اتفاقيات تم توقيعها.
مؤسف أيضاً، في عرف قادة نقابة المعلمين، التحدث عن تهمة مثل المساس بهيبة الدولة أو الإساءة إلى جلالة الملك، عندما يتعلق الأمر بعبارة خرجت أصلاً في اجتماع داخلي مثل «لو ارتدت علينا الكرة الأرضية» فهذه عبارة تشبه ما يقوله الفلاح الأردني عندما يصر على «حصد الزيتون» مثلاً، وبالتالي أخرجت عن سياقها لأهداف التحريض.
كل ذلك وغيره مؤسف جداً، ويدعو للحسرة.
لكن المؤسف أيضاً وأكثر -برأي وخلاصة ممثلي نقابة المعلمين الأردنيين- هو أن يحتطب البعض، ويضيق صدر السلطة، ويصبح النقاش في الأقنية وخلف الكواليس بعنوان «وجود أو عدم وجود نقابة المعلمين».
وعليه، يعيد النواصرة التأكيد: بصرف النظر عني وعن زملائي، وبصرف النظر عن المجلس الحالي واللاحق، وعن إجراء انتخابات أو تأجيلها، وبصرف النظر عن ما سينتج عن القرار النزيه المستقل قضائياً… كل ما نريده الآن أن تعيش وتبقى نقابة المعلمين، والباقي مجرد تفاصيل تصغر أمام الهدف الأكبر، فهل من مجيب».. هل من فاتح لباب التوافق والحوار وعلى أساس عدم وجود مقدسات في كل القضايا العالقة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى