الجميع يمارس الإفتاء.. ثنائية «الحزب بعد الجماعة» في الأردن: الإجابة تتأخر والسؤال عالق

عمان- «القدس العربي»: هل يحل «الحزب» بعد حظر الجماعة؟ هذا هو السؤال المتكرر الذي أصبح أقرب إلى متوالية هندسية تراكمية مطروحة تعيق ترسيم معالجات مطلوبة على صعيد الأزمة ما بين الحكومة والتيار الإسلامي.
تلك عملية تركيب وتفكيك لسؤال بلا إجابة حتى الآن، وبصيغة لا تشفي غليل الرأي العام ولا تجيب على المعادلة العالقة.
بسبب عدم وجود جواب حاسم على الأقل في الخطاب الرسمي حتى الآن تجاه مسألة من طراز مستقبل حزب جبهة العمل الإسلامي ووجوده القانوني، تزدحم الساحة بالاجتهادات الفردية والشخصية سواء داخل الحركة الإسلامية التي صدمت بقرار الحظر وبدأت تتجاوب وتتفاعل معه، أو حتى داخل أو في أوساط النخب.
الجميع يمارس «الإفتاء» في هذا المحور، خصوصاً في الصالونات السياسية التي لا تزال ترى في بعض الجوانب أن حل الحزب ليس هو الحل لا بل الحل الحقيقي عبر الحزب وبقائه للصدام والتأزيم مع حركة سياسية إسلامية الطابع وعريقة وموجودة بكثافة في غالبية مفاصل وأوصال المجتمع.
لا تقول السلطات ما هي وجهة نظرها في جزئية الحزب وبقائه ووجوده القانوني، وما يرد هنا أو هناك بين الحين والآخر. وما يتسلل ويتسرب من معطيات يشير إلى أن كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة، وأن السلطات تجيب بصيغة غير حاسمة عند الاستفسار.
قد يوحي ذلك بأن القرار السياسي بخصوص مستقبل أكبر احزاب المعارضة في البلاد في الإطار القانوني لم يتخذ بعد، والأسباب مجهولة عملياً؛ لأن الحكومة لا تتحدث بالموضوع.
السلطات السياسية وفي البرمجة المتعلقة بالخطوة التالية ما بعد الحظر، لديها معطيات وبرمجة محددة، ولديها معلومات وتوقعات في الوقت ذاته.
والمسألة مرتبطة بسياقات متنازعة.
واضح تماماً أن النسخة القديمة والمحظورة من جماعة الإخوان المسلمين تصرفت خارج سياق مصالحها في بعض الأوقات.
والمقصود هنا: الحركة الإسلامية لم تظهر قدرة على التعاطي مع التداعيات الخطرة التي دخلت فيها المنطقة والإقليم في ظل حالة السيولة الاستراتيجية التي استوجبت فيما يبدو وقف الاتجاه الداعي لأردنة معركة طوفان الأقصى.
التغييرات في فلسطين المحتلة وفي سوريا والعراق وفي المحور الإيراني، عناصر كانت تقول بكل اللهجات إن الاتجاه العكسي سيتقرر إذا ما أصر الإسلاميون على «أردنة الطوفان».
لذلك، تحول الاستفسار عن مصير ومستقبل «الحزب» إلى لعبة كلمات متقاطعة تسمح مع غياب نص مرجعي محدد هنا بـ «شخصنة» الاجتهادات، ما يبقي السؤال مطروحاً للأسبوع التاسع على التوالي، لا بل يتدحرج ويستنسخ «أزمة جديدة».
الحزب لم يعد في موقع يستطيع فيه فهم ما هو المطلوب منه، ولا يحصل على ضمانات في بقاء وجوده القانوني مستقبلاً، ولا الحكومة لديها هوامش مبادرة ومناورة حاسمة وفاصلة يستطيع من خلالها الحزب أن يفهم بوضوح وصراحة ما هو بصورة محددة المطلوب منه، علماً بأن بعض الرسائل في مسألة المطلوب المقصود وصلت لقيادات في الحزب.
تلك رسائل من شخصيات رسمية وبيروقراطية وأحياناً سياسية، تفترض بأن على حزب جبهة العمل الإسلامي مراجعة دروسه والقيام بالواجبات الموكولة إليه، ومعرفة ما هو المطلوب منه بصفة محددة من تلقاء نفسه.
قواعد الجماعة المحظورة من جانبها بانتظار حالة تتضح فيها الأحوال حتى تعلم بأن الالتحاق الجماعي بسجلات الحزب هي خطوة مطلوبة أو «سيسمح بها» مع الرسائل التي تؤكد للموقوفين من الإسلاميين ولغيرهم بأن تنفيذ أي نشاط باسم تنظيم محظور هو أقصر الطرق نحو المحاكمة والسجن.
الأوساط المهتمة ليس لديها تصور واضح عن مستقبل الحزب حتى تتجه إليه، ولا أحد على المستوى الرسمي يشجع الشريحة المؤمنة باللون الإسلامي السياسي في المجتمع على الانضمام أو الالتحاق بحافلة حزب أصبح وجوده قانونياً برسائل واضحة قيد الغضب والمجهول.
رسالتان بصورة خاصة ساهمتا مؤخراً في هذا المشهد الضبابي الذي يطال جمهور الحركة الإسلامية مع أنه لا مصلحة حقيقية للبلاد عمومًا في بقاء الضباب هو اللغة الدارجة.
الرسالة الأولى كانت في جلسة شهيرة لمجلس النواب هوجم فيها حزب جبهة العمل الإسلامي بقسوة تحت قبة البرلمان، لا بل برزت الدعوات عبر مقربين من تيارات الموالاة لحل الحزب والسيطرة على مقاعده عن القائمة العامة في البرلمان وعددها 17 مقعداً.
لكن صمود الهيئة البرلمانية بعدد كبير من المقاعد المسحوبة بهذه الطريقة ولأسباب سياسية وأمنية، مسألة ستنتهي بالتشكيك بشرعية التمثيل التشريعي.
وهو الأمر الذي دفع باتجاه اعتبار أن تلك الجلسة البرلمانية المشهودة حققت نتائج عكسية.
والإشارة أو الرسالة الثانية كانت عبر العبارة الملتبسة التي قيلت لوفد يمثل الحزب في الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات تحت عنوان «ملف مخالفات الحزب أحيل إلى النيابة، وقرار الحل وبقاء الحزب يبقى في يد السلطات السياسية العليا».
لكن النقاش هنا قاد إلى أجوبة غير ملائمة، حيث إن من يخالف القانون عليه أن يفهم ما هي المخالفة بأسرع وقت، ويحاسب قضائياً على أساس «حيثيات مكشوفة وشفافة».
دون ذلك، لا يستطيع الحزب اتخاذ الخطوات الداخلية المطلوبة افتراضياً منه.
في المقابل، سيبقى الجناح الصقوري داخل هيئات الحزب في منطقة «استحكام» داخلية ما دامت المخالفات مقيدة ضد مجهول أو لا تخضع للتعريف.
وضع ومشهد في غاية التعقيد تعيشه حالة التيار الإسلامي المحلي بعد «الحظر الشهير»، والحلقة المفقودة في النقاشات هي تلك التي تحاول الإجابة على تأخر ملموس في وضع تصور شامل للوضع الذي تسعى إليه الحكومة على الأقل حتى يعلم الآخرون ما هو المطلوب.