«الخبز والتصاريح وعريس البحر الميت»… ثلاث «محطات» غيّرت في «العمق الأردني» وقت كورونا
القصة الكاملة لصعود «الدولة العميقة» وهشاشة منطق «حسن النية» في الحكومة
ثلاث محطات على شكل «أخطاء» إدارية وسياسية يمكن القول إنها شكلت أساساً لمراجعة «نخبوية وميدانية» عاصفة في الحالة الأردنية، أبعدت قليلاً بعض وزراء «التأزيم» عن المشهد الإعلامي ودفعت في اتجاه إدارة خلايا الأزمة مباشرة من «مؤسسات سيادية» محترفة ومهنية، بعدما تكاثرت «اجتهادات» الوزراء والحكومة، لعدة أسباب.
ومن بين تلك الأسباب ما كشف عنه وزير الثقافة الأسبق الذي غادر الحكومة في التعديل الوزاري الأخير الدكتور محمد أبو رمان، وهو يصرح بوجود «حالة تصفية حسابات» بين الوزراء العاملين مع الرئيس الدكتور عمر الرزاز. بالنسبة للرزاز نفسه، وفي أقرب مساحة منه، فإن الحديث عن «صراع أو خلاف أو تجاذب» بين أجنحة فريقه الوزاري ينطوي على «مبالغة درامية» ليس وقتها، كما ألمح وهو يستعرض المشهد العام مع شخصيات برلمانية، من بينها رئيس مجلس النواب عاطف طراونة.
«الأزمة كبيرة جداً»
وعد الرزاز مبكراً الرأي العام، بعدما انفجرت في حضن حكومته أزمة كورونا، بالتحدث الصريح عن «الأخطاء» عندما تحصل والمبادرة فوراً إلى «تصويبها»، وكرر الموقف نفسه في العديد من حالات الظهور الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير أمجد عضايلة.
الأهم من جهة نظر الرزاز التي ترددت على مسامع بعض أركان البرلمان، يتمثل في أن المبالغة الدرامية غير مطلوبة، والأدق في التشخيص أن «الأزمة كبيرة جداً» وأن بعض المشكلات والأخطاء في تنفيذ بروتوكولات أعلنتها الحكومة حصلت بـ»حسن نية» في أغلب الأحيان.
لكن الأسباب بعد رصد «التجاذب» بين بعض وزراء الرزاز فيما بينهم قد تتعدى الملاحظة العابرة وغير المف
هومة من حيث الشكل والصيغة والتوقيت للوزير أبو رمان. وقد تتعدى بصورة مرجحة اعتبارات «حسن النية» والتجريب التي يلمح إليها رئيس الحكومة.
وتلك تبريرات لا تكفي في زمن «جائحة» حذر وزير الاقتصاد الأسبق سامر الطويل من أنها ستلتهم الكثير في حال عدم الاستدراك.
وهنا وجدت المؤسسات السيادية ومن سوء حظ وإدارة الفريق الوزاري نفسها وهي تتعاطى مع الأزمة مضطرة لتخصيص بعض الوقت والجهد لمعالجة «أخطاء» وزارية من الطراز الذي يمكن الاستغناء عنه بقليل فقط من التنسيق وكثير من المسؤولية.
انشغال «السيادي» بالبيروقراطي والإداري مساحة تستفز حتى الجمهور الأردني في أعماقه، خصوصاً وهو يرى بأن «الدولة العميقة» تتقدم بأداء رفيع المستوى في التفاعل مع الأزمة ومرتبط باحتراف ومهنية، والحفاظ على الأمن العام بنفس توقيت الاشتباك الفني والطبي مع الوباء واحتياجات المعركة معه.
لذلك يُعتقد وعلى نطاق واسع بأن القصر الملكي بدأ يتابع ويشرف على تفاصيل التفاصيل، متقدماً عبر الحراك الملكي حصرياً على الحكومة وأجنحتها في الميدان، وحتى بغياب الغطاء الإعلامي، وهو آخر ما يشغل صاحب القرار الآن.
ولذلك أيضاً أقصي بعض الوزراء عن المشهد الإعلامي، وبدأت المبادرات تطبخ فكرياً وذهنياً بالأطر السيادية وترسل للحكومة بهدف الإجراء، فيما حصلت واحدة من أضخم عمليات المبادلة النخبوية على مستوى إدارة وإدامة عمل الدولة ضمن الأولويات الملكية على مستوى الأزمة وتعقيداتها.
وفي الوقت نفسه، وللمرة الثالثة وللأسباب نفسها، نقص حضور حكومة الرزاز في المشهد العام وبدأت عمليات التصويب العميقة؛ لأن المرحلة لا تحتمل الاسترسال في إدارة «اجتهادات» أو تبرير «أخطاء»، وقفز في الأثناء الدور المحوري المطمئن شعبياً لمؤسستي الأمن العام والقوات المسلحة التي قدم جناحها الطبي حصرياً «مساعدة وطنية بقيمة عالية» يمكن القول إنها «أنقذت» المخزون الطبي الاستراتيجي وساعدت قطاعات وزارة الصحة.
وهو وضع يتوقع أن يستمر إلى أن تصل الدولة إلى سقف زمني له علاقة بالاستحقاق الدستوري المتمثل في انتهاء الدورة الأخيرة للبرلمان، بصيغة قد تؤدي إلى رحيل الحكومة الحالية معه، بعد قناعة كل الأوساط بأن الحاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت إلى «خبرات طبقة رجال الدولة»، وإلى بيروقراط متميز بدلاً من المجازفة بعمليات «توزير» لم يعد لها طعم ولا رائحة، وتتحول إلى «عبء» على الدولة والنظام.
3 محطات
طبعاً، مثل هذه التراتبية في طبيعة العلاقة بين مراكز القرار والقوى لا ترصد أو تتحول اليوم إلى «مطلب شعبي» على قدر مسؤوليات «الدولة العميقة» بالتوافق لولا محطات أساسية ثلاث برزت كأخطاء وارتباكات عند الوجبة الأولى من التفاعل مع أزمة كورونا.
وهي محطات أو «عثرات» كبيرة نتجت عن «وضع غير صحي» داخل الطاقم الوزاري، ودخلت اليوم التأريخ السياسي للحكومات لأنها قادت إلى خلخلة وتغيير كثير من الأوضاع وتوازنات القوى لاحقاً.
في المحطة الأولى تربع ملف «الخبز» الذي قالت الحكومة إنها ستوصله للشعب بحافلات «بلدية» وانتهى الأمر بـ «إخفاق» كبير يقر به القاضي والداني.
وفي المحطة الثانية يمكن التحدث عن «أزمة التصاريح» التي تخللها بعض مؤشرات الفساد الإداري، التي أغضبت القصر والجيش معاً في وقت الأزمة، وحكمت جميع حلقات الإدارة بتغريدة ملكية سقفها لا يقبل التأويل بعنوان «لا أحد فوق القانون.. ولا للواسطة والمحسوبيات».
أما المحطة الثالثة فالمؤثر «شعبوي وسلوكي وثقافي» وليس حكومياً، وله علاقة بـ «عريس الغفلة» الذي «فصم» الأردنيين «حكومة وشعباً» عندما حظي بعد زواجه بحفل متقشف أثناء حجر البحر الميت بـ «هدايا ملكية وعسكرية»، وبعد الإفراج عنه شوهد يتبادل الأحضان والقبل مع أقرباء له على الرصيف في مشهد «مستفز ومؤذ».