الشرع في عمان والأمير حسين مع اردوغان … الأردن: الاستعانة بـ «هلال سني» لمواجهة أطماع اليمين الإسرائيلي

عمان- «القدس العربي»:زيارة الرئيس أحمد الشرع لعمان قد لا تكون مجرد زيارة عادية، لكنها على أي حال تتزامن مع «زيارة مهمة أيضاً» بالتزامن يقوم بها الثلاثاء إلى أنقره ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، ويلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان.
الزيارة على الأرجح قد تسمح بعد سلسلة من التوافقات الإقليمية بإطلاق قاعدة لوجستية تشكل أساساً ليس للعلاقات الأردنية السورية ومستقبلها فقط، ولكن لإلحاق سوريا الجديدة بقلب مشروع مفترض يحاول إنقاذ ما تبقى مما كان يسمى في الماضي القريب بمعسكر الاعتدال العربي، الذي بدأ يترنح بشكل كبير واستثنائي مؤخراً بعد سلسلة ضربات وجهتها حكومة اليمين الإسرائيلي لدول المعسكر، وساند بعضها الغطاء الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ثمة من يفترض أن زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى عمان، يتجاوز فائض قيمتها في السياسة والترتيب الإقليمي البحث في ملف العلاقات الثنائية المشتركة.
هو ملف في الواقع مليء بالتعقيدات والتحديات، لكن فائض القيمة يتمثل في أن دعاة الحفاظ على مدرسة الاعتدال العربي الرسمية معنيون جداً هذه المرة بالاستعانة بالورقة السورية.
سوريا كانت تكثر لفظياً من التحدث عن الممانعة والمقاومة ذهبت مع نظامها السابق المخلوع، ودمشق الطازجة تتلمس طريقها بين التحديات والألغام الإقليمية.
الفارق عند تحريك سيارة براً من عمان إلى مطلع دمشق لا يزيد عن ساعتين من الزمن. لذلك، تبقى عمان محوراً أساسياً إذا ما أرادت تلك القوى التي تقدم الرعاية للنظام السوري الجديد إعادة تأهيله وإدماجه في المنطقة.
للعلم، يتذكر السوريون جيداً أن وزير الخارجية أيمن الصفدي كان أول من طرق باب برنامج إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
كان ذلك في أواخر أيام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والدبلوماسية لعبت باحتراف وكفاءة واختطفت قراراً عربياً بعودة التمثيل السوري في جامعة العرب.
وما تظهر عليه الترتيبات الآن أن مقعد سوريا الذي شغر منذ عام 2011 سيجلس عليه في افتتاح القمة العربية المقبلة في الرابع من شهر آذار، الوجه الجديد للدولة السورية أحمد الشرع.
لافت جداً أن درب الشرع نحو تمثيل بلاده في قمة العرب المقبلة المهمة يبرز الحاجة لزيارته عمان والاستفادة من خبراتها، مع أن هذه الزيارة مؤجلة وأعقبت زيارة الشرع للسعودية فيما العلاقات الأردنية على المستوى العربي في أفضل أحوالها الآن ضمن الخط الجماعي لمواجهة التحديات.
فهم من لقاء في الديوان الملكي الأردني لأعضاء في لجان لمجلس النواب أن قمة الرياض الخماسية قبل عدة أيام تموقعت خلف مسألتين في الملف الفلسطيني: الأولى هي حل الدولتين. والأخرى هي الوصاية الهاشمية على أوقاف القدس.
ذلك يعني أن الأردن يتحرك بارتياح أكثر في الأفق الفلسطيني تحديداً بعد المناولة الشهيرة الكبرى مع الرئيس ترامب، وبعد الدور الذي لا يمكن إسقاطه من الحسابات للأردن في تنحية سيناريو التهجير على الطريقة الترامبية.
المعنى هنا أن الإيحاء المسرب من اجتماعات الرياض يبدو مريحاً جداً للموقع الأردني.
لذا، تبدو عمان في موقع الخبرة والإفادة والاستكشاف بالنسبة للطاقم الذي يدير سوريا الجديدة، حيث يتحول استثمار الاعتدال العربي في الحالة لسورية بالتدريج إلى ورقة عميقة قد تكون رابحة ضمن مخططات دول الاعتدال العربي لضرب الرافعة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة وتحجيمها، خصوصاً عند دوائر العمق الأمريكية.
دمشق من حيث التحاقها بسلام وتعايش إقليمي ومن حيث جغرافيتها المهمة جداً ودورها في إقصاء إيران تحديداً، أصبحت ذات قيمة فائضة جداً سياسياً وأمنياً.
الجيوسياسي سيكون في عهد الشرع ورفاقه الجدد مادامت حكومة سوريا جديدة ستشكل مع بداية آذار خطوة إلى الأمام في استقبال واستقطاب بعض أطراف المعادلة الفلسطينية، وتحديداً تلك التي يمكنها الجلوس في أحضان دمشق بدلاً من الجلوس مطولاً في أحضان طهران.
طوال الساعات والأيام القليلة الماضية بدت الدبلوماسية الأردنية مهتمة جداً باستقطاب الشرع ورفاقه، لا بل بالعمل من أجل سوريا الجديدة في كل الزوايا والأروقة الدولية، خصوصاً على صعيد تفكيك الحصار الغربي والأمريكي والأوروبي. ودمشق بهذا المعنى، مساحة آمنة للاستثمار السياسي الأردني مادامت تخرج من المحور الإيراني وتعزز القناعة بتشكل هلال سني بدلاً من الهلال الشيعي الإيراني، الذي كان الأردن قد سبق الجميع في التحذير منه وعدة مرات وبصيغ متعددة.
العلاقات بين عمان ودمشق بعد استقبال الرئيس الشرع يفترض أن تأخذ مساراً مختلفاً عما كانت عليه الأمور قبل الزيارة، لكن تنفيذ هذه الزيارة بضوء أخضر مرجعي من بعض الدول العربية يعني أن لحظة التشبيك بين سوريا والأردن تبدو وشيكة أو قريبة؛ لأن الأردن لوجستياً وأمنياً وسياسياً يمكنه أن يقدم الكثير الكثير لمؤسسات الحكومة السورية الجديدة، مع أن مجموعة الشرع كانت تظهر مؤخراً بعض الحساسيات والتحفظات.
يدرك العمق الأردني الآن أن ترتيب ملف العلاقة مع سوريا الجديدة يتطلب ترتيبها في الأثناء أو قبل ذلك مع الدولة التركية الراعية للتجربة، وهو الأمر الذي أدركه مبكراً الوزير الصفدي عندما زار أنقرة برفقة نخبة من كبار المسؤولين قبل أكثر من شهر ونصف.
لاحقاً، يزور ولي العهد الأردني أنقره الثلاثاء في إطار زيارة خاصة جداً تردد أنها تتضمن لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو ما يرجح -وفقاً للمراقبين- أن الأردن يحاول تعميق التشاور مع الرئاسة التركية في إطار التفاعل مع فكرة الهلال السني والاستعانة بالتحالفات العربية الإقليمية لإعادة التوازن للمشهد الإقليمي، خصوصاً في القضية الفلسطينية.