اراء و مقالات

«العبث بملف الأغوار يخلط أوراق الحدود»

السطر الممحوّ في «عملية الكرامة» وبرودة أعصاب الإدارة الأردنية

عمان- «القدس العربي»: عملية الأغوار التي صعدت على سطح الحدث صباح الأحد «مثالية» تماماً بالمعنى المنهجي الوطني والإجرائي والأمني لتكريس «سلسلة قناعات» أصبحت مؤكدة الآن إذا ما نجحت الحكومة الأردنية في استثمارها سياسياً على نحو يحرم اليمين الإسرائيلي من استغلالها.
العملية مثالية ليس فقط من حيث نتائجها في المجال الحيوي على «وحدة الدم» حول ضفتي نهر الأردن فقط، بل من جهة أن اليمين الإسرائيلي عليه وهو يخطط لـ»إضعاف الأردن» الرسمي طوال أسابيع بسلسلة من الإجراءات والأكاذيب، استذكار أن الكيان قد يدفع الثمن عملياً إذا ما أرخت السلطات الأردنية قبضتها على الحدود الواسعة؛ بمعنى أن تلك الحدود «بقيت طوال الوقت» محروسة بعناية فائقة لأن الجانب الإسرائيلي يحترم تعاهداته مع الأردن ولا يضغط على عمان كما يفعل من يصفهم وزير الخارجية أيمن الصفدي بـ «الطاقم الجاهل» في حكومة تل أبيب.
الصفدي قال مرتين لـ «القدس العربي» إن الحكومة الأردنية تلتزم بالأخلاق والقوانين، بينما مسلسل الكذب والجرائم عند الجانب الآخر متواصل ولا يقف عند حدود.
في كل حال، عملية معبر الكرامة وبطلها سائق شاحنة أردني واحد متأثر بما ترتكبه إسرائيل من مجازر، على حد وصف مسؤول أردني بارز في وزارة الداخلية، تعيد التذكير بأن الخاسر حدودياً في حال إضعاف الأردني سياسياً والإصرار على إحراجه، سيكون الجانب الإسرائيلي.
تلك قيمة يقترح السياسي الأردني، مروان فاعوري، وهو يناقش التطور اللافت مع «القدس العربي»، على صناع القرار في بلاده تذكره طوال الوقت وبدون عصبيات؛ لأن الشعب الأردني أولاً «لا يقبل بعد الآن» السكوت في حين الشعب الفلسطيني يذبح.

السطر الممحوّ في «عملية الكرامة» وبرودة أعصاب الإدارة الأردنية

وثانياً، وفقاً للفاعوري، فإن الشعب الأردني له كلمة ويستطيع أن يقولها للعدو الإجرامي على أساس أن الجانب الآخر -كما يصفه مسؤولون في عمان- ينبغي له أن يفهم بعد الآن بأن الشعب الأردني «لا يقدم خدمات الحراسة» للكيان مقابل استمرار المجازر.
طبعاً، مثل هذا الخطاب لا علاقة له بالنص الرسمي والأمني الأردني.
والفكرة أن الشارع الأردني «يحتضن المقاومين» بل يوفر لهم حاضنة اجتماعية، بدلالة أن الشارع سرعان ما وصف السائق الذي ارتقى شهيداً برصاص إسرائيلي بـ «المقاوم النشمي».
تلك معادلة يجب أن يفهمها الإسرائيلي، برأي الفاعوري، فيما كان رئيس الديوان الملكي الأسبق الخبير الدكتور جواد العناني مبكرا قد تحدث مع «القدس العربي» عن ضرورة ألا تشعر إسرائيل دوماً بسبب الاتفاقيات أن العواصم العربية في محيطها تشكرها فقط لأنها لا تقصفها أثناء تأمين الحدود غير الشرعية.
في كل حال، توقيت العملية مباغت ومفاجئ وذو دلالة مرجحة سياسياً؛ لأن سائق الشاحنة الشهيد أقرب لصيغة «ذئب منفرد»، ولأن كل أصناف البضائع والمنتجات إلى فلسطين المحتلة ينقلها بالعادة سائقون مؤهلون ولديهم تصريح أمني، لا بل خضعوا للتشييك الأمني عملياً، ما يعني أن الفحص الأمني المسبق لم يعد «ضمانة» للعبور إلى الأراضي المحتلة بعد الآن، في الوقت الذي يسمع الشعب الأردني قادة الكيان الإسرائيلي يهددون مملكتهم دوماً.
اللافت جداً بعد نحو ساعتين من وقوع عملية معبر الكرامة، أن وزارة الداخلية هي التي تبنت التحدث في المسألة، وتعاملت بهدوء أعصاب لافت مع حادثة «وقعت على الجانب الآخر». وهدوء الأعصاب هنا الذي قادة وزير الداخلية ووراءه الأمن العام، هو محاولة بيروقراطية وطنية متزنة للتعاطي مع «حادث أمني» فقط ليس أكثر من الممكن أن يحصل على أي حدود في العالم، وينبغي للجانب الآخر ألا يبالغ فيه إطلاقاً.
برودة الأعصاب البيروقراطية الأردنية هنا رسالة أيضاً، وعلى الجانب الآخر أن يعيد قراءة درسه جيداً وفقاً للإقتراح الذي سمعته سابقاً «القدس العربي» من الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق قاصد محدود، وهو يلفت النظر إلى أن «الحدود مع فلسطين المحتلة» لعبة محفوفة بالمخاطر، وعلى الإسرائيلي إدراك وجود «شعب فلسطيني» وأردني متعاطف مع شقيقه الفلسطيني على الجانب الشرقي من نهر الأردن.
أي تهجير يمكن الرد عليه بتهجير معاكس.
تلك أيضاً معادلة عميقة يعلمها الخبراء ولا تقولها الحكومة الأردنية، الأمر الذي يجعل عملية الأغوار صباح الحد برمتها ومن حيث كل تفاصيلها، مساحة ملائمة لتذكير الإسرائيليين بـ «خسائرهم الفادحة» في حال التلاعب بالحدود مع المملكة عبر مشروع «الضم».
لذلك، قرئت عملية الكرامة بحدود الأهمية القصوى؛ فهي غير مسبوقة بالمعنى الاجتماعي، وفقط عملية سلام حقيقية ووقف المجازر هو ما يمكن أن يكفل لإسرائيل الأمن من حدود الأردن، بدلالة أن سائق الشهيد وصفته القيادية في الحركة الإسلامية الدكتورة ديما طهبوب، بأنه «من أحفاد معركة الكرامة».
ثمة رسائل أكثر عمقاً وتلغيزاً على الأرجح في عملية الكرامة قد تكشفها الأيام المقبلة، لكن ما يمكن قوله حتى مساء الأحد، هو القناعة بأن «الحدود لعبة أردنية» أيضاً وليست إسرائيلية فقط، وأي إرهاق لحكومة الأردن وإحراج ربما ينتج عنه تحفيز بنية المقاومة لدى الأردنيين وليس الفلسطينيين هذه المرة، والمقصود طبعاً عشائر شرق الأردن التي لا تقل عن أهل غزة وجنين، لا تضحية ولا رجولة ولا رغبة في تحرير فلسطين.
عملياً، ضربت عملية الكرامة «كل منظومة النقل» بكل أصنافها ولو مؤقتاً.
ولإعادة «العافية» لمناطق الأغوار المكاتفة لإسرائيل، على تل أبيب أن توقف تحرشها بخواصر الأردن؛ لأن المتضرر لن يكون في الممحو من سطر الأغوار هو الشعب الأردني فقط.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading