«العسكر» يعملون بصمت… وفي أول استطلاعات كورونا: 88% من الأردنيين «راضون»
مؤشرات مشجعة على «التفهم» الاجتماعي وسط أصوات محذرة من الرهان فقط
لا يعرف الأردنيون، على المستوى الشعبي على الأقل، المؤسسة التي أجرت أول استطلاع بحثي في زمن فيروس كورونا.
لكن النتيجة تعكس الكثير من الدلالات؛ فلأول مرة وحسب الاستطلاع، يتحدث نحو 88% من المواطنين المستطلعة آراؤهم، وعددهم ستة آلاف، عن «رضاهم» بخصوص قرارات الحكومة والإجراءات، معتبرين أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
في آخر حظر وإغلاق شامل يومَي الجمعة والسبت الماضيين، خالف الأوامر 48 شخصاً فقط، ونسبة الالتزام كانت كبيرة جداً وشكلت الحد القياسي بعد إجراءات مماثلة. يعني ذلك أن المعادلة التي يتحدث عنها مسؤول بوزن الدكتور نذير عبيدات، الناطق باسم لجنة الوباء، «بدأت تتحسن أو تتحقق»؛ فمخالفة الاجراءات لم تعد تلقى «تفهماً» في المجتمع ووسط العائلات.
مؤشرات مشجعة على «التفهم» الاجتماعي وسط أصوات محذرة من الرهان فقط
وهي نقطة حساسة ومهمة في تعزيز سلوك الوقاية الاجتماعي، بحيث يتحول من يخالف التعليمات في مسألة العزل والتباعد الاجتماعي إلى خصم للشرائح الاجتماعية وليس للقانون أو للدولة.
تلك محطة حرض عليها علناً أيضاً وزير الصحة الطبيب سعد جابر، لكنها لا تعني بأن فرصة «بقاء وتمديد» سياسات الحظر والعزلة بالتوازي مع أزمة مالية ضاغطة على العصب المشدود للمجتمع، ستظل مستمرة إلى الأبد.
حتى وسط المؤسسة الأمنية وطبقة المسؤولين ثمة من يحذر من «كلفة الاستمرار في الإغلاق» لأغراض «احتواء» الفيروس فقط. وفي الأفق السياسي ثمة أصوات كثيرة اليوم تناشد الدولة بأن «لا تبالغ» وتحتاط لتكريس التباعد الاجتماعي سلوكياً وثقافياً بدلاً من المجازفة بأي «تنمر أو مخالفة» لقوانين الدفاع بمستوى جماعي ودون تفريط بالاشتراطات الوبائية الصحية، على حد تعبير الناشط السياسي الإسلامي مروان فاعوري.
علينا العمل «بين هذه وتلك» – يشرح الفاعوري – وضمن رؤية وطنية شاملة لا تعيق الخطط الرسمية، لكنها تحتاط لكل الاعتبارات. لكن مثل هذا التحذير ينطوي استطلاع أجرته مؤسسة اسمها «أنا ليسيز» على مؤشرات معاكسة له، فنسبة «تفهم» الإجراءات كبيرة في المجتمع شريطة الفعالية في خطة «تحريك قطاعات الإنتاج» وتمكين السوق الصناعية والتجارية من العمل ولو جزئياً، وشريطة وقف حالة «الارتجال» الحكومي في ملفات محددة ضاغطة على الجميع، مثل الرواتب وركود فرص العمل وعمال المياومة الذين ينبغي أن تعالج مشكلتهم باعتبارها أولوية وبخطة تتميز بالذكاء، حيث إنهم طرف متحرك ومنفق ومترزق في المجتمع كتلته تناهز 350 ألفاً من المهنيين والعمال خارج مظلة الضمان الاجتماعي.
ولذلك، تبلغ الحكومة وعبر وكالة الأنباء الرسمية «بترا» وبعد إطلاعها على منهجية ونتائج الاستطلاع، أنَّ 88 بالمئة من المشاركين واثقون بشكل تام بالقرارات التي تصدر عن الحكومة، فيما عبر 62 بالمئة عن رضاهم عن القرارات المتعلقة بحماية الاقتصاد.
ويفترض هنا ومن باب التحليل أن العقل الإعلامي للحكومة يريد أن يقول بأن غالبية أطراف المجتمع «لا تمانع» الإجراءات الصارمة التي يلمس نتائجها الصحية والوبائية الجميع، دون أن يعني ذلك الاستمرار بالرهان فقط على المسألة، وفقاً لنقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، داعية التعاطي «الذكي والفعال» مع الأزمة عبر التوسع في المشاركة والتشاور والتحاور على أساس يخلو من التصورات المعلبة والمسبقة وعند كل الأطراف.
لكن على الحكومة، في المقابل، أن لا تتعامل مع «مؤشرات الخضوع والتفهم الاجتماعي» باعتبارها «تفويضاً قطعياً وشاملاً» لها، للتصرف وحتى لارتكاب بعض الأخطاء في بعض الأحيان؛ فالحملة الإعلامية الكونية التي رافقت الفيروس «أخافت وأقلقت» الأردنيين كغيرهم.
وأي تفويض للحكومة بمظلة قانون الدفاع مقيد بعبارات وردت أصلاً بالنص الملكي المرجعي على أساس «عدم المساس بحريات المواطنين وحقوقهم» خلافاً لأن الرأي العام «لمس» فعلاً نجاحات في المعادلة الصحية الرسمية أظهرت قدراً من الكفاءة وحققت بعض الأرقام الإيجابية لصالح المنطق الرسمي ولصالح الخضوع الاجتماعي.
ولا ينبغي أن يسقط بكل الاعتبار التقييمي العنصر المتعلق بـ»ثقة الشارع» الكبيرة في المؤسسة العسكرية تحديداً، التي رافقت تماماً ميدانياً كل مظاهر التفعيل الحكومية وكل القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة ودون «مزاحمة» لأي جهة في السلطة والحكومة وعلى أساس معادلة يقولها الجنرالات في كل الاجتماعات «مدنية الطابع»، وتتمثل في أن «القوات المسلحة لحماية الجميع، ولا تريد أصلاً الظهور أكثر مما ينبغي».
توثقت «القدس العربي» من تلك المقولة وقاعدة العمل في عدة اجتماعات. المعنى أن المؤسسة العسكرية تريد أن ترفد بقية المؤسسات بالتنسيق، مع أن الكثير من «المهام الخاصة والمعقدة والكبيرة» لا تستطيع أي جهة في الإدارة المدنية أصلاً إنجازها كما تفعل مفاصل الاحتراف العسكرية وبصمْت، بما في ذلك لوجستياً وطبياً وحتى أمنياً.