العم بوتين «متسامح – غفور» وقوات فاغنر «ضالة»: مسلسل إسرائيل في السودان «العرض يتواصل» والأردني في انتظار «حرق الغرامات»
مؤشرات الحكمة والتعقل لا بل الرحمة، التي ظهرت على الرئيس فلاديمير بوتين عبر شاشة «الجزيرة» تعيد مرة تلو الأخرى الأسبوع الماضي حديثه الخاص بموقفه من التمرد العسكري لقوات فاغنر، كادت تقنعنا أن الرئيس بوتين أقرب إلى ملائكة، وقد قرر التعامل بأقصى قيم التسامح مع التمرد العسكري لقوات فاغنر.
ظهر الرجل أو العم بوتين، كما يصفه الرفاق الشيوعيون في عمان رحيما للغاية، وهو يبرر التمرد العسكري ويعفي عن جنوده ورموزه، ويتحدث عن جانب أخلاقي في قوات فاغنر، التي قال بوتين إنها ليست جميعها قررت التمرد، لا بل خضعت للتضليل.
مقابل هذه المساحة من المغفرة، التي لا يتمتع بها الشعب الأوكراني من الرئيس بوتين، ولا الشعب الفلسطيني من حكومة الإرهاب اليمينيّ، ثمة من أعاد وعلى «الجزيرة» أيضا «ترجمة» ما قاله رئيس شركة وقوات فاغنر بالخصوص، بعدما تمكن من الإفلات من حبل المشنقة أو الرصاص، واستقر عند الجار البيلاروسي، وبعنوان قريب من عبارة «الظلم مو زين.. أنا ما خططت للعصيان، بل للفت النظر».
فاغنر: كيس فحم
صاحبنا زعيم فاغنر هنا تحول إلى مادة فيلمية تلوكها ألسن شاشات فضائية، فمحطة «سي أن أن» أعادت تسليط الضوء على دوره في مسار الأحداث واعتبرته مع عساكره مجرد خاتم في اصبع المخابرات الروسية وأقرب إلى كيس فحم يتم استخدامه للتدفئة ثم يلقى خارج البيت، حرصا على النظافة.
وهذا التعبير ورد على لسان محلل في قناة «سي أن أن» الأمريكية، لكن قناة «العربية» أعادت تذكيرنا بالدور الإيجابي لقوات فاغنر في إنتاج حالة توازن، فيما كانت محطة «الجزيرة» تعيد بث عمليات القصف في الشمال السوري للمواطنين الأبرياء، والتي قامت بها قوات فاغنر، في تعبير عن فصام التلقي بين شاشتين عربيتين.
فاغنر وقواتها ورئيسها وقصة تمردها، كانت حدث الأسبوع خلال عطلة العيد، وتبين فجأة أن الأرشيف في التلفزيونات والشاشات مفعم ومليء بتلك الصور والأفلام عن كيس الفحم الفاغنري.
لكن ما أثار دهشتنا مساحة الرحمة، التي ظهرت فجأة عند القيصر الروسي، وهو يعفو ويغفر ويمرر، ولاحقا مساحة التوضيح، التي ظهرت عند رئيس قوات فاغنر، الذي خطب يقول إنه لم يقصد العصيان والتمرد العسكري إنما قصد لفت النظر.
السوداني والأسف القومي
أحدهم على قناة «النيل» المصرية أيضا حاول تذكيرنا بتصريحات أحد قادة المجلس العسكري السوداني، الذي وعد قوات الدعم السريع قريبا بأن تسحق حتى وإن تمكنت من البقاء في بعض المواقع موقنا بالنصر الحاسم والأكيد.
وفي الأثناء تتسلط الأضواء طبعا على ما يجري في مدينة الجنينة، فهذا متحدث باسم الهيئة الدولية لحقوق الإنسان يتحسر على أهالي المدينة السوداء فقد وقع بينهم 5 آلاف قتيل وشرد عشرات الآلاف، وثمة مستشفى عسكري واحد في المدينة يعمل بإمرة قوات الدعم السريع، التي قتلت أطباء في غرفة العمليات.
طوال الوقت، وكلما دققنا في أخبار «بي بي سي» التلفزيونية تحديدا أسأل نفسي: أين يحتفظ الناس العاديون بكل هذا الإحباط الإثني والقبلي ومخزون رفض الآخر؟ كيف يختزن «الحطب» كل تلك القدرة على التحول إلى وقود من أجل جنرال ما؟
بكل حال المشهد السوداني يتحول إلى ميراث من الحزن القومي والأسف الوطني، ومن تلك الأعداد التي قتلت في مدينة الجنينة لا أحد يعرض لنا بصورة كما كان يحصل في الشمال أو الجنوب السوري، فمن يقتل بين السودانيين لا أحد يعلم كيف ولماذا ومتى؟
بالصدفة اطلعنا على تقرير عميق لإحدى الجهات، يتحدث عن صراع مصطنع في السودان الشقيق، بهدف تكريس تقسيمه إلى ثلاث دول على الأقل ثمة واحدة جاهزة وثمة أخرى على الأرجح في الطريق، ولسبب أو لآخر، لا أستطيع تبرئة إسرائيل من هذا المسلسل التركي في السودان.
متى نحرقها؟
«بيض الله ويهك»… هذا ما قاله المذيع في برنامج «صباح العربية» على قناة «العربية» في حالة أو عند عرض قصة رجل تاجر سعودي قرر، بمناسبة العيد، إحراق دفاتر ديونه على جميع زبائنه في مبادرة أمام الكاميرا، بصفة حصرية، حيث أشعل الرجل كومة من الحطب، وحرق فيها تلك الدفاتر.
نتمنى بعد مشاهدة العرض وتصفيق المذيعين أن لا يكون صاحبنا قد احتفظ بأوراق دين في رف الخزانة الاحتياطي، خصوصا ونحن لا نثق كثيرا بمبادرات «الإحسان أمام الكاميرات».
نفترض حسن النية وما نأمله كأردنيين على الأقل أن تحرق الحكومة، وفي مبادرة مماثلة، وبدون كاميرات دفاتر ديون الخزينة، حصرا مخالفات السير والغرامات على المواطنين، الذين يقل دخلهم بصورة محددة عن مستوى خط الفقر، كما حددته الحكومة، وهو يقارب نحو ألف دولار شهريا.
ما دام المواطن لم يحصل على مكافأة، لا بعد الزفاف ولا خلال العيد، أقله تتحرك الحكومة، ولو قليلا؟