اراء و مقالات

الأردن: حكومة الخصاونة ولافتة «البقاء لله»: مجلس النواب «مضغوط» ومراكز قوى «تتحرش»

عمان – «القدس العربي»: رغم إطلاق عبارات حادة تحت قبة البرلمان الأردني خلال اليومين الماضيين، فإن الميزانية المالية التي يناقشها مجلس النواب ستمر ويتم التصويت عليها بكل حال. حدية النواب وعباراتهم الساخنة ضد الحكومة معزولة عن انتقاداتهم لبيانات الميزانية.
وحده النائب محمد العلاقمة اجتهد في تفسير المسألة على شاشة قناة رؤيا المحلية، عندما قال عبارة تستوجب التأمل برلمانياً، وفكرتها “النواب مضغوطون ولا يوجد ما يقدمونه لدوائرهم الانتخابية، لكن الميزانية للدولة”.
تلك عبارة بكل حال تفسر المعطيات، لأن الضغط الذي يشعر به النواب يدفع بهم نحو إلقاء خطابات شعبوية على أمل التودد للشارع، وإن كان على حساب الحكومة التي تحارب بنفس التوقيت على جبهة موازية خلف الستارة والكواليس، ويناضل رئيسها الدكتور بشر الخصاونة على أمل تجنب كمائن غير مباشرة لها علاقة بظهور جديد لمساحة التحرش بالحكومة ومضايقتها عشية النقاشات الوزارية المالية ومن مراكز قوى متعددة في مؤسسات الدولة لديها على الأرجح أجندة خاصة تحت عنوان تشكيل حكومة جديدة، أو على الأقل الدفع في هذا الاتجاه.

استراتيجية التفريغ

هنا لم يعد سراً بروز استراتيجية التفريغ التي يحاول الاشتباك معها بتوازن ما عند النواب رئيسهم أحمد الصفدي، واحتياجات تلك الاستراتيجية ومقتضياتها هي التي تطلبت من الصفدي الإصرار خلال مناقشات الميزانية على تقديم اعتذار علني يقضي خاطر النائب جميل العشوش بعد ملاسنة حادة قليلاً بينه وبين وزير الزراعة خالد حنيفات، الذي قد يكون من أبرز وزراء الحكومة نشاطاً وحيوية وإدارة للملفات التابعة لوزارته.
في كل حال، احتوى الرئيس الخصاونة المشهد، وقدم اعتذاراً باسم الحكومة تجاه النائب العشوش رداً على الأرجح على موقف الحكومة ورئيس الوزراء الذي رفض الدخول إلى الاجتماع الأسبوع الماضي قبل تحويل نائب آخر إلى التحقيق بسبب تهجمه لأسباب شخصية على وزير العدل في الطاقم. هذا التبادل للمواقف بين الثنائي الصفدي والخصاونة، يحاول الطرفان تكريسه كقاعدة عمل بين السلطتين. لكن التحرش بالحكومة ومضايقتها يمكن تلمسه بين التفاصيل هنا وهناك.
إحدى الشخصيات البارزة لفتت النظر إلى ما حدث أو بعض ما حصل على هامش إضراب السائقين في مدينة معان جنوبي البلاد، حيث عولجت الأزمة بوقتها وبصورة سريعة وخلال ساعات فقط، لكن الحكومة فوجئت ومعها الوسطاء باعتقال أمني لوفد أهلي كان يفاوض باسم السائقين المضربين بعد خروج الوفد من مقر الحاكم الاداري وتمكن وزير الداخلية مازن الفراية من احتواء الخلاف. ذلك مشهد عملياً لم يعد سراً وسط نخبة عمان بأنه وفر قرينة على تجاذب ما خفي بين مراكز القرار ظهرت تبايناته عدة مرات في أحداث الإضراب الشهير. لكن محاولة إعاقة مسيرة وزارة الخصاونة لا تقتصر على بعض المنزلقات الأمنية والشعبية، فالكيمياء لا تبدو منسجمة مع مستشارين بارزين يعملون في مؤسسات سيادية.
وخلاف الأجندات، يظهر هنا وهناك في الوقت الذي ينبغي أن يركز فيه الطاقم الوزاري على العمل والإنتاج بسبب تزاحم المشكلات والأزمات، إلا أن الحكومة ورئيسها ينفقان وقتاً إضافياً في التعامل مع المطبات والكمائن المزروعة هنا وهناك ومن بعض المواقع التي يفترض أن تدعم الحكومة أو تتوافق معها بدلاً من السعي لإعاقتها.
تظهر في العادة في العمق الأردني مثل هذه المناكفات والتحرشات عندما ترغب بعض النخب النافذة في مؤسسات رسمية بزحلقة الحكومة القائمة أو تقليص فرصتها في البقاء أو إحلال طاقم جديد بدلاً من طاقمها ضمن تنافسات وصراعات مألوفة في أوقات الرخاء. لكن فاتورتها ترتفع اليوم في تواقيت الأزمة، ويزيد التعقيد عند الجبهات التي تحترف النميمة والإعاقة في طريق رئيسها؛ لأن الخصاونة دخل في حالة زهد متقدمة بالبقاء في الموقع والوظيفة، ويعتبر أن رابطه الأساسي بعد القيام بالواجب الذي أقسم عليه هو السعي الدؤوب للامتثال للتوجيهات المرجعية وتجنب خذلان القيادة. واستعداد الخصاونة وطاقمه الرئيسي للمغادرة أمس وليس غداً، شكل عنصر تحفيز للمتحرشين وأطال عمر الحكومة مرات عدة.
ومع أن النواب حساباتهم مختلفة وتبدو بسيطة وفي سياق ممارسة الشعبوية، فإن الجهود المعاكسة وسط نخبة بعض مؤسسات القرار اليوم لاتجاهات الحكومة يمكن اشتمام هدفها الأعمق والأبعد، وهو إنتاج حالة ما داخلياً تصعد بسيناريو التغيير الوزاري، مع أن قناعة رئيس الوزراء التي تلمستها “القدس العربي” مباشرة عدة مرات راسخة تماماً بأن حكومته أنهت العمل بالبرنامج الذي كلفت به، وبأنها بين يدي صاحب القرار مع القناعة بأن البقاء لله في كل الأحوال.

متحرشون من الموظفين الكبار

ثمة متحرشون من الموظفين الكبار لا توقف نشاطاتهم مساحة الصلابة التي تظهر في إدارة الملفات. والكيمياء التي اتفق على بنائها بهدوء بين السلطتين الثنائي الصفدي والخصاونة، لا تعجب بعض الأطراف؛ لأن العمل منثور هنا وهناك ويظهر بين الحين والآخر تحت عنوان تقليص فرص الحكومة وإقلاق راحتها أكثر من دعمها وإسنادها والعمل الجماعي معها.
ورغم ذلك، مجسات الخصاونة تلتقط الأحرف الساقطة والسطر الممحو، وتواصل عملها وفق قواعد الاشتباك، فيما حمأة المتطوعين لاعتراض درب الحكومة في بعض المواقع والمكاتب بما في ذلك عند بعض أعضاء مجلس الأعيان، تخطط لحالة زمنية توقيتية، هدفها أن لا يطول عمر الحكومة أكثر بعد عبور الميزانية المالية، وإن أخطأت البوصلة هنا، فالتمهيد لإخراج الوزارة الحالية عن السكة في أسوأ الأحوال بعد انتهاء الدورة العادية الحالية للبرلمان، وهو العمر الزمني المناسب جداً في مقاييس رئاسة الوزراء؛ لأن الحكومة تكون في هذه الحالة قد التزمت بإنفاذ المطلوب منها تمهيداً لمساري التحديث والتمكين. كل ذلك بطبيعة الحال لا يعني شيئاً ولا يزيد أو يقلص في عمر الحكومة المقرر مرجعياً.
القرار كان وأغلب التقدير أنه سيبقى لصاحب القرار وضمن سياقات بوصلته الزمنية، وثمة من يتصور من باب الواقع الموضوعي وليس التمني أن غياب لاعب من وزن الخصاونة عن المسرح بكل الأحوال أقرب إلى وهم، وإن برز على شكل مكيدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى