القصر الملكي الأردني واحترام «تنوع التضامن مع غزة»: ما «الرسالة» والدلالات… ولماذا؟

عمان- «القدس العربي»: لعل الرسالة الملكية والمرجعية الأردنية الأخيرة التي أعقبت اللقاء الخاص في القصر الملكي مع نخبة صحافيين وإعلاميين، تنطوي على «توجيه» عمومي في البوصلة الوطنية له ما يبرره.
التوجيه الذي صدر عن العاهل الملك عبد الله الثاني للأردنيين عموماً، يقترح عليهم «احترام التعدد والتنوع في مشاعر التضامن مع أهل قطاع غزة» في الجريمة التي يتعرضون لها.
يكتسب مثل هذا التوجيه أهميته؛ لأن المرحلة الحالية من العدوان على غزة أصبحت في صلب اهتمامات الرأي العام وفي صلب المعادلة السياسية، لا بل الأهم في عمق نقاشات الأردنيين الساخنة فيما بينهم.
اللفتة الملكية تقترح ضمناً أن اتجاهات التضامن والتعاطف والمناصرة يمكن أن تتباين أو تتنوع وتختلف في التعبير عن الموقف من المجازر والإبادة والتجويع.
الخطاب الملكي وفي تلقف مباشر سياسياً، طالب الأردنيين بالحرص على احترام طرق وتقنيات تعبير بعضهم بعضاً.
الهدف هنا لفت النظر إلى أن الجميع في حالة تعاطف وتضامن مع أهل قطاع غزة، لكن الفرصة قد تكون متاحه لقدر من التباين بعيداً عن تبادل الاتهامات.
التأسيس الملكي هنا مهم للغاية محلياً؛ لأنه يلامس الجذر الحساس في نقاشات الأردنيين الداخلية خصوصاً بعد تزايد الحملات الصحافية والإعلامية وأحياناً السياسية على قادة حركة حماس إثر الخطاب الشهير للقيادي في الحركة الدكتور خليل الحية، وفي ظل زحف الجدالات بعنوان تيار الإسلام السياسي وقرارات حظر جماعة الإخوان المسلمين.
يبدو أن المؤسسة المركزية في البلاد تتابع عن كثب نقاشات الأردنيين وتظهر حرصها على أن يتم إظهار التقدير لكل طرق التعبير ما دام رفض التجويع وإغاثة غزة عاملين في التوافق الوطني الأفقي بين الأردنيين، حيث لا يختلف المستوى الرسمي مع الشعبي في الجوهر وإن تباينت آليات التعبير.
تلك رسالة حضرت في وقتها لتقليص مساحة التجاذب داخل المجتمع الأردني بعيداً عن التشكيك قدر الإمكان.
واللغة التي استخدمتها الرسالة الملكية هنا جاذبة لمنطقة توافق على المستوى الوطني والاجتماعي.
الملك قال بصراحة إن الأردنيين جميعاً ضد التجويع وضد الجريمة، ومعاً، وفي إغاثة غزة.
بالتالي، الموقف جماعي وأفقي في هذا الاتجاه. ولا بد في النتائج من تقدير طرق إظهار التضامن والتعاطي حتى مع مشاعر القهر التي تطرق أبواب المناخ العام جراء الأوضاع الدامية في غزة، مع التأكيد أن الأردن المتعافي الموحد المستقر هو الذي يمكنه خدمة الشعب الفلسطيني وتخفيف المعاناة.
تلك رسالة توجيهية تخاطب المساحات المتشددة في التجاذب النقاشي التي لجأ الأردنيون لها في التعبير مؤخراً، حيث انتقادات حادة للمقاومة وحاضنتها المحلية، وتداول في غير مكانه لشعار «الأردن فقط»، وحيث مغالاة أحياناً في التشكيك بالموقف الرسمي وبإنتاجية المساعدات والإغاثة.
برز ذلك في ظل إجراءات وسياسات حكومية تصر على احتواء ضبط الإيقاع العام خوفاً من تسلل الخلاف والانقسام بسبب ما يحصل في غزة في عمق أوصال المجتمع الأردني.
وتنحصر أهمية سياقات الرسالة المرجعية هنا في أنها ساوت في المشاعر والمخاوف بين الأردنيين جميعاً، ولم توجه أي انتقاد لأي تعبيرات محلية أو وطنيه لها علاقة بما يجري في فلسطين وغزة، وإن سلطت الضوء على «تعددية طرق التضامن».
تلك فرصة عملية لكي يقرأ كل أردني المشهد بالطريقة التي يراها مناسبة.
وظهر ذلك من نخبة التعليقات التي أعقبت إبراز الدعوة الملكية، والتي يمكن فهمها في سياق التوجيه للمواطنين وللمؤسسات أيضاً، بمعنى تجنب اتهام الحكومة لمن يختلفون معها في الرأي حول الموقف الذي ينبغي أن تتخذه البلاد تجاه أزمة غزة، وفي المقابل يحترم المواطنون في النتيجة والنهاية حسابات الدولة الرسمية وتوازنات المصالح فيها.
إذا كانت الحكومة الأردنية جادة في حوار يحتوي التجاذبات، يمكن القول بأن المحتوى الوارد في اللقاء الملكي الأخير مع نخبة إعلاميين يوفر فرصة وأرضية مواتية. الدولة عملياً ليست بصدد الاعتراض على من يظهر التضامن مع أهل قطاع غزة، حتى وإن كانت الحكومة، إجرائياً، تتصرف وفق المقتضيات المطلوبة أمنياً. وفي المقابل، يتوقع مركز القرار من المواطنين إظهار الحرص على الجملة التكتيكية التي تلجأ لها الدولة من أجل استخدام المصالح والتوازنات.
ثمة سبب دفع بالتأكيد القصر الملكي للتأكيد على قيمة احترام مقاربات التعبير عند الأردنيين بدون تشهير أو إساءة أو تجريح.
وهو سبب من الأرجح أن له صلة بتقارير رصدت ارتفاعاً غير مرغوب في مستوى التجاذب بين الأردنيين على خلفية التشكيك الداخلي والخارجي بجدوى المساعدات، والدفع باتجاه أن يتخذ الأردن مواقف فيها قدر من المجازفة والمغامرة، على حد تعبير وزير الخارجية أيمن الصفدي.
التفصيل المؤسسي هنا جاء لكي يعمم على الأردنيين عبر كتابهم وصحافييهم بأن من يختلف في طريقته في التعبير عن موقفه من الجريمة ضد أهالي غزة، ينبغي ألا يتم التشهير به، والعكس صحيح.
الناشط النقابي أحمد زياد أبو غنيمة، قرأ مضمون الرسالة الملكية باعتبارها دعوة للمؤسسات والشخصيات الرسمية لإظهار الاحترام لأصحاب الرأي في الأردن، وعدم نبذهم أو ملاحقتهم قضائياً جراء التعبير عن آرائهم.
وهو ما يتفق معه العديد من نشطاء الحريات والحقوق العامة الذين قدروا أن سياسات الحكومة في الأسابيع القليلة الماضية وبالتوازي مع ظهور مؤشرات حرب التجويع في غزة، أصبحت تميل إلى التشدد بما لا يليق بالموقف الملكي والمرجعي الرسمي الأردني ولا بأشواق الأردنيين وتطلعاتهم.
العبارات المرجعية تصبح أكثر أهمية؛ لأنها أعقبت سلسلة زيارات ومناورات دبلوماسية مع دول أوروبية تحاول تدويل ملف المساعدات والممرات الإنسانية، وتدعم سيناريو إعادة إنتاج «حل الدولتين».