الكرسي الثالث» واستعادة الدور الأردني في المعادلة الفلسطينية
تعزيز الديمقراطية لأنها قوة وطاقة ومصارحات وطنية عميقة بشأن تقصيرنا مع ثلاثة أجيال في الضفة الغربية
حنين وشوق الأردنيين لاستعادة دور بلادهم الإقليمي، خصوصا في عمق المعادلة الفلسطينية لا يضاهيه أي شوق آخر. يعرف أصغر أردني معادلة «وحدة المصير والمستقبل» ليس مع فلسطين التاريخية بل مع فلسطين التي يمكن أن تولد كدولة الآن، بإذن الله، من رحم معاناة وعذابات أطفال قطاع غزة، وليس من رحم النظام الرسمي العربي ولا جنرالاته.
بكل حال لا شكوك بأن حاجة الأردن ملحة قبل الفلسطينيين للجلوس على الكرسي الثالث. ولا شكوك بأن الثابت الأردني ضد العدوان متقدم وبأن المبادرات المرجعية تتصدر وتقفز بين الألغام التي يزرع معظمها اليوم الحليف والصديق الأمريكي قبل اليمين الإسرائيلي الذي انقلب على الأردن دولة وشعبا. لذلك لا يحتمل أي حديث عن الكرسي الثالث لا المبالغة ولا التهويل ولا السخرية والاتهام والتشكيك.
وما قلناه سابقا في الحديث عن تقصير الدولة الأردنية مع أهل الضفة الغربية نعيده من باب التذكير بأن التكرار يخفف من وطأة التشاطر والشطار. حتى نضمن لبلادنا مقعدا مريحا على طاولة ثلاثية ينبغي أن نعالج قبل ذلك العديد من المشكلات، حتى لا يصبح الحديث عن حتمية جلوس الأردن على الكرسي الثالث مع الفلسطيني أيا كان، والإسرائيلي أيا كان تحت ظل الراعي الأمريكي إلى مجرد دعابة أو خيال، يمكن أن يمارسه كل رموز انغلاق الأردن على نفسه أو دعاة الحرص فقط على «مصالح الأردن» بمعزل عن العذاب الفلسطيني.
صحيح المشهد معقد ولا نشكك لا بنوايا ولا طوايا من يقول بأنه لا حل للقضية الفلسطينية بدون الأردن، أو يقول بأن الكرسي الثالث حتما لجالس أردني وبأن الاقتصاد الأردني في العام المقبل في طريقه نحو التعافي أكثر لأن مشاريع التنمية في الحالة الفلسطينية الجديدة ثلاثية.
مثل هذا الخطاب نصفق له بالتأكيد ولا يختلف معه إلا ناكر للجميل أو «حافظ مش فاهم». لكن الخشية كبيرة ولأسباب موضوعية وذاتية فقط أن يتمكن طرف رابع يسعى إليه الإسرائيليون ويريدونه للجلوس على الكرسي الثالث بدلا منا نحن الأردنيين.
أعبر علنا عن خشيتي من أن تنتهي التعاقدات الإبراهيمية إياها سيئة السمعة والصيت بإقصاء الأردن عن الكرسي وحتى عن الطاولة.
خبراء كثر أقابلهم لديهم إحساس مريب بالمخاطر، وبأن عدة أطراف قد تستثمر في المشكلات ـ أو التحديات إن شاء البعض ـ الموضوعية الأردنية لإقصاء بلادنا عن الملف الحيوي والأساسي أو حتى لبقاء المفاوض الأردني في الغرفة بدلا من الجلوس كطرف أساسي وفاعل على طاولة القرار.
تعزيز الديمقراطية لأنها قوة وطاقة ومصارحات وطنية عميقة بشأن تقصيرنا مع ثلاثة أجيال في الضفة الغربية
نحترم المبادرات المرجعية ونؤكد على وحدة الحال مع الأشقاء في الضفة الغربية، ونؤمن بأن الأردني الصالح هو فقط ذلك الذي يدفع في اتجاه تفعيل وتنشيط كل خلايا الجاهزية الأردنية للجلوس على المقعد الثالث، ولو حتى من باب اتقاء شر شريك السلام الإسرائيلي الانقلابي أو من باب اتقاء شر الإبراهيميات الطامعة.
حريصون جدا على استعادة الدور الأردني في المعادلة الفلسطينية. وحريصون أكثر على جلوس بلادنا على الكرسي الثالث.
وما نقترحه بكل بساطة، ودون لف أو دوران أو مراوغات شماتة أو استفزازات أو حتى تعليقات ساخرة في غير مكانها، هو التحرك لكي نضمن جلوس الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أصلا على طاولة أردنية، وليس العكس والسهر على أن نصنع كرسيا يلائمنا أصلا حتى نجلس عليه بارتياح، فيما يبحث العالم عن حلول قيادتنا هي الأجدر بتقديمها.
لذلك أشعر بالامتنان كأردني ليوم 7 أكتوبر المجيد، فقد أتاح لي فرصة أن أبدأ بتجهيز الكرسي والطاولة بمعنى الاستخدام السياسي المنتج لأوراق القوة الوطنية بصيغة تمنع إبعاد بلادي أو إقصائها عن الطاولة والكرسي لا من الصديق ولا من الشريك ولا من الشقيق.
هل نخرج من «الملة الوطنية» إذا قلنا بأنه يتوجب علينا صناعة الكرسي بدلا من انتظار من يجلسنا عليه؟
هل يتم تكفيرنا سياسيا إذا ما اقترحنا بأن نستعد بعمق للحظة الجلوس على الكرسي الثالث، بمعنى معالجة المشكلات التي تمنعنا من استخدام أوراق القوة والتخطيط الجيد للحظة تاريخية فارقة، ولو من باب الانسجام مع ما قاله يوما الفاضل الدكتور مروان المعشر عندما اقترح أن نبدأ بالتخطيط لأنفسنا في الوقت الملائم، قبل الخضوع لما يخططه ويرسمه الآخرون.
نعم وبكل صراحة لا نستطيع خوض اشتباك سلام بالفريق السياسي الحالي الذي يقود الأمور فما بالكم باشتباك تفاوض وتحصيل مصالح.
نعم نحتاج لمطبخ حكماء سياسي جريء وخبير وصاحب قدرات وشرعيات بدلا من مراهقين أو مغامرين أو ضعفاء.
الجلوس على المقعد الثالث أردنيا يتطلب تعزيز الديمقراطية لأنها قوة وطاقة ومصارحات وطنية عميقة بشأن تقصيرنا مع ثلاثة أجيال في الضفة الغربية. ويتطلب أيضا مراجعة كل الماضي مع الإسرائيلي والتوقف عن وضع البيض فقط في سلة السلطة الفلسطينية.
بدون ذلك قد لا نجد الكرسي حتى نجلس عليه.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»