اراء و مقالات

هل قرأ الأردن «أوكرانيا وسوريا»؟… تحذيرات من «التكيف المسموم» و«الترانسفير» بعد «الوصاية»

عمان – «القدس العربي»: قد لا يقف الأمر عند حدود تقويض الأمر الواقع في القدس ومعه الوصاية الهاشمية إذا ما أفلتت اللحظة وبقيت عمان في حدود موقفها الحالي الرسمي فقط عند محطة استدعاء السفير الإسرائيلي والاحتجاج لديه أو توبيخه على تسلل الوزير إيتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى.
والانطباع مبكر بأن الأمر قد يتعدى في حال استسلام مسار التكيف الأردني للتضليل الذي تمارسه حكومة اليمين الإسرائيلي باتجاه تحفيز سيناريو تهجير الفلسطينيين أيضاً، والضغط تحت لافتة إنسانية مجدداً على المملكة الأردنية الهاشمية. سياسيون كبار يعتبرون تغيير الوضع القائم في القدس أكثر من مجرد تجاوز للخط الأحمر الأردني، بل تجهيز لتجاوز كل الخطوط الحمراء لاحقاً.
وما يقترحه وزير البلاط الأسبق والخبير الدكتور مروان المعشر، اليوم، على نخب بلاده هو الانتباه جيداً؛ لأن نخبة الطبقة الحاكمة في إسرائيل اليوم تؤسس لمشروع الوطن البديل ليس لأن ذلك سيحصل اليوم أو غداً، ولكن لأن فكرة تقبل العالم والمجتمع الدولي -كما يشرح المعشر أمام “القدس العربي”- لعمليات التهجير والترانسفير تغيرت أو تبدلت أو حصلت فيها نقاط تحول.
السياسي الذي بقي أردنياً طوال سنوات يحذر من الترانسفير الناعم، كما وصفه علناً، هو رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، الذي شرح عدة مرات وبحضور “القدس العربي” بأن إسرائيل لا تتحرك عبثاً، ولديها خطط وبرامج شيطانية، والتهجير إن حصل ليس بالضرورة أن يكون على شكل تقليدي كما كان في الماضي، بل استرسال في الضغوط على الشعب الفلسطيني لتفريغ الأرض والسكان.
تلك نظرية يوافق عليها المعشر ضمناً، لكن الأهم أردنياً أن يقرأ الجميع بأن المجتمع الدولي تقبل اليوم ومنذ سنوات فكرة تهجير أكثر من 6 ملايين مواطن سوري من بلادهم، وهو في حالة تعايش وتكيف مع تهجير أكثر من 12 مليون أوكراني اليوم. لا توجد أدلة بأن النخبة التي تتخذ القرارات في عمان تقرأ جيداً الحصة الأوكرانية والسورية في مدرسة التحولات الدولية والإقليمية. ولا توجد قرائن وأدلة على أن ما يسمى بمسار التكيف يدرك حصراً بأن الهدف التالي في مشروع اليمين الإسرائيلي قد يكون الوطن البديل، وهو ما ألمح إليه رئيس الديوان الملكي الأسبق جواد العناني عندما تحدث عن خطين أحمرين سيستدعيان الحرب والاشتباك العسكري إذا ما تجاوزهما الإسرائيلي.
مراقبون مخضرمون من بينهم المصري والمعشر، يلاحظون عموماً بأن التوصيفات والبيانات الرسمية الأردنية لا تزال في حالة تجنب لذكر واتهام حكومة إسرائيل الحالية بالعنصرية التي تمثلها حتى بالنسبة لأطياف كثيرة اليوم في الولايات المتحدة والدول الأوروبية والغربية.
مسار التكيف بهذا المعنى إذا ما استرسل تحت ستار اللجوء إلى دولة مثل الإمارات كلما تجاوزت حكومة نتنياهو خطوط الأردن الحمراء، أصبح يشكل عبئاً على القرار السياسي الأردني المستقل. بل إن مسار التكيف الذي حذر منه المصري مبكراً قبل أسابيع وغيره أصبح يشكل خطراً بحد ذاته على المصالح الأساسية للأردن والعليا. ويزداد الخطر كلما مال رأي في نخبة عمان للانحياز إلى ما يسمى بالواقعية والتعامل على أساس التكيف مع التذكير بأن العبء على المملكة كبير وينبغي التخفيف منه قليلاً في ملف القدس.
لكن السماح لليمين الإسرائيلي اليوم بالإفلات بأجندة مرتبطة بالقدس والمسجد الأقصى يعني الاسترسال في تكيف مسموم سيضع المملكة للاحقاً أمام الاستحقاق الأخطر في الخطوة التالية لليمين الإسرائيلي، وهي تدشين مرحلة الضغط الاقتصادي والمعيشي على الفلسطينيين لأغراض الترانسفير.
هذا ما يقوله ساسة كبار بمن فيهم مفاوضون، للإسرائيليين سابقاً، وإن كانت حسابات غرفة القرار العميق أردنياً في اتجاهات مختلفة قد تكون غامضة أحياناً إلى حد ما، أو غير واضحة على الأقل للرأي العام، لأن أي نمط من المشاورات بخصوص الخطوة التالية في مواجهة نتنياهو وبلطجيته – على حد تعبير النائب خليل عطية – غير معلومة بعد، ولأن الشارع الأردني وفقاً لعطية وغيره كما قال لـ”القدس العربي”، لا يبدو مقتنعاً بأي حال بالوقوف عند محطة استدعاء سفير الكيان، فأقل المطلوب مرحلياً رسالة واضحة الملامح تقول بأن على عمان طرد سفير الإسرائيليين واستدعاء السفير الأردني وإغلاق السفارة خلافاً لطرح الورقة الأضخم والأهم، برأي عطية، وهي فتح الحدود للجهاد والنضال والمقاومة، وتمكين الشعب الأردني من توجيه رسائله للعدو عبر الحدود أيضاً ما لم ترتدع رموز البلطجة والعربدة الإسرائيلية.
وتلك دعوات وجدت صداها في الشارع الأردني أمس الأربعاء، حيث طالب النائب ناجح العدوان، بعد عطية، بفتح الحدود مع العدو، وحيث اعتبر النائب ينال فريحات أن المرحلة تتطلب الرصاص وليس الكلام. وحيث – وهو الأهم – بدايات شعبية أردنية في مخاطبة الدولة العميقة حتى تبدل في المعطيات والمواقف والتكتيكيات والقناعات باتجاه يرقى إلى مستوى الرد والاشتباك على تجاوز خطوط الأردن الحمراء.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى