المستثمر الأردني و«المسؤول»: من «يبتزّ» الآخر؟ سؤال «زرعه» رئيس الوزراء و«أزمة المناصير» تتدحرج

عمان- «القدس العربي»: الانطباع الذي سجله رجل الأعمال والمستثمر الأردني البارز، زياد المناصير، بعنوان «مضايقات تعرضت لها مشاريعه»، بدا سلبياً بصورة مؤكدة.
تلك السلبية تزداد حدة؛ لأن المناصير على نحو أو آخر قرر التحدث علناً أو لم يعارض ما تسرب من أقواله بخصوص طبيعة تلك المضايقات، لأنه -رقمياً- موصوف بأنه «أكبر مستثمر فرد في البلاد».
ما يجعل المشهد مثيراً للتساؤلات السياسية وليس البيروقراطية فقط هذه المرة، هي تلك الصدفة الزمنية التي دفعت بأقوال منقولة عن المناصير، عنوانها تذمر وشكوى أحد أبرز المستثمرين في البلاد، في نفس التوقيت الذي دفعت فيه الحكومة بمشروع الميزانية المالية التي تخصها للعام المقبل إلى البرلمان لتحصيل التفويض اللازم.
النقاشات أصبحت مثيرة أكثر بعدما تحدث المناصير، مع أن الرأي العام لم يعلم بعد أين ومتى تحدث الرجل، وما الذي قاله تفصيلاً، وبأي سياق؟
على أي حال، العبارة الأكثر إثارة للجدل في الكلمات المنقولة عن المناصير هي تلك التي يقترح فيها أن مسؤولين وموظفين في السلطات التنفيذية يطالبونه بتعيين أولادهم وزوجاتهم في المشاريع، وأن مثل هذا الطلب يعرضه للمضايقة؛ لأنه لا يؤمن بالوساطة والمحسوبية في إدارة المشاريع.
سواء خطط لذلك أم لم يفعل، ألقى رجل الأعمال المتخصص بالطاقة والمحروقات والإنشائيات قنبلة دخانية في توقيت حرج للحكومة وبصيغة فيها قدر كبير من الإثارة، بصرف النظر عن صدقية التفاصيل وسط حالة شعبية أو شعبوية تميل ظرفياً لالتقاط الإثارة عندما تنتج، وإلى جانبها حالة برلمانية ليست معنية بالتدقيق والتمحيص، لا بل حتى بالتسييس.
الحكومة عملياً تسرعت في الرد على تصريحات منقولة في ظرفية غامضة. ورجل الأعمال المشار إليه هو أحد اللاعبين الكبار منذ عدة سنوات، وسبق له أن قاد مبادرات وظهر في نشاطات رسمية وحكومية متعددة لها علاقة بالتحديث الاقتصادي، وحظي بدلال مفرط بيروقراطياً، والتقط عدة صورة برفقة رئيس الوزراء الحالي ضمن مبادرات تنشيط استثماري.
ذلك يجعل أي تصريح يصدر عن المناصير بالمعنى السلبي، جزئية تلتقطها جميع الرادارات الساخطة أو السلبية أو المناكفة خصوصاً ضد الحكومة.
يجمع الخبراء والمراقبون على أن الضجيج الذي أعقب تعليقات المناصير يدل على «حلقة ما مفقودة»، وفيه إشارة متقدمة لحالة الفوضى على مستوى النخبة الاقتصادية وارتفاع مستويات الارتجال والعشوائية في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، خلافاً لغياب حالة الديمومة في شراكة حقيقية بين القطاعين.
هنا حصراً تسبب الحديث عن مضايقات لمستثمر كبير بإحراج شديد اللهجة للحكومة، لكنها بادرت وتحركت في محاولة الرد على السلبية بخطوات إيجابية متزنة قدر الإمكان، كان عنوانها الأبرز الجملة الاعتراضية المباشرة من جهة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، التي تختص بمحاربة الفساد ودعم الاستثمارات وتوفير البنية الملائمة لها.
ما بادرت إليه هيئة النزاهة يعدّ خطوة بيروقراطية شجاعة تحتوي على جدل شعبوي، فقد قررت اعتبار ما نقل عن المناصير أنه «إخبار» بالمعنى القانوني، يستوجب التحرك في التحقيق، وأعلنت أنها ستستمع لإفادة الرجل، وستتخذ كل الإجراءات لكشف أي موظفين متورطين في إعاقة أو مضايقة المستثمرين.
هيئة النزاهة هنا التزمت بالخط البياني لصلاحياتها القانونية بعدما اعتبرت ضمناً ما نقل من تصوريات بمثابة بلاغ يستوجب التحقيق من جهة الادعاء والنيابة، قبل أن يدعم هذا الاتجاه بدوره رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان.
أما الحكومة فاستشعرت خطورة التداول العنيف لتصريحات المناصير المنقولة. وقبل أن يبدأ مطر الأسئلة بالهطول عليها من الشارع والنواب، بادر رئيس الوزراء حسان للاجتماع برئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والإعلان عن دعم الحكومة المطلق لجهود الهيئة في محاسبة كل من يعيق الاستثمار.
لكن إشارة «ملغزة وغامضة» في تصريح نقلته وسائل الإعلام الرسمي عن الرئيس حسان، توحي سياسياً بوجود مشكلة ما مع المستثمر الأبرز في مجال الطاقة.
رئيس الحكومة جمع هنا ما بين محاسبة كل من يعيق الاستثمار في البلاد، وبين «لن نسمح لأي مستثمر بالضغط على أصحاب القرار لتحقيق مصالح خارج القوانين والأنظمة».
مع تصريح تلميحي بهذا الحجم، يصبح السؤال وقد رسمته الحكومة هنا بذكاء: من يبتز الآخر… المستثمرون أم الموظفون والمسؤولون؟
سؤال سياسي وبيروقراطي وطني بامتياز، لا تصلح الوقائع التي يشير لها المستثمر المناصير للإجابة عليه بدقة موضوعية وبدون معلومات ومن الطرفين.
الحادثة فتحت المجال للنقاش، والباب على مصراعيه للاحتمالات. والرئيس حسان نقل القنبلة الدخانية بتصريحه إلى مستوى الإيحاء بأن بعض المستثمرين يضغطون لمخالفة القوانين؛ بمعنى الحصول على امتيازات.
عملياً، قصة السعي للوساطة والمحسوبية ولتحصيل وظائف عبر رموز القطاع الخاص تبدو رواية يشتريها العامة ببساطة، لا لأن رقعة البطالة تزيد وفرص التوظيف نادرة، ولكن لأن الثقافة الاجتماعية تسمح بذلك، أو لأن طموح موظف ما بتعيين أحد أقاربه لدى القطاع الخاص هي مسألة مألوفة اجتماعياً، ولا يمكن وصفها باعتبارها «ابتزازاً مقصوداً» من باب الإنصاف في التحليل.
والاستفسار هنا يصبح بين الواجبات الموضوعية عندما يتعلق الأمر بمستثمر من شريحة الحيتان. عملياً، لا يمكن القول بأن أي مسؤول بيروقراطي قادر على ابتزازه فعلاً بوظيفة هنا أو هناك، بسبب قدراته على الاتصال والرفض والشكوى.
وهي جزئية واضح تماماً أن المناصير مطالب بالإجابة عليها الآن، فيما قصته تتدحرج في التحقيق والنيابة ولدى الرأي العام، وستتدحرج أكثر بالتأكيد قريباً جداً تحت قبة البرلمان.
الأهم أن الحكومة وهي تسارع لاحتواء جدل مع أحد أركان الاستثمار الكبار، ألمحت ضمناً لوجود إشكالية من طراز غامض حتى الآن مع بعض فئات المستثمرين، فيما الحقائق والوقائع بتوقيع المناصير -كما هي معلنة وقبل التوثق منها- مؤلمة سياسياً، إلى درجة لا يمكن صرف النظر عنها أو التغافل فيما يخصها.
التحقيق في هذا المعنى في ملف ابتزاز المستثمرين -إن جازت التسمية- دخل مستوى الاستحقاق بعدما علق المناصير الجرس، فيما القناعة «مؤكدة» بأن أي موظف بيروقراطي معه صلاحيات يستطيع- عندما يريد- إنتاج انطباع سلبي يحرم البلاد من استثمارات ويملك مساحة مطاطة بيروقراطياً لمضايقة «أي مستثمر» ما دامت أبواب الوزراء مغلقة، حيث لا يخدم هنا الوجود فقط في الميدان.
وفي الخلاصة المرحلية، النقاش العاصف الذي أثاره المناصير قد لا يتوقف قريباً.
