الملف المالي في الواجهة والأردن خاطب البنك الدولي: “لا إملاءات بعد اليوم …اسمعونا”
عندما قاد الوزير الأردني الدكتور محمد العسعس لمصلحة بلاده جولة المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي وقبلها البنك الدولي، وصل الحوار لأحد المقاطع إلى جزء يحاول فيه العسعس تذكير إحدى كبريات هذه المؤسسات بطبيعة الموقف الوظيفي الذي كان سيجلس فيه لو قبل الوظيفة التي عرضت عليه.
في العادة العسعس وزير المالية الحالي، هادئ الطباع وقليل وخافت الكلام ولا يؤمن بالانفعال. لكن المواجهة مع ممثلي المانحين الدوليين وسط جمهور لا يفرق أحيانا بين واجبات البنك الدولي ووظيفة صندوق النقد تتطلب في بعض المراحل “الندية ” ولغة الأرقام لا لغة المشاعر ولا التلعثم كما كان يحصل مع مفاوضين سابقين ترسلهم عمان بدون فائدة.
في كل حال وبتصنيف الخبير الاقتصادي الأول تقريبا في مجلس النواب الدكتور خير أبو صعليك، قرر الدكتور العسعس ترتيب أوراق مشروعه السياسي في الملف المالي في ضوء الوقائع والحقائق والأرقام والإمكانات.
وحتى تنجح خطة العسعس في استبدال أسلوب الجباية الضريبية فقط بمنطق تحفيز النمو الاقتصادي تطلب الأمر الكثير من الشرح والأوراق والتحليل العلمي والرقمي والعودة لنظريات الاقتصاد. كما تطلب ندية في التفاوض يزهد المسؤولون في العادة في اظهارها.
في تشخيصه للترتيب المالي الاقتصادي الجديد وأمام “القدس العربي” وصف الدكتور أبو صعليك اتجاه الحكومة بأنه يبدو معقولا لكن الحذر واجب خصوصا إذا لم ينته التوسع في الانفاق الرأسمالي بتحريك النمو الاقتصادي.
قالها أبو صعليك مباشرة وأمام “القدس العربي”: “قد تبرز مشكلة أكبر إذا اختل المسار الحالي لا سمح الله ولكن الاتجاه جريء ولا بد من الإقرار أنه يحرك من حال الركود”.
يرد العسعس وعبر “القدس العربي” أيضا بكل دماثة مهنية ودبلوماسية: “أتفهم طبعا الدوافع الوطنية ومظاهر القلق عند الزميل أبو صعليك وقد تحدثت معه مرارا وطاقم الحكومة الاقتصادي جاهز لأي شرح أو تفصيل”.
قبل ذلك كان العسعس يخاطب المسؤولين الدوليين بعبارة واضحة الملامح “لا املاءات بعد الآن… عليكم أن تسمعونا”.
البرنامج الذي بدأ عمليا بسلسلة تحت عنوان حزمة التسهيلات لتحريك الواقع الاقتصادي الأردني، توج بميزانية مالية واقعية ولا تبالغ في أي رقم بشهادة رئيس اللجنة المالية في البرلمان خالد البكار.
تقصد الطاقم الذي أعد الميزانية المالية ذكر الحقائق كما هي وخلافا للميزانيات في الماضي لم يرفع بند الواردات للخزينة ولم يخفض بند النفقات.
على العكس تماما ثمة مصادر تؤكد أن وزارة المالية هذه المرة تقصدت أن لا تضع في الواردات المتوقعة مبالغ ومنح مالية موعودة بها أو حتى شبه مؤكدة، وتقصد أيضا أن تزيد قليلا في نفقات قد لا تنفقها بهدف توفير بعض الفائض.
خلافا للانطباع العام زادت النفقات الرأسمالية بأكثر من 300 مليون دينار وشكل ذلك خطوة غريبة أثارت الجدل لكن قناعة الوزير العسعس راسخة أن تحريك الاقتصاد أصلا غير ممكن بدون ضخ المزيد من المال في الدورة الاقتصادية وهو مال يحمي الكثير من القطاعات ويعود بالتأكيد جزء منه بالنتيجة لخزينة الدولة على شكل ضرائب ورسوم.
من حيث الشكل والمضمون أقر العسعس أمام صندوق النقد ورموزه بأن الاتجاه السابق في إدارة الاقتصاد والموارد ومالية الدولة وقد كان مخالفا لنظريات العلم أصلا، وبالرغم من وجود وصفات محددة لم ينته بتحقيق المأمول من خفض عجز الميزانية.
وقال: “واضح لنا ولكم أن الاتجاه الذي سلكناه لم يحقق الذي تريدون، وبمعنى آخر الدرب الصح هو في السير المعاكس، واسمحوا لنا بعد الآن أن ندير شؤوننا بأنفسنا وبدون املاءات من جهتكم وما لكم علينا هو الوصول إلى النتائج التي تطالبون بها لكن كيف سيحصل ذلك هو خيارنا الوطني في الإدارة”.
من هنا تحديدا ولدت أصلا حكاية وقف سياسة التصعيد والجباية الضريبية والعمل على تحفيز الاقتصاد وهي سياسة لا يعارضها سياسي اقتصادي كبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة نائب رئيس الوزراء الأسبق عندما قال لـ”القدس العربي” ومرات عدة أن الاتجاهات التي سارت فيها الإدارة الاقتصادية لم تكن مثمرة والسير في اتجاهات معاكسة هو الصحيح.
الحقيقة ان الحلايقة قال ذلك منذ عامين ونصح به وقبل تحول العسعس من وزارة التخطيط إلى وزارة المالية.