الوضع في دمشق «حساس» وقابل لـ «الانفجار» … ماذا سمع بلينكن في العقبة؟
عمان- «القدس العربي»: الرسالة التي برمجتها “قوى الشارع” الأردني خلال الأيام القليلة الماضية هي على الأرجح جزء حيوي من تفاعل معقد داخلياً، مع مشهد سوري حمال أوجه ومفتوح على عدة احتمالات ويستوجب أقصى طاقات “الحذر”.
لكنها -حتى اللحظة على الأقل- بقيت متزنة ويفترض أن تبقي كذلك بعيداً عن محاولات لي ذراع السلطة الحكومية وإجبارها على اتخاذ سياسات متسرعة في دعم وإسناد الحالة التي نتجت عن “حكام سوريا الجدد” حيث منظومة “جهاديين” تسلمت زمام الأمور في دمشق وتضم عشرات من الشخصيات “الأردنية المؤثرة” في جسد المنظمات السورية الحاكمة الآن.
تتواصل المحاذير ويعبر عنها بعض الخبراء وعلى رأسهم الفريق الركن المتقاعد قاصد محمود، الذي ظهر وهو يجيب عن تساؤلات مخاطر الاستهداف العسكري الإسرائيلي للمقدرات السورية في غفلة من البهرج الاحتفالي الطاغي.
مبكراً، اقترح الباحث الأردني الدكتور وليد عبد الحي، على متابعيه وهم نخبة مثقفين، عدم الاستعجال وطرح أسئلة ينبغي أن يجيب عليها “حكام سوريا الجدد” قبل الاسترسال بالتصفيق المهرجاني لسقوط النظام السابق.
لكن التفاعل الشعبي أو الشعبوي أثبت بأن “قوى الشارع” لا تريد إلا الضغط على الدولة الأردنية للإسراع في التشبيك الإسنادي مع الثورة السورية الجديدة دون الوقوف عند محطة اللهجة التي يستعملها الخطاب الرسمي الأردني وهو يعبر عن “احترام ما يقرره الشعب السوري الشقيق”.
هنا يمكن ملاحظة أن التفاعلات النقاشية وسط الأردنيين أصبحت أكثر حدية مع مرور أول أسبوعين على “المتغير السوري”؛ لأن مجرد فكرة “ثورة يساعدها الإقليم في تسلم الحكم” خطرة للغاية بالنسبة لأطراف مهمة في الجوار والنظام الرسمي العربي، على أساس أن الأردن الرسمي أصلاً يتحرك في الفضاء الإقليمي ولاحقاً الدولي ضمن مساحة شركاء أساسيين “لن يعجبهم” بالضرورة أن تنجح ثورة الشعب السوري، حسب المحلل السياسي الإسلامي رامي العياصرة، الذي يوافق على أن “الأولوية” بعد “الحذر واجب” عموماً هي “تمكين الشعب السوري من إعادة بناء مؤسساته ودولته”.
لا يعترض العياصرة على “معادلة الحيطة والحذر” أردنياً في كل الأحوال، لكن مراقبين آخرين للمشهد يحذرون من تأثير “خصوم الثورة السورية والإسلام السياسي” من شركاء الإقليم العرب على أي حالة يقرر الأردن التموقع فيها.
لذلك، حصراً، تبدو الدولة الأردنية “حذرة جداً” وهي تبرمج خطواتها في اتجاه المستجد السوري بصيغة تخفف ضغط الشارع الشعبوي المحلي وعلى رأسه نشطاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين طالبوا بأكثر من موقع بخطوات واسعة اعتبرتها السلطات “متسرعة” لمبايعة ثوار سوريا وحكامها الآن.
الجملة النقدية لبطء معادلة الأردن الرسمي في التفاعل مع المشهد السوري يمكن رصدها في تعبيرات وأدبيات كتلة جبهة العمل الإسلامي البرلمانية، وكذلك في العديد من الآراء المتحمسة خارج البرلمان.
في المقابل، رد المؤسسات الرسمية واضح في السياق بعيداً عن الاستعجال، ومبرمج على أساس معادلة ثنائية تظهر أولاً “حسن النوايا” العامة تجاه “خيارات الشعب السوري” مع التقدم بخطوات بيروقراطية محددة لإقناع حكام دمشق الجدد بأن الدولة “مستعدة للتعاون”، مثل تسهيل عودة اللاجئين، وإعادة فتح الحدود لنقل البضائع، وتأسيس مركز لوجستي وخلية أزمة لإرسال مساعدات.
كما تظهر المعادلة، ثانياً، الاهتمام بالتروي وتجنب الإفراط في الحماسة، ثم العمل مع المنظومتين العربية والإقليمية بمعية “الراعي الأمريكي” للثورة السورية الجديدة تحت إطار “تعريب وأقلمة” الاتجاه والخطوات.
وما قيل لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في نقاشات هوامش زيارته الأخيرة للعقبة، هي خطوة في المسار المبرمج وتلميح إلى الإصغاء للخبرة الأردنية التي تقدر بأن إعادة بناء استقرار سوريا “غير ممكن” اعتماداً فقط على عملية سريعة وخاطفة منسقة مسبقاً مع بعض الأطراف وليس كلها.
بلينكن سمع أيضاً صيغة تقترح “التصريحات الناعمة والكرنفالية” لحكام دمشق الجدد من الجيد التفاعل معها بروح إيجابية، لكنها “لا تكفي” بكل حال من دون “مراقبة الممارسات”.
وجهة نظر الأردن التي قيلت للأمريكيين تربط بين أي برمجية لاستقرار النظام السوري الجديد، والعودة إلى جذر الاشتباك بعنوان “وقف حالات الاستغلال الإسرائيلية أولاً، لأنها مربكة ومخيفة وتهدد أي عملية تمكين”، ثم “العمل وفوراً على وقف الحرب في غزة” باعتباره “المفتاح” المركزي حتى للبحث في المستقبل السوري.
لم تعرف ردة فعل الوزير بلينكن على “مقترحات الخبرة الأردنية”، لكن التفاعل الأردني معه بزيارة العقبة انتهى بما أعلن في اليوم التالي من جبهة وزير الخارجية أيمن الصفدي، آخر مسؤول عربي عملياً قابل الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
المعلن هو “طاولة مستديرة” تستضيفها عمان، السبت، على المستوى الإقليمي بحضور وزراء خارجية كل دول الجوار العربي، مع تركيا وبلينكن، وبدون أي استثناء.
عمان في المستوى الدبلوماسي تريد أن تحتاط في المسألة السورية بخصوص كل الاحتمالات، لأنها تتصور بأن الوضع في دمشق “حساس للغاية” وقابل للانفجار في أي وقت، بصيغة تهدد المنطقة برمتها.
والمقصود في لقاء طاولة عمان ليس فقط أن تتحرك الدبلوماسية الأردنية وتتفاعل بصورة منتجة لأسباب سياسية وإقليمية وأخرى “داخلية”، لكن أيضاً لإنجاح التجربة السورية الجديدة، بمعنى تشكيل حزام إقليمي من دول الجوار يدعم استقرار سوريا ويدفع في اتجاه ضمانات بأن لا يتم العبث في ذلك الاستقرار.
قد تبقى تلك مجرد آمال عريضة، لكن الوزير الصفدي يبدو مهتماً للغاية بإظهار مرونة تجاه القدرة على التحريك، خصوصاً بعدما تبين في غرفة صناعة القرار الأردنية أن الوضع في الداخل السوري لا يختلف عن الوضع في لبنان ولا عن الوضع في الضفة الغربية.
حتى تظهر جرعة متزنة عند الشعب السوري في إسناد الاستقرار العام، يحتاج -برأي الأردنيين- إلى أموال كثيرة في ظل الحالة البائسة للإدارة السورية وضعف إمكانات الأردن في تقديم دعم حقيقي أو دفع كلفة أي صراعات داخلية جديدة يمكن أن تنشأ في الداخل السوري.