عمان ـ «القدس العربي»: الحوار الذي رصده المهتمون من الأردنيين بين كل من السياسي اليساري البارز والمخضرم بسام حدادين، وشخصية وطنية تمثل أحد أبرز رموز الحزب الديمقراطي الاجتماعي الشيخ طلال صيتان الماضي، هو حوار «مفيد ومنتج ويؤسس لبعض الانطباعات المهمة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن إجابة على سؤال حائر: ما هو موقع تيارات اليسار والاتجاهات المدنية والديمقراطية من خريطة الانتخابات المقبلة في 10 أيلول/سبتمبر المقبل في البلاد؟
كثيرون في أوساط المراقبة والتكهن والتحليل يتجنبون الخوض في مثل هذا السؤال بسبب الوزن النوعي الذي لا يليق بالتقدميين واليساريين بالعادة في مألوف وتراث اتجاهات الناخب الأردني.
حوار صريح
وكثيرون في المقابل، يعتقدون أن أي اندماج أو حتى زواج حزبي وسياسي بين شخصيات محافظة وأخرى يسارية، هو تجربة قد يحكمها الفشل. لكن مثل هذا الرأي قد لا يصمد في مواجهة الحالة الجديدة التي تكرسها الآن في المشهد تفاعلات وفعاليات برامج تحديث المنظومة السياسية.
وما اقترحه القيادي والخبير البرلماني محمد الحجوج أمام «القدس العربي» على الذين يكثرون من الانتقاد وترويج السلبية والتشكيك، هو الانتباه؛ لأن تجربة العمل الحزبي في الأردن تولد من جديد.
لذلك، فإن الحوار العلني بين «رفيقين» هما الشيخ الماضي وحدادين، مفيد في إظهار تلك المرونة التي ينبغي أن تنتج المشهد الحزبي الآن عند إعادة تدوير الزوايا، لا بل هذا الحوار الصريح إلى حد ملموس تميز بالعلنية والمكاشفة في مساحة حيوية من الصعب رصدها إلا عند التيارات اليسارية في المشهد الأردني؛ فالرفاق دوماً صريحون في الخلاف ولا يوجد ما يخفونه مثل ما يفعل غيرهم.
حدادين بهذا المعنى نشر مقالاً في صحيفة «عمون» الإلكترونية حاول التبشير فيه بولادة نجم الائتلاف الجديد بين التيارات التقدمية واليسارية والمدنية.
فكرة المقال بسيطة، وتتنبأ ضمناً بولادة التيار الثالث في البلاد طبعاً، في الاتجاه المعاكس لما سمّاه السياسي المحنك بـ «تيار الوضع القائم» ثم تيار الإسلام السياسي.
حوار «ممتع» بين «رفيقين»…
ذكر حدادين شيئاً ما عن حوارات معمقة تجري بين تحالف القوى القومية واليسارية والحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب التيار المدني، ثم صدم القراء والمتابعين برقم إحصائي في غاية الإثارة عندما قال إن هذا التحالف لديه 15٪ من أصوات الناخبين في المملكة.
بوضوح، يبدو الرقم متفائلاً لكنه يبقى ممكناً إذا توفرت القدرة الفعلية على توفير ما يسميه وزير مخضرم في الحكومة بالحافلة الثالثة على رصيف الانتخابات الوطنية.
والمعنى هنا أن حافلتين على مر السنوات متاحتان للناخب الأردني، هما حافلة التيار المحافظ الذي قرر حدادين إطلاق «اسم دلع» عليه هو «الوضع القائم» وحافلة الإخوان المسلمين. وما يوحي به المقال المشار إليه هو أن حافلة ثالثة يمكن تجهيزها لمن لا يريد الركوب مع الإخوان المسلمين أو مع المحافظين والحرس القديم ورموز من يسميهم بالعادة عضو مجلس الأعيان الناشط السياسي المعروف خالد رمضان، بمرشحي الثقل العشائري والتقليدي.
لا أحد في المقابل، يمكنه توقع منسوب الجدية في إنجاز تيار الحافلة الثالث الذي يقترحه حدادين؛ فالرجل كان للتو قد خرج من أزمة خلاف مع حزبه تميزت أيضاً بالعلنية.
لكن المثير أن الشيخ صيتان الماضي، قرر الرد علناً وموجهاً خطابه لرفيقه حدادين وبصيغة «لقد خانك التعبير.. لا تقصد التيار المحافظ ولا التيار الإسلامي ولا تقصد المساس بمبدأ المنافسة الديمقراطية».
ما حاول الشيخ الماضي قوله هو أن مسار التحديث السياسي تقرر، وجوهره ليس التضاد أو التناقض، بل المنافسة الديمقراطية الحرة والقانونية.
وجد الماضي نفسه مضطراً لقول ذلك حتى لا يحسب أمام الدولة والناس ما قاله الحدادين على تجربة الحزب الديمقراطي الفريدة والتي يعتبر الماضي من أبرز واضعي بصمتها اليوم، فيما حدادين على الأرجح تقصد لفت نظر الرفاق اليساريين وجماعات التيارات المدنية في الشارع، لأن لديهم فرصة حقيقية في إطلاق حافلة من أجل الانتخابات تستطيع حشد 15٪ من الأصوات إذا وجدت الركاب.
وهو رقم بالكاد يصل إليه التيار الإسلامي، وفي العادة يتجاوزه تيار الوضع القائم. وعموماً، مثل هذا الحوار العلني بين الرفاق ممتع ومشوق في الواقع، وصريح، لأن مسار تحديث المنظومة السياسية عموماً أطلق العنان لكل الأفكار والسيناريوهات بالتوازي مع إطلاق العنان لكل الإشكالات والاستعصاءات أيضاً.
مشكلات مستعصية
في جزئية الرفاق واليساريين الأردنيين مشكلات مستعصية. والانطباع العام أن السياق العام لهندسة الانتخابات يريد فعلاً وجوداً فاعلاً وقوياً لألوان اليسار والتيار المدني في سلطة التشريع.
لكن إنجاز وإتمام ذلك ـ على الأرجح هذا ما يقصده الحدادين ـ يتطلب الكثير من العمل والجهد ونبذ الخلافات والصراعات، لا بل إنكار الذات عند رموز وأدوات التعبير اليساري في البلاد، والتي أتيحت لها أو لبعضها أحياناً فرصة الجلوس في أحضان الدولة ومواقع القرار.
وجود لون يساري فاعل ومؤثر وبتفاضل عددي أمر مطلوب من كل الأطراف، وما يحاول التنبيه له حكيم صبور مثل الشيخ الماضي هو أن العمل البرامجي يضمن ذلك وليس الاقتحام والاشتباك على أساس تلك التقاليد اليسارية القديمة التي تبني مجدها بتقنية الاختراق على أساس خصام أيديولوجي مع الإسلاميين تارة، ومع التيارات المحافظة تارة أخرى.
كلاهما؛ أي الحدادين والشيخ الماضي، يقدمان بهذا الحوار الممتع إلى حد ما خدمة لتيارات الرفاق، حتى وإن كانت الأوضاع الداخلية صعبة ومعقدة سواء في الائتلاف الهش بين اليسارين والقومين، أو في بعض النسخ المستحدثة الجريئة باسم أحزاب تقدمية أو مدنية.