انتخابات الأردن و«اللعب النظيف»
الثابت الوحيد والذي لا أحد يملك الحق في المزايدة عليه أن مصالح الأردنيين عندما يتعلق الأمر بمؤسساتهم ودولتهم ومصالح المواطنين والشعب فوق كل الاعتبارات، سواء أكانت الحزبية الضيقة أو الاجتهادات المرتبطة بالأفراد والمجموعات.
الظرف الإقليمي صعب ومعقد والظرف الاقتصادي أصعب، والعالم في مواجهة تحولات حادة جدا، والدولة الأردنية خبيرة جدا في البقاء والثبات، ولديها تراكم في الصلابة والقوة ليس من حق أحد أولادها أو جهة منفردة فيها، سواء أكان فردا أو مجموعة أو حتى مؤسسة رسمية المساس بذلك.
لا شكوك بأن المرحلة لا تحتمل العودة للتجاذب ولا لخلط الهويات ولا لاجتهادات الولاء المسموم التي تسحب من رصيد الدولة ولا حتى لخلط الوقائع ضمن اعتبارات الوصفات القديمة التي لا معنى لها.
ثمة انتخابات على الدرب، لابد من تذكير جميع الأطراف المشاركة الآن في اللعبة الحزبية وفي المسار التحديثي للمنظومة ولاحقا التي تستعد للانتخابات بأن عليها تأخذ باعتبارها المصلحة الوطنية العامة والأساسية قبل الاسترسال أو الغرق في أي اجتهادات أو مناورات انتهازية ضارة أو فردية في مرحلة حرجة خصوصا من ذلك الصنف الذي يزعم الوطنية ويدعي الطهارة والحرص.
الانتخابات الوشيكة محطة مهمة وملهمة وعلى الجميع التعامل معها بطهارة وإيجابية وإذا كنا نطالب المواطنين بذلك، فهو أيضا واجب الجميع في مؤسسات الدولة والقرار حيث الحالة العامة الآن خطرة وحيث على المحك العديد من الاعتبارات والمحطات الحساسة.
نطالب جميع الأردنيين بدون استثناء سواء أكانوا من سكان الطوابق العليا للإدارة والحكم أو من القواعد الاجتماعية العامة أفقيا بأن ترتقي نظرتهم في هذه المرحلة الصعبة والحرجة وتعتلي ضمن بوصلة وطنية مسؤولة وأخلاقية تقدم الأدلة على «نكران الذات».
نعم نقولها بصراحة: هذه مرحلة نكران الذات واللعب النظيف. وما نقوله هنا حتى لا يتوهم القارئ لا يتعلق فقط بمنظومة النزاهة الانتخابية وتجميد أي مؤشرات «تدخل» في خيارات الأردنيين بل أيضا بوقف ممارسة حالة «الوصاية» على خيارات الشعب الأردني، وبالمقابل وقف ادعاءات تمثيل الأردنيين أكثر من مؤسساتهم وتجميد كل أفلام «التزوير الشعبي» والذهاب بنية صافية نحو الصناديق والاقتراع للكفاءة والمهنية والأخلاق وليس فقط للعصبية الفرعية، سواء أكانت حزبية أو تنظيمية أو حتى مناطقية وعشائرية.
هذه دعوى جماعية لإنكار الذات، ولتجميد أي سيناريو للعبث بالانتخابات ووقف الاحتقانات حتى يتصرف المواطن ويشارك بالانتخابات برشد وعقلانية
الجميع واجبه دخول اللعبة بنظافة والموقع البرلماني المنتخب تكليف ولا علاقة له بالتشريف وثمة حالة اسمها «المسؤولية الوطنية».
كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ هذا هو السؤال المركزي الذي لا مجال إلا للإجابة عليه ودون أن يزايد طرف على الآخرين بالتالي الظرف دقيق وحساس، وصلابة الأردنيين بالتأكيد في وحدة جبهتهم الداخلية وفي بقائهم ملتفين حول مؤسساتهم السيادية مدافعين عن هويتهم الوطنية خصوصا في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي نطالب فيه الأحزاب السياسية وقوى الشارع والمواطنين عموما بالالتزام أكثر في المرحلة الدقيقة والحساسة المقبلة بحزمة المصالح العليا وبالكلمة الوطنية السواء المستقرة الآمنة التي تخلو من الفوضى والاعتباط والعشوائية على المؤسسات ومن يقوم عليها بالمقابل التصرف ضمن إدراكها لحساسية الوضع العام ولتداعيات الوضع المعيشي والاقتصادي على الناس.
والمعنى هنا أن واجب دعم حالة الأمان والاستقرار الداخلية خصوصا في ظل ما يجري بالإقليم والعالم وواجب الانتباه والحذر والتقيد بالنص الوطني هذه المرة يتضاعف وعلى جميع الأطراف المعنية وبدون أي استثناء.
الحرص ليس واجب الشعب أو المواطن الأردني فقط لكنه واجب النخب وطبقة رجال الدولة والمثقفين وكبار رموز الإدارة وعلى الجميع البدء في تعلم درس إنكار الذات للحفاظ على المصلحة الوطنية الآن.
نقول ذلك وقد رصدنا لحالة فوضى وتجاذب وصراعات قوى من الصنف البائس السقيم المختل الذي يمكن طبعا دوما الاستغناء عنه عشية استعداد البلاد لانتخابات برلمانية في 10 أيلول المقبل يفترض أن تحتوي التجاذب لا أن تنتجه وتصنعه في أوساط الجمهور.
لا بد من كلمة سواء يلتقي عندها الأردنيون، ولابد من إعادة إنتاج العلاقة بين المواطن ودولته على أسس منصفة وعادلة تحصل فيها الدولة على مساحة واسعة من الخيارات تمكنها من الصمود والبقاء ومتابعة مصالح الشعب الأردني فيما لابد بالمقابل على قوى الشارع أن تعيد إنتاج قراءتها لحساسية المرحلة والتصرف على أساس مسؤول يحترم خيارات ومصالح وتوازنات الدولة ويذهب في اتجاه التعبير المسؤول المتوازن سواء عن الرأي أو الموقف أو المشاعر.
الأردن الضعيف لا يفيد إطلاقا أمته ولا يخدم شعبه. الأردن المتراجع في الإدارة وفي الإيقاع العام لا يخدم أهل غزة ولا المقاومة الفلسطينية ولا مقولة «دعم وإسناد الأشقاء».
لدينا انتخابات في غاية الأهمية يفترض أن تعيد صياغة موقف وصلابة الجبهة الداخلية.
هذه دعوى جماعية لإنكار الذات، ولتجميد أي سيناريو للعبث بالانتخابات ووقف الاحتقانات حتى يتصرف المواطن ويشارك بالانتخابات برشد وعقلانية ويقترع بعيدا عن السلبية والعدمية التي تشتكي منها الحكومة.