اراء و مقالات

بزشكيان… متى في عمان؟ «فخ نتنياهو» القاسم المشترك وتفاهم على فكرة «لنتحدث معاً بدون فلتر عراقي»

عمان – «القدس العربي» : لا يمكن إلا ملاحظة التزامن المبرر المقصود بين الحرب التي تعمل على توسيعها حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف بقناعة المؤسسة الأردنية العلنية، وبين لقاء المجاملة السياسي برفقة رسائله الأعمق الذي حصل على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
تقصد الإعلام الرسمي الأردني الامتناع عن تسليط أضواء كثيرة على لقاء القمة الأردني الإيراني في نيويورك، لكن ليست صدفة أن عمان توجه رسالة ما هنا بالتزامن مع توسيع الإسرائيليين لنطاق الحرب شمالي فلسطين المحتلة بعدما استقر في وجدان المؤسسة الأردنية الأمني والسياسي عموماً أن أفضل صيغة لحماية وتمكين الحدود الأردنية مع العراق وسوريا حصراً في مرحلة ما قبل الحرب الإقليمية الشاملة هي مصافحة الرئيس الإيراني المنتخب الجديد، وإظهار قدر من الانفتاح على المؤسسة الإيرانية، بدأه أصلاً قبل أسابيع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عندما زار طهران.
أوساط القرار الأردنية أشارت مبكراً إلى اللقاء مع بزشكيان بعدما استقبل الصفدي في طهران.
وانتقل الحديث في عمان عن المعادلة الإيرانية إلى مسافة متقدمة أكثر بعد انتخاب بزشكيان وفي ضوء الاحتياجات الأمنية العميقة أردنياً وحصراً على الحدود مع سوريا والعراق.
مبكراً، قال الخبير السياسي والاقتصادي البارز الدكتور جواد العناني، أحد أبرز خبراء الملف الإيراني محلياً، أمام “القدس العربي”، إن صيغة متطورة بصورة محسوبة في منظومة التواصل مع دولة جارة ومهمة مثل إيران أصبحت خطوة أساسية في قياس واختبار التحديات التي يفرضها الإيقاع اليميني الإسرائيلي على بلد مثل الأردن.
تصدي الدفاعات الجوية الأردنية بكثافة في أبريل الماضي للطائرات والصواريخ التي استهدفت إسرائيل، لم يمنع التواصل مع الإيرانيين ومناقشة بعض القضايا والملفات.
الأهم والملاحظ هو أن عمان دشنت خط اتصال مباشر مع مسعود بزشكيان ووزير خارجيته، أصبح فاعلاً أكثر من أي وقت مضى، والمعلومة الأردنية اليوم تصل الإيرانيين بصورة ثنائية مباشرة وليس عبر الأصدقاء العراقيين أو فلاترهم من أركان البيت الشيعي في بغداد.
ذلك تطور سريع ولافت لا يشبه الدبلوماسية الأردنية التراثية، لكن عمان تضطر إليه بحكم مصالحها التي تقتضي فتح بيكار التواصل قليلاً وفقاً للصيغة التي يقترحها رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري، بعد أن لفت النظر بوجود “القدس العربي” مرتين على الأقل إلى أن طهران ينبغي وهي تتفهم الاعتبارات والأولويات الأردنية أن تقتنع أكثر بوجود مسافة بين الأردن والانخراط في المشروع الأمريكي الخاص بالملف الإيراني.
مقابلة بزشكيان تضمنت ذلك نسبياً، وزيارة الصفدي لطهران تضمنت بعضه نسبياً أيضاً، لكن ما تقول طهران إنها تحتاجه بالمقابل هو قناة دبلوماسية مباشرة تنقل الرسائل الثنائية بدون وساطات، ما يدفع للاعتقاد بأن تناغمات القصر الملكي مع مجموعة الرئيس بزشكيان قد تنتهي قريباً بتسمية وتعيين سفير أردني في طهران بعد غياب طويل لمدة سنوات.
لكن المشهد قد لا يقف عند هذه الحدود، فثمة دعوة قيل إنها ستوجه لبزشكيان لزيارة عمان رسمياً، وثمة من نقل مرجعياً الإشارة إلى أن ملك الأردن لا يمانع زيارة طهران.
الأكثر أهمية يشير إلى أن عمان ابتهجت دبلوماسياً عندما شعرت بأن بزشكيان ومجموعته يتفهمان رسالة التحذير الملكي التي نقلها الوزير الصفدي بعد اغتيال الشيخ إسماعيل هنية، بعنوان “نحذركم من الوقوع في فخ نتنياهو”.
وهنا شعرت الدبلوماسية الأردنية بقدر من الاطمئنان؛ لأن طهران تعاملت بروية مع التنبيهات الأردنية، ما يسمح لاحقاً بمصارحات أكثر شفافية، وبأن تنعكس المجاملات بين القصرين، الجمهوري الإيراني والملكي الأردني، إلى المستويات البيروقراطية والأمنية والسياسية الأدنى في هرم الدولتين.
في السياق نفسه، ثمة من يراهن على أن مرونة بزشكيان تسمح للأردن بمناقشات ثنائية مباشرة في قضايا حساسة عالقة. والجديد تماماً هذه المرة تبادل رسائل ومعطيات بدون وسطاء.
في المقابل، الإطار الزمني لارتفاع منسوب الكيمياء بين عمان وطهران تحكمه دوماً اعتبارات ومحددات، وفقاً للعناني وغيره من الخبراء.
رهانات الأردن مرتبطة بتلك الرسائل الإقليمية العميقة التي بدأ يوجهها بعدة لهجات ولغات مركز القرار الأردني، وتقول ضمنياً إن أي مساحات فارقة تنتج عن ضغط اليمين الإسرائيلي على الأردن وتجاهل الولايات المتحدة لذلك، من الطبيعي أن تملأها شراكات إقليمية جديدة.
لذلك، يقر مسؤولون كبار في عمان بعدم وجود ما يمنع بعد الآن من دفع كلفة التقارب مع إيران مادامت الولايات المتحدة تقف عاجزة عن ضمان مصالح الأردن الأساسية، وتحديداً الأمنية والحدودية، التي يعبث بها أو يهددها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
التوجه الأردني في اجتماعات نيويورك تضمن مقاطعة الكلمة لنتنياهو، إن حضر، فيما رسالة لقاء بزشكيان هي التالية وتغيب نتنياهو.
طبعاً، ثمة فائض من الاحتياجات الأردنية العالقة لدى الإيرانيين، أهمها كبح المجموعات المسلحة العراقية التي تلوح بين الحين والآخر بالتوجه إلى حدود فلسطين المحتلة عبر الأردن، ومن أهمها أيضاً الضغط على الحرس الثوري الإيراني عبر المستوى السياسي والدبلوماسي في طهران لكي يتحرك بفعالية أنشط لمنع تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية مع سوريا.
الخلاصة أوضح: مصافحة بزشكيان والانفتاح على حكومته تنضج أكثر بعدما أصغى لنصيحة الأردن بعدم الوقوع في فخ نتنياهو، وتنضج بالتأكيد أكثر أيضاً في ظل شبح سيناريو الحرب الإقليمية الشاملة جنوبي لبنان والتصعيد مع حزب الله.
يحصل ذلك فيما لا تربط عمان بحزب الله أي علاقة من أي صنف، وفيما حرصت المؤسسة الأردنية بالتوازي على إظهار أقصى استعداد للإغاثة والمساعدة في عملية النزوح اللبنانية وإن كان عبر صديق عمان الوفي الرئيس نجيب ميقاتي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading