تعديلات الدستور الأردني بين كلفة “التوافق” و”ذوبان” المناكفة فجأة
أسوأ السيناريوهات: انتقال الاعتراض إلى “الشارع”
عمان – “القدس العربي”: انتقال مجلس النواب الأردني فجأة وعلى نحو مباغت من مسار يناكف التعديلات الدستورية ويتصدر حملة لإعادة تشريحها لا بل والوقوف ضد بعضها إلى مسار معاكس تماماً وبصورة مفاجئة وخلال أيام قليلة ما بين يومي الثلاثاء إلى الأحد، قد لا يكون الوصفة الحكيمة والمناسبة لتمرير وثيقة ومخرجات تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
أسوأ السيناريوهات: انتقال الاعتراض إلى “الشارع”
وهي الوثيقة التي تقرأ بأكثر من صيغة بعد إخفاق شرحها للرأي العام، إضافة إلى أنها وثيقة تعرضت لظلم شديد جراء الاستعجال في إقرارها وعدم العمل على توفير حاضنة اجتماعية مقنعة لها، وفقاً لتشخيص السياسي والبرلماني والوزير الأسبق الدكتور محمد حلايقة.
وبناء عليه، استسلمت الكثير من توصيات “تحديث المنظومة” للشائعات والتسريبات.
لا بل العديد من نصوصها -التي تعتبر بمثابة عملية إطلاق مفترضة لتحديث المنظومة السياسية فعلاً، خصوصاً على صعيدي قانوني الانتخابات والأحزاب- ساهمت ونوقشت أو تليت على أكثر من نحو وخارج سياقها. طبعاً، ثمة أسباب لكل تلك القراءات المغلوطة.
لكن الأهم أن منح المنظومة صفة الاستعجال وعدم صدور أي مراجعة حقيقية لنصوصها وللتعديلات الدستورية الملحقة بها والحرص على تجاهل الحاضنة الاجتماعية لها خصوصاً منذ انطلقت بدايات الحوار تحت إطار لجنة ملكية عريضة- قد يكون من الأسباب التي تثير الضجيج الآن، وتحرم بالنتيجة التعديلات برمتها من مستويات الرضا والقبول الشعبية، إضافة إلى أن بعض المعطيات يتم تسييسها أو التشكيك فيها.
الأهم برلمانياً، أن الحكمة السياسية قد تكون غائبة بعدما انتقل النواب إلى حالات توافق غريبة وغامضة تشكلت خلف اجتماعات مرتبطة بكواليس على نصوص التعديلات الدستورية، في الوقت الذي كان فيه البرلمان قبل أيام فقط يحاول إعاقة هذه التعديلات.
الحديث هنا عن انتقال البرلمان من حالة إلى أخرى معاكسة تماماً، وبصورة لا تبدو منطقية، ودون حصول مستجدات على صعيد الشرح والتوضيح، ودون توضيح أسباب المناكفات البرلمانية العامة للتعديلات الدستورية من قبل مؤسسة النواب نفسها أولاً.
وأعقب ذلك -ثانياً- عدم توضيح ملابسات الانتقال في الموقف باتجاه معاكس يمرر هذه التعديلات وبسرعة غريبة وبصفة الاستعجال، لا بل بنسبة تصويت عالية جداً.
الجدل المتضخم الذي رافق الإعلان عن تشكيل مجلس جديد للأمن القومي كان غريباً ولافتاً جداً بالنظر إلى حجم التصويت عليه، حتى أن رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي ابتسم وهو يتلو نتيجة هذا التصويت؛ فقد صوت 113 نائباً من أصل 114 حضروا الجلسة لصالح هذا التعديل الدستوري، الذي قيل عنه الكثير خارج قبة البرلمان، لا بل داخل القبة أيضاً، قبل أن يتضح أن المناكفة والمعارضة لا بل الشغب البرلماني، كلها اعتبارات ذابت فجأة.
يؤشر ذلك سياسياً، إلى أن التصرف مع النواب والتلويح بسيناريو وحل مجلس النواب قد يكون هو السبب وراء خلفية هذا الانعكاس، لا بل الانقلاب النيابي على المواقف العامة، مع أن بعض العقلاء والحكماء وأصحاب الخبرة كانوا يفضلون تمكين مجلس النواب من إجراء بعض النقاشات الحيوية وتمكين التعديلات الدستورية من أن تحظى بشرعية التصويت، لكن دون نسب توافق ذات صلة بأغلبية ساحقة أو بأغلبية كبيرة.
عموماً، فاتت فرصة التعامل بتوازن مع هذا المشهد المنفلت وسط المعطيات البرلمانية الأردنية. لكن الانطباع، في المقابل، تشكل على نحو مفاجئ بأن عبور تعديلات الدستور على أهميتها التي لم تشرح للرأي العام بالطريقة التي يمكن القول إنها كانت مقنعة وتوفر حواضن اجتماعية وإن مرت عبر البرلمان، تنتقل الخصومة معها وبدون شروحات أيضاً إلى الرأي العام وإلى الشارع.
وقد برز ذلك ليس فقط من خلال رصد معطيات الاشتباك للمواطنين الأردنيين المهتمين بالشؤون السياسية أصلاً وعددهم قليل عبر منصات التواصل. لكن برز أيضاً من خلال الدعوة إلى عقد اجتماعات جهوية أو حتى عشائرية ومناطقية للنظر بصورة مباشرة إلى تلك التعديلات الدستورية الخطرة، كما جاء في أكثر من تصريح أو بيان حراكي اللهجة.
يعتقد بأن انتقال الجدل حول تعديلات دستورية إلى الشارع بدلاً من تكريسه و”فلترته” عبر النخب والصالونات والأوساط السياسية وقادة البرلمان أسوأ ما يمكن أن يحصل لتلك التعديلات، التي يمكن النظر لبعضها باعتباره جوهرياً جداً، ورفيع المستوى، وقادراً على تحقيق جملة وطنية متوازنة تسعى نحو التغيير والإصلاح السياسي مستقبلاً.
كل تلك مؤشرات على أن الاضطراب لايزال سيد الموقف، فقد صدرت دعوات في الكرك ومدينة المفرق شرقي البلاد لتنشيط الحراك السياسي على قاعدة رفض التعديلات الدستورية.
وهذه هي المرة الأولى التي تنتقل فيها أجندة دعوات الحراك، على الأقل بصرف النظر عن زخمه الحقيقي في الشارع، من السياق الاقتصادي إلى سياق سياسي أو حتى دستوري مباشر.
وأنشطة حراكية بدأت تتبلور في مدينة السلط غربي العاصمة عمان، ودعوات للبحث عن توحيد الحركات في مدينة الكرك، ونشاطات تناكف التعديلات الدستورية في مدينة الزرقاء.
وفي الوقت الذي لا تتدخل فيه نخب عمان العاصمة المحسوبة على الموقف الرسمي لصالح تلك التعديلات أو لصالح مساندتها، فقد أبقت نخب الأردن السياسية وطبقة رجال الدولة وكبار المثقفين مهمة الدفاع عن التعديلات الدستورية للحكومة، التي تأخرت بدورها في تقديم التفسيرات والشروحات، لا بل في حشد واستقطاب الآراء المساندة.