اراء و مقالات

هل الفايز على درب «العجارمة»؟… انفعالات نواب الأردن: «الملاكمة» مستمرة والتشريع بين «التمكين والتدجين»

عمان – «القدس العربي»: يظهر عضو البرلمان الأردني، المناكف بالعادة محمد الفايز، في وصلة فيديو جديدة يخترق فيها بعض الأسقف المعتادة. والانطباع كان سريعاً بأن عضو مجلس النواب المنتخب حديثاً وفي آخر انتخابات وسمت بالهندسة، قد يتدرج في خطابه النقدي الذي يبدأ بالنصيحة والملاحظة الآن نحو تلك المساحات التائهة أو الانفعالية التي ذهب إليها زميله المفصول سابقاً والسجين حالياً أسامة العجارمة، مع أن المشهد الداخلي والوطني عموماً لم يعد يحتمل الكثير من اجتهادات واستعراضات الخطابات الشعبوية، خلافاً لأن الملف الإقليمي صاعد وقوي وحساس جداً.
في الفيديو، الذي أثار انتباه نخبة عريضة في المجتمع والطبقة السياسية، يتحدث الفايز عن علاقات جيدة ووطيدة ربطته بدول الخليج، ثم يبدأ بتقديم نصائح حادة قليلاً لكن بعضها من الصنف الذي ينبغي التوقف عنده بكل الأحوال، وتصدر بالنتيجة جراء التناغم مع سحر الكاميرا والرغبات الطبيعية لتحقيق معدلات اهتمام كبير عبر منصات التواصل عبر بعض العبارات التي تجرح أحياناً ثم تؤسس لخطاب يخترق ما هو بعد اللون الأحمر، وفقاً للتقاليد.
يعيد الفايز التذكير بأن الإرادة المرجعية للإصلاح غير موجودة، ثم يتحدث عن حادثة تسمم الغاز الأخيرة في العقبة، مشيراً إلى حماية خاصة وغير مفهومة تتميز أو تحيط بأحد كبار المسؤولين في العقبة، ناصحاً ولي العهد بصفة خاصة الأمير الحسين بن عبد الله، بأن يعلن رفضه لقرارات لجنة التحقيق الوزارية.
مجدداً، الأخطاء التي حصلت إدارياً في حادثة تسمم غاز العقبة أعادت إنتاج حالة انفعال برلمانية، ليس فقط عند النائب الفايز، لكن أيضاً عند زميله فريد حداد الذي سأل علناً عن مسؤول بارز في العقبة: هل يملك مؤهلات خارقة؟ ومجدداً تبرز حالة التيه والضياع في بوصلة تعاطي واشتباك أعضاء مجلس النواب مع القضايا والمستجدات، ثم يدخل نائب ثالث هو الإسلامي أحمد القطاوين ليقترح علناً مبادرة تخرج لأسباب صحية وإنسانية السجين أسامة العجارمة والمصنف بالنسبة لشرائح متعددة في الحراك الشعبي باعتباره سجين رأي سياسي.
الأهم في تلك المقاربات أنها تكرس انطباعين:
الأول هو ذلك الذي يؤشر على إن المشهد البرلماني على الأقل عموماً ورغم قرب عبور السنة الأولى في عمر المجلس الحالي، لا يزال فوضوياً بامتياز ويحتاج إلى ضبط الإعداد، مع أن نائب رئيس المجلس أحمد الصفدي عبّر وأمام «القدس العربي» مرتين عن قناعته بأن مؤسسة مجلس النواب معنية بالاشتباك الإيجابي والمنتج ولديها القدرة على تطوير المهارات والأداء والمعرفة، ناصحاً بأن تتوقف محاولات تشويه المجلس بلا مبرر، ومقترحاً على السلطات التنفيذية أن تفتح صفحة جديدة من التعاون مع الشراكة ليس فقط تحت بند الالتزام بالتوجيهات المرجعية المتكررة، لكن من باب استعادة زمام المبادرة وإنجاز عملية ضبط الإعدادات الوطنية.
وما لا يقوله الصفدي أو غيره هنا هو تراكم الانطباع خلف ستارة سلطة التشريع بأن الاستمرار في تهميش تيارات أو أصحاب الصوت المعارض تحت قبة البرلمان على قلتهم ثم استمرار التدخل في هندسة الهندسة وتركيب اللجان وأحزاب المستقبل البرلمانية، خطوات من شأنها عملياً وفي النتيجة خدمة الخطاب البرلماني الغرائزي والشعبوي فقط.
والاستمرار في هذه المماحكة السياسية بين السلطات يعني فقط بروز المزيد من حالات الاعتراض والمعارضة الفردية التي تثير الإشكالات والزوابع وفي ظرف اقتصادي وسياسي حساس جداً دون روابط أو كوابح، الأمر الذي عاناه الأردنيون، سلطة وشعباً، في الماضي الأبعد والقريب في معظم تجاربهم في البرلمان، سواء المنتخبة أو تلك التي خضعت لمعايير الهندسة على حد تعبير الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة.
بكل تأكيد، لا يحتاج المشهد لمزيد من استعراضات رفع السقف وتجاوز الحدود الحمراء.
وبصورة مرجحة، لا يحتمل الوضع العام ولادة أو تشكل أو تكوين المزيد من بؤر الاحتقان باسم المناطق أو العشائر، لكن المؤكد بالمقابل بعيداً عن محاولات التحريك العشائري أو المناطقي عبر نواب الأمة أو بعيداً عنهم أن مجلس النواب ينبغي أن يستعيد هيبته بكل حال، وأن الدولة معنية مع كل مراكز القرار بكل ما يتطلبه تفريغ الاحتقان عبر إعادة الهيبة لجوهر الشراكة بين السلطتين.
ومعنى ذلك أن الجزء المتعلق بخطابات نارية أو شعبوية لبعض النواب يمكن تجاهله ثم إجادة لغة الإصغاء إليهم واستقطابهم والتحدث معهم والانتباه للجزء الإيجابي غير المتشنج من طروحاتهم، بالتوازي مع الحرص الفعلي على وقف التدخلات بمسارات التشريع والرقابة والتصويت، وأيضاً على مأسسة العمل البرلماني فعلاً.
ما حصل من غياب التسامح والمرونة في حالة النائب السجين العجارمة مؤسف، وما قاله الأخير ودفع به إلى السجن مؤسف أيضاً جداً.
وظهور حلبة ملاكمة بين النواب أدت إلى فصل أحدهم لمدة سنتين كان مجحفاً للغاية بحق الجميع، وعليه – بالخلاصة – يحتاج مجلس النواب إلى عملية ضبط عميقة للإعداد فعلاً، يفترض أن تبدأ من تمكينهم من استعادة دورهم وواجبهم ووظيفتهم في هرم وبناء الدولة وخطابها أيضاً، بدلاً من الإصرار على سياسات «التدجين».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى