اراء و مقالات

وزير الاتصال الأردني «مصدوم وزعلان»: بعد احتفالات جرش والحشود في «زمن كورونا»… «غفوة بيروقراطية» بلا تفسير

عمان – «القدس العربي»: لا يحدد وزير الدولة لشؤون الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، صخر دودين، بصورة مفصلة الجهات المسؤولة التي يطالبها بالالتزام بالبروتوكولات القانونية والصحية وهو يستعمل في حديث لإحدى الإذاعات المحلية، صباح الأحد، عبارة من طراز «أنا مصدوم وزعلان» مثل بقية المواطنين.
الوزير دودين يغادر ثقافة الإنكار الموسمية، ويقر أمام الرأي العام بحصول خلل له علاقة بتطبيق البروتوكولات الموضوعة عندما يتعلق الأمر بسلسلة مهرجانات فنية وغنائية صدمت الجميع فعلاً من حيث مستوى التدافع والتزاحم فيها، بعدما أعلنت الحكومة فتح كل القطاعات أو غالبيتها في الأول من شهر أيلول/سبتمبر.
ضجيج المشهد الأردني لم يقف عن حدود مباشرة بعد حفلات مهرجان جرش للثقافة والفنون، ثم الحفلة التي قيل إنها ستقام للمطرب المصري عمرو دياب، ولاحقاً كثافة مقلقة من الجمهور في حفل ثالث يتعلق بالمطرب تامر حسني.
حجم التعليقات السلبية ومن الجمهور وعبر منصات التواصل الاجتماعي يعكس حالة من الانزعاج العام، لكن الذين تزاحموا في الحفلات الغنائية تحديداً هم أيضاً من الجمهور الأردني، في قرينة متجددة على غياب الوعي الوبائي أو المجازفة بتطبيقات وتعليمات صحية وقائية. ويتردد وسط الوزراء بأن التساهل البيروقراطي والرسمي في احتفالات مهرجان جرش لم يعجب وزير الصحة الدكتور فراس الهواري المصنف بين المتشددين، فيما يتعلق بوقائيات السلامة العامة، في الوقت الذي جددت فيه لجنة الأوبئة الوطنية تحذيراتها علناً، حيث طالبت الأحد مجدداً بإلغاء الاحتشادات والاحتفالات.
عضو اللجنة الوبائية الأكثر إطلالة على الإعلام الدكتور بسام الحجاوي، كان قد صرح قبل يومين بأن تداعيات ما حصل في مهرجان جرش من تزاحم غير منظم وحضور مكثف للمواطنين سيتم رصد انعكاساته على معدلات الإصابة بالفيروس بعد عشرة أيام. وأمام «القدس العربي»، تحفظ القطب البرلماني صالح العرموطي، على تلك التسهيلات الكبيرة التي يحظى بها راقصون ومطربون، فيما يتم التشديد على المرافق الاقتصادية للأردنيين، وعلى المساجد.
عشرات البيانات انتقدت الحكومة وموقفها المتراخي عند تنظيم مهرجان جرش، وحتى تشدد الحكومة في مجال القطاعات التجارية وقطاع الخدمات حظي بالمقارنة قيادياً بحالة الموت السريري التي أصيبت بها التعليمات الصحية وتطبيقات أوامر الدفاع عندما يتعلق الأمر بتراخيص من حكام إداريين سمحت بإقامة حفلات غنائية دون سيطرة وتحكم، مع أن التعليمات متشددة جداً ويُلتزم بها في المساجد ودور العبادة وأيضاً في المقاهي والمطاعم والمنشآت.
يستفهم سياسيون كبار عن خلفيات وأسباب وتداعيات ما يسمى بغفوة بيروقراطية طالت بعض النشاطات الفنية والغنائية تحديداً. ويبدو أن فكرة الجبهة البيروقراطية التي تساهلت هنا كانت تحريك بعض القطاعات السياحية التي تشتكي من تراجع حاد في أعمالها بعد عامي كورونا الصعبين، فيما تؤشر الجملة النقدية للوزير دودين علناً ضمنياً على أن الطاقم الوزاري، على الأرجح، لا ينظر لزوايا الانفتاح بعد الإغلاق من الموقع نفسه.
أغلب التقدير أن وزير السياحة يحاول الدفاع عن قطاعه وتحريك الأمور بهدف تعويض المنشآت السياحية قدر الإمكان، وأغلب التقدير أن وزير الثقافة علي العايد، ليس مسؤولاً وحده عن ما حصل في مهرجان جرش، حيث آلاف من الحضور على المدرجات دون التزام حقيقي ببروتوكولات صحية.
ومن الواضح في السياق، أن تلك الغفوة البيروقراطية لا تقف عن حدود إغضاب الوزير دودين، بل تقلق اللجنة الوبائية وزير الصحة، والأهم أنها غفوة تسبق تنشيط أوراق تعديل وزاري مفترض. و في كل حال، انتقد وزير الاتصال ما سمّاه بالخلل بعد مشاهدة آلاف الأردنيين محتشدين، وبعد بيع آلاف التذاكر لحفلات غنائية أقامها القطاع الخاص، لكن الوزير لم يشرح ما إذا كان الخلل قريباً من الجانب التنظيمي لمهرجان جرش والذي تسبب أصلاً بإثارة جدل وتجاذب سياسي الطابع.
ومقولة «الوباء لم ينته بعد» لا تزال إعلامياً وداخلياً قابلة للاستهلاك، وإن كانت لا تؤطر بأرقام وحيثيات علمية؛ فالخبرة الأردنية -كما أفاد الوزير الهواري لـ«القدس العربي»، سابقاً- تراكمت في الاشتباك مع الوباء، والإصابات في معدل منخفض وتحت السيطرة، لكن التراخي اليوم قد يكون مكلفاً غداً.
والأهم في المتابعة والتقييم الإعلامي تحديداً أن الحكومة لا تبدو موحدة في السياق، فكل وزير له علاقة بقطاع الخدمات يجتهد ويناور ويبادر لتحريك القطاعات في نطاق ولاية وزارته، لأن الشكوى والتضجر والخسائر الاقتصادية تشمل الجميع.
لكن ذلك يبدو أنه لا ينجز في نطاق خطة مرجعية ناضجة متكاملة على المستوى البيروقراطي والحكومي على الأقل، حيث لا يعرف المواطنون اليوم أين انتهت لجان خلايا الأزمة الوزارية أو حتى الأمنية. وحيث إن المؤسسة المعنية بالأمن الداخلي، وهي مديرية الأمن العام، تبذل جهداً استثنائياً ولا تريد الظهور بمظهر من يتدخل في القرار السياسي للحكومة، خلافاً لأن قوات الأمن المدربة والمحترفة لا تستطيع دوماً اللحاق بمبادرات وخطوات الوزراء والحكام الإداريين واجتهاداتهم، وتقوم بواجبها بمعزل عن أي تداخل بصيغة سياسية في مؤشر عميق على الاحتراف.
الغفوة البيروقراطية هنا تحتاج إلى تأمل ونظرة أعمق وأنضج حتى لا تتكرر، وإن كانت ارتدت مؤخراً ثوباً له علاقة بعمرو دياب أو تامر حسني أو حتى الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى