«تدخلوا أكثر بالموظفين»: وصايا للوزراء في الأردن والغائب «الولاية العامة»… ماذا عن «حقائب المحاصصات»؟
عمان- «القدس العربي»: فكرة رئيس الوزراء الأردني الدكتور جعفر حسان، عن “توجيه مباشر” لطاقمه الوزاري بـ “التدخل الصريح مع صغار وكبار الموظفين” في كل وزارة، تبدو حقاً متناغمة بنسبة معقولة مع “مسار الرؤية الاقتصادية”، وتبدو أيضاً “سابقة إدارية” غير معهودة يعلن فيها رئيس الحكومة بصلابة ضمناً بعد الآن بأن “الوزير”- أي وزير- واجبه التدخل بالتفاصيل البيروقراطية- الإدارية مع صغار الموظفين قبل كبارهم.
لكن في الوقت ذاته، ما ينقص هذه السابقة “الإيجابية إدارياً في كل حال” هو النص الصريح بالمقابل على “الولاية العامة” للوزير بكل ما يسحبه أو يجره ذلك من تغييرات بنيوية أكثر إنتاجية تقنع صغار الموظفين والمواطنين معاً بأن الحكومة جادة فعلاً هذه المرة على الأقل في “استعادة الولاية العامة”.
الوصول إلى مرحلة يكلف فيها رئيس الحكومة الوزير بالتدخل المباشر بصغار الموظفين مقابل “المساءلة والمتابعة” أمر مهم وجذري وأساسي، لكنه وصول “منقوص” بالمعنى السياسي والواقعي؛ لأن الموظف في أي وزارة عليه قبل الامتثال التيقن بأن وزيره اختير على قاعدة “الرجل المناسب في المكان المناسب”؛ بمعنى أن الوزير ابن القطاع، وخبرته متراكمة فيه، ولا يؤدي تدخله التفصيلي إلى “إعاقة العمل البيروقراطي”.
ما ينقص أيضاً بعد تلك الوصايا هي قناعة الموظفين بأن الحكومة تستأجر دوماً “القوي الأمين” وبأن الفهم الفني عند الوزير بصفته المسؤول السياسي هو القائد أكبر وأقوى من فهم مرؤوسيه.
بعيداً عن أي فلسفة سياسية، يؤسس الرئيس حسان وهو يخطب بحدة، لمنهجية ستثمر حصراً عندما يمارس كل وزير “ولايته العامة” فعلياً، وستثمر أكثر إذا كان حسان نفسه قد أقنع الرأي العام أصلاً بأنه اختار الطاقم بعيداً عن “المحاصصات وجوائز الترضية”، وهو الشرط الإداري الذي قال الوزير الأسبق صبري إربيحات علناً، إنه لم يتحقق.
حتى تضمن رئاسة الوزراء تفعيل “توجيهات الرئيس” الجديدة، لا بد من إظهار “حساسية أكبر” عند الحكومة في تطبيق مبدأ “المسؤولية الأدبية” أيضاً، بمعنى استقالة الوزير في حال حصول أي خطأ يرتكبه أي موظف في تبعيته، لا بل محاسبة “المسئول السياسي” عند مخالفات “صغار الموظفين” الذين يأمر رئيس الحكومة وزراءه بالإشراف التفصيلي عليهم.
طبعاً، خطة رئيس الحكومة لم تكن تتضمن فتح ملفات من هذا الصنف بقدر ما لها علاقة بـ “تصليب” جبهة الوزراء وتقويتهم وتحفيزهم على ممارسة صلاحياتهم في وضع إداري معقد للغاية أو لها علاقة بمحاولة الرد ضمناً على ما أعلنه رئيس جهاز الجمارك الجنرال جلال القضاة، وهو يحيل نفسه على التقاعد بسبب “تدخلات غير مهنية للوزراء”.
مدير الجمارك أغضب الحكومة بالتأكيد وأقلق الرأي العام، لأنه لم يعرض لـ “تفاصيل تدخلات الوزراء” التي قصدها، فيما اندفع المقربون من الحكومة إلى “تشويه” دوافع الرجل، علماً بأن الأخير قد تكون دوافعه ليست شخصية بل مرتبطة بالمصلحة العامة عموماً.
المفارقة أن مسؤولين تنفيذيين كباراً وخبراء يعتد بهم وشخصياتهم قيادية مثل المدير العام للجمارك، المستقيل، يصدقهم الرأي العام فوراً عندما يتحدثون عن “وزراء أضعف مهنياً يتدخلون ويعيقون العمل”.
والسبب طبعاً أن آلية اختيار الوزراء لا تزال بمثابة سر نووي في الأردن، حيث لا يعلم الوزير لماذا اختير ولا يكلف بشيء محدد، وعلى الأرجح لا يعلم متى وكيف يفقد حقيبته.
وعليه، قد يتقبل الشارع والإطار البيروقراطي بمرونة أكثر قواعد الاشتباك الشفافة التي يقترحها رئيس الحكومة وهو يوجه الوزراء، لو توفرت لدى الحكومة مساحة سردية مقنعة تبلغ فيها المواطن والموظف على أي أساس اختار الدكتور حسان “كل وزير” وما هو المتوقع منه بصورة محددة أو مفصلة؟
ثمة ملاحظات تراكمت من البداية حول كيفية اختيار الوزراء في الحكومة الأخيرة، وحول آلية اختيار الأعيان وتوزيع الوسمة وبرامج التكريم.
والرئيس حسان أكثر من طرحت أسئلة على طاولته بخصوص خلفية اختيار العديد من الوزراء وجوهر فكرته عن اختيار وزراء حزبيين بدون أحزابهم. وما يقدره الخبراء العميقون أن منهجية الحكومة في “تشجيع الوزراء” على اقتحام طبقات الموظفين تبدو رافعة لنسبة التفاؤل الإداري، لكن يجب أن تسبقها إنجازات أهم تؤسس منظومة قابلة للقياس مرتبطة بملف “تشكيل الحكومات”.
اختار حسان 14 وزيراً من الحكومة السابقة، واستعان بطاقم اقتصادي متميز، وسلم 8 حقائب لشخصيات حزبية بدون أدنى تنسيق مع أحزابهم، وعين وزراء في حقائب لا تربطهم بها أي صلة “مهنية” معروفة على الأقل لموظفي القطاع العام.
مع كل ذلك، لم يمنح الطاقم تفويضاً ضخماً فيه قدر واضح من التسرع والانفعال من طراز “التدخل في الصغير والكبير بين الموظفين” بالتوازي مع “توضيحات بسيطة” تلتزم فيها الحكومة بأن “من سيتدخل هنا” بالموظفين على مستوى “الوزراء” فإن لديهم فعلاً وحقاً كل الخبرة والأهلية، ويمكن لتدخلهم بطريقة رئيسهم أن “يعزز الأداء والإنتاجية” بدلاً من إعاقة العمل.
في النتيجة، لا بد في النقاش السياسي لتوجيهات إدارية مهمة ولافتة، أن نذكر الحكومة ورئيسها بأن المشوار سيطول في الفهم الشعبوي العام ومعه البيروقراطي لذلك السر واللغز المرتبط بسؤال “كيف يختار الوزير؟”.
الدرب أطول طبعاً عندما يتعلق الأمر بتعزيز الوزير بمبدأ دستوري فاعل هو “الولاية العامة”.
عندما يقتنع الشعب الأردني بأن الولاية العامة يمارسها الوزراء دون تدخل وبأداء مسؤول وعلى أساس “الكفاءة والمهنية” بعيداً عن المحاصصات المشوهة.. فقط في تلك اللحظة سيصبح كلام مدير مستقيل “غير مهم وغير مؤثر” وسينضم “الموظف” إلى المواطن في “التصفيق”.
والأرجح وقتها ألا يحتاج رئيس حكومة إلى “تهديد “صغار الموظفين وكبارهم بقرب مرحلة “الصلاحيات المطلقة وأوامر التدخل لطبقة الوزراء”.