اراء و مقالات

كيف ولماذا يخاطب «إخوان الأردن» إسرائيل بصفة «الجيش والشعب»؟

عمان – «القدس العربي»: مرتان على الأقل وفي أسبوع واحد، خاطب الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في الأردن، الإسرائيليين عن بعد عملياً باسم الشعب والجيش معاً.
وفي المرتين لا ذكر للحكومة، والهدف طبعاً بالنسبة إلى الشيخ مراد العضايلة هو لفت النظر إلى أن عقيدة المؤسسات والشعب في الأردن بعيداً عن الإدارة والدوائر البيروقراطية في الدولة، لا تزال هي تلك العقيدة المؤمنة بأن إسرائيل وفقط حصراً هي العدو.
تلك رسالة ينبغي تأملها سياسياً، لأنها قد تعني تطوراً ما لافتاً في خطاب الحركة الإسلامية التي بدأت أوساط جماعتها الأم، وهي الإخوان المسلمون، تطرح سؤالاً استفهامياً في السر والعلن بعد سلسلة صفعات اليمين الإسرائيلي للأردن الرسمي بعنوان: لماذا لا تطلق يد الجماعة؟
سياسياً وإعلامياً، أغلب التقدير أن الحركة الإسلامية لا تنتظر من أي جهة إطلاق يدها، فهي بصرف النظر عن وجود تيار فاعل في السلطة يستهدفها أو يعمل على تقليص نفوذها وتقليم أظافرها، لا تزال تحتفظ بسحرها وورقتها حيث إنها ضامن أساسي في نسيج المجتمع في الاتجاه المعاكس في أي فوضى أو عبث، ليس بسبب حضورها الشعبي الكبير، ولكن بسبب تغلغلها في أوصال المجتمع وتمتعها بصفة ضامن مسيس ومنظم يمكن في اللحظات الحرجة حتى بالنسبة إلى خصومها في الدولة التفاهم معها والالتقاء بها في منتصف الطريق عند الحاجة.
ليس سراً أن بعض الوطنيين بلا غبار داخل الحركة الإسلامية الأردنية يسألون عن الخطوة التالية للدولة العميقة تجاههم مادام الخطر معلباً وبالأطنان يرد من خصم خارجي شرس هو الإسرائيلي اليميني اليوم، الذي يصر الدكتور مروان المعشر على وصفه بأنه لا يؤمن بالأردن لا دولة ولا شعباً.
يوازن الإسلاميون في الخريطة الأردنية بوضوح بين الجملة الوطنية التي يحتفظون بها تحت عنوان ملتقيات الدفاع عن الوطن في مواجهة مخاطر ما يسمى بالتكيف واليمين الإسرائيلي، وبين جملتهم التكتيكية التنظيمية الداخلية التي تتصدر في القيام بواجب الاعتراض ودعم الوطن وبتوازن ودون ترك المكروفون في الشارع الأقل لاحتمالات الفوضى.
هذا التوازن لا بد من عقلاء وحكماء في الجانب الرسمي يلتقطونه بذكاء ويعملون معه، وحتى وسط طبقة كبيرة من رجال الحكم والإدارة إقرار أمام “القدس العربي” عدة مرات بحقيقتين أساسيتين:
الأولى هي تلك التي توضح بجلاء بأن نواب التيار الإسلامي في البرلمان أقل إزعاجاً وكلفة، ولا يمارسون الابتزاز تحت القبة قياساً ببيانات نواب الموالاة العريضة.
والحقيقة الثانية هي على الأرجح تلك التي تؤمن بأن وصول المواجهة مع اليمين الإسرائيلي مستقبلاً إلى حد خطر من الصنف الذي لا يمكن السكوت عنه، يعني في سياق الاستحقاقات أو قد يعني أن الحاجة ملحة للإسلاميين دون غيرهم لإطلاق فعالياتهم، ليس في الشارع فقط الذي يعرفهم ويعرفونه، ولكن في المواجهة والاشتباك.
ليس سراً إطلاقاً اليوم بأن بعض قادة الحركة الإسلامية من المسيسين ينتظرون مثل هذه للحظة من التلاقي مع الدولة والحكم في السياق الوطني. وليس سراً أن هؤلاء في النقاشات الداخلية يتعرضون للوم والتقريع وأحياناً السخرية؛ لأن القناعات راسخة بأن ما يلاقيه الإسلاميون من الدولة حتى الآن هو منتج المتشددين من الموظفين والمسؤولين.
لكن الظروف قد تتغير، لا بل يرى الحكماء والخبراء أنها ينبغي أن تتغير إذا أخفق الأمريكيون في كبح جماح صفعات اليمين الإسرائيلي ضد الأردن الرسمي، وإذا ما وصلت المناكفات أو الصراعات مع موتوري إسرائيل بحلتها اليوم إلى مناطق معقدة وصعبة تحتاج فعلاً إلى أن يصعد في عمان اليمين الوطني الأردني على أساس تصويب وتعديل قواعد الاشتباك.
واليمين الوطني الأردني مفهوم ومتسع اليوم، وجمهوره يمثل القاعدة الأعرض من الأردنيين ومعهم الفلسطينيون الأردنيون. لكن التيار الإسلامي يجلس كقوة صاحبة خبرة ومنظمة، وقد تكون الوحيدة التي يمكن الارتقاء بها إلى دوائر الفعل والاشتباك، حيث قناعة تترسخ أكثر بأن اليمين الأردني ومعه طيف واسع من الوطنيين من أبناء العشائر والذين يناهضون التطبيع هو وحده الخيار الأسلم أو قد يصبح كذلك قريباً جداً إذا ما نجح الثنائي اليميني إيتمار بن غفير ويتسليئيل سموتريتش في بناء قوة العصابات المسلحة التي تثير الرعب والفوضى في الأراضي المحتلة. إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد تصبح الهواجس والمخاطر الأردنية في أقرب نقطة من طرق الأبواب، حيث انهيار النظام القانوني والعدوى التي تعبر الجسور باتجاه شرق الأردن، وحيث التهجير المحتمل والاضطراب الذي سيخلخل كل المعادلات الأمنية في لحظة لا يوجد في الداخل الأردني على الصعيد الشعبي فقط جهة منظمة تدير الاشتباك معها إلا الحركة الإسلامية عملياً.
في كل حال، يمكن لأي مراقب التقاط ما هو جوهري في المسألة عند مراقبة الشيخ العضايلة وهو يتحدث عن وباسم الجيش معاً مرتين على الأقل؛ الأولى بمناسبة ذكرى الكرامة، وفيها يعرب العضايلة عن قناعته بأن الجيش والشعب ضد إسرائيل والتطبيع وأنهما مع التحرير والمقاومة في استنتاج سياسي صعب ومعقد له مسوغاته عند الإسلاميين، لكن بدا لافتاً للنظر أن أحداً في الصف الرسمي العميق والسطحي لم يعترض عليه أو يناقشه.
والمرة الثانية أمام مسجد الكالوتي بالقرب من سفارة الكيان، وفيها يخلص العضايلة أيضاً إلى أن بنادق النشامى مصوبة نحو غرب النهر.
وهنا أيضاً خلاصة سياسية خطابية تبني على ما بعد تجاوز عقائد المساحة البيروقراطية مع الجار الإسرائيلي المقلق. والملاحظ مجدداً أن العضايلة قالها ولم يعترض أحد، في مؤشر على أن السلطات ممثلة في الحكومة أولاً، وفي النخبة التي تعلك الحديث عن السلام والشراكة والحدود الآمنة مع العدو لا يوجد لديها ما تقوله لا في الدفاع عن سلام ميت، ولا عن شراكة أصبحت خصامية، ولا عن عملية سلام أنجزت.
بالتوازي، الاستنتاج محدد هنا، وهو ما سبق أن أشارت له “القدس العربي”، فميكروفون اليمين الإسرائيلي الذي يصدح ضد المملكة يومياً ويتحرش بها ويصفع ثوابتها ينبغي أن يقابله ميكروفون الوطنيين الأردنيين، في خلطة قد تصبح اضطرارية وقسرية لاحقاً لأنها تغير المعطيات في كل الأوراق وتخلطها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى